الأنباء بوست/ حسن المولوع
في تدوينة جديدة لرئيس النقابة الوطنية للصحافة المغربية، عبد الكبير اخشيشن، حمل إلينا جرعة إضافية من التباهي الذي لا طائل منه، ممزوجة بخطاب مثقل بالحشو والتنميق، ليحدثنا عن “التكوين الرصين” و”رفع نوعية التكوينات”، في وقت يئن فيه قطاع الصحافة تحت وطأة الزبونية والمحسوبية التي تلتهم كل مبادرة أو مشروع واعد.
يتحدث السيد اخشيشن عن ورشات تكوين “رصين” وكأنها فتح مبين، بينما الواقع يقول إن هذه الورشات لا تعدو أن تكون مجرد لقاءات شكلية، يستفيد منها نفس الوجوه المألوفة التي تحوم حول النقابة، في دائرة مغلقة من الزبونية والمحسوبية. ونتحداه في هذا الصدد أن ينشر لائحة المستفيدين من هذه التكوينات منذ أن تسلم زمام النقابة، ليعرف الجميع أن “التكوين” الذي يتحدث عنه لا يعدو كونه لعبة كراسي بين المحظوظين والمحظوظات.
وإذا كان هناك من يحتاج إلى تكوين حقيقي، فهو السيد اخشيشن نفسه. فالرجل لا يزال يتحدث بعقلية الصحافة التقليدية التي تجاوزها الزمن، في عصر أصبح فيه الذكاء الاصطناعي يحدد معالم المهنة. إذ كيف يمكن لشخص بعقلية جامدة أن يقود صحافة تبحث عن التطوير؟
أما الحديث عن “رفع نوعية التكوين” و”تشبيك الجهود”، فهو مجرد كلام إنشائي لا يعكس أي واقع. فماذا حقق السيد اخشيشن منذ أن جلس على كرسي النقابة؟ هل تحسنت أوضاع الصحافيين؟ هل تغيرت شروط العمل؟ أم أن النقابة أصبحت مجرد منصة لتكرار الخطابات الفارغة التي لا تحمل سوى الوعود المؤجلة؟
الحقيقة المؤلمة هي أن أمثال السيد اخشيشن هم جزء أساسي من أزمة الصحافة المغربية. وبدلًا من البحث عن حلول واقعية، ينشغلون في صياغة تدوينات مفعمة بالكلمات الكبيرة التي لا تقدم ولا تؤخر. فهم يكرسون التشرذم الذي يدعو للتخلص منه، ويطيلون أمد معاناة القطاع بممارساتهم البالية.
إن تدوينة السيد اخشيشن ليست إلا مرآة لعجز النقابة عن تقديم حلول حقيقية، وهي محاولة لإلهاء الرأي العام الصحفي عن غياب أي إنجاز يُذكر. فالصحافة المغربية تحتاج إلى قيادات واعية ومؤهلة، وليس إلى كلمات منمقة وخطابات فارغة.
الغالبية العظمى من الجسم الصحفي يعرفون عقلية عبد الكبير اخشيشن. فقبل أن يتكلم، يعرفون مسبقًا ما سيقوله، وكأنه إنسان غير مستقل لا في القول ولا في الفعل. وما إن ينشر تدوينة جديدة، حتى ندرك أن موسم الحشو قد بدأ. فدائمًا يطل علينا بخطاب مزدحم بالكلمات الكبيرة، لنجد أنفسنا أمام نسخة مطورة من نفس الخطابات القديمة التي لا تحمل سوى وهم الإنجازات.
يقفز اخشيشن إلى الحديث عن “الذكاء الاصطناعي التوليدي”، وكأن الصحافة المغربية تجاوزت أزماتها البنيوية وأصبحت في طليعة العالم الرقمي. بينما الحقيقة أن الذكاء الوحيد الذي نحتاجه اليوم هو كيف نُخرج النقابة من دائرة العجز إلى دائرة الفعل.
إن الصحافة المغربية لا تعاني فقط من ظروف اقتصادية صعبة، بل من قيادات بعقلية تقليدية لا تزال تعتقد أن الخطاب المنمق يمكن أن يخدع الجميع. فالمشكلة ليست في الذكاء الاصطناعي، بل في عجز النقابة عن تطوير نفسها قبل أن تحاول تطوير غيرها.
عبد الكبير اخشيشن يمثل حالة واضحة لزمن الحشو، الزمن الذي تتراكم فيه الكلمات بينما يغيب عنه الإنجاز. فالنقابة تحتاج إلى فعل حقيقي، إلى مواجهة أزمات القطاع بدل الاختباء خلف تدوينات لا تسمن ولا تغني من جوع. أما نحن، الصحافيين، فنحتاج إلى قيادات تفهم أن “التكوين الرصين” يبدأ من تنظيف النقابة من الحشو والزيف.
التكوين الحقيقي هو الذي يحقق أهدافه في الواقع، وليس مجرد تكوين روتيني لشرب الشاي والقهوة حتى يُكتب في سجلات النقابة أنها نظمت تكوينًا لتبرير النفقات وما يرتبط بذلك من فواتير. التكوين ايضا هو الذي يكون شاملًا بين جميع الصحافيين والصحافيات، وليس في إطار الولاءات والصداقات، وزوجات الأصدقاء وأزواج الصديقات، أو صديق صديقتي.
الحقيقة المرة هي أن قطاع الصحافة المغربية أصبح عالقًا بين مطرقة التحديات البنيوية وسندان القيادات التي لم تعد تعكس تطلعات الصحافيين. ففي الوقت الذي يتطور فيه الإعلام العالمي ليواكب متطلبات العصر الرقمي، نجد أن النقابة الوطنية للصحافة المغربية غارقة في حسابات ضيقة وأولويات لا تتماشى مع حجم الأزمات وتغرد خارج السرب .
هذه النقابة تحتاج إلى قيادات تمتلك رؤية متجددة، قادرة على فهم الواقع بدل التمسك بالأوهام، وإلى مسؤولين يعترفون بأن الصحافة ليست مجرد مهنة، بل أداة تغيير وإصلاح.
إن القيادة الحقيقية تبدأ من الإصغاء للقاعدة الصحافية وإشراك الجميع في صنع القرار، بعيدًا عن المصالح الشخصية والدوائر المغلقة، فالصحافة ليست في حاجة إلى “ورشات التكوين” التي تنتهي صورها قبل أن تبدأ آثارها، بل إلى مشروع متكامل يعيد للصحافي هيبته ويضمن له حقوقه، ويضع النقابة في موقع الفعل بدل رد الفعل.
وإلى أن يتحقق ذلك، ستظل التدوينات الرنانة مجرد حبر على ورق، وستظل الصحافة المغربية تبحث عن قائدٍ يخرجها من عصور الحشو إلى زمن الإنجاز. لأن العالم يتغير، ويلزم تغيير العقليات، فالصحافيون ليسوا قطيعًا ولا أكباشًا، وهذا ما يجب أن يدركه اخشيشن وأمثاله.
شارك هذا المحتوى