الأنباء بوست/ حسن المولوع
بعد غياب طويل عن قضايا حرية الصحافة، ظهر عبد الكبير اخشيشن، رئيس النقابة الوطنية للصحافة المغربية، وكأنه يحاول تذكيرنا بأنه ما زال على قيد الحياة المهنية، ولكن بدل أن يُنعش روح النقابة، زادها اختناقًا بخطابه المتعثر وأسلوبه المتعالي.
لقد بدا ظهوره اليوم كالحلزون الذي خرج من قوقعته ليواجه أمطار النقد والأسئلة المحرجة، التي لم يجد لها أجوبة تُذكر، بل قدم مزيجًا من الإنشاء اللغوي الفارغ والعبارات المكررة التي فقدت بريقها منذ عقود.
حينما طرحت عليه صحافية من “شوف تيفي” سؤالًا جريئًا عن استقلالية النقابة، ردّ اخشيشن ردًا أشبه بـ”المرأة الحامل” التي تصارع مخاضًا صعبًا، محاولًا التعبير بلغة عربية فصحى متعثرة، وياليته تكلم بالدارجة المغربية خير له، حتى تكون أفكاره متناسقة ولا يظهر كالتائه في مخاض الوضع وهو يتأوه ويتوجع .
وإذا كان اخشيشن يُريد أن يُظهر قدرته على استعمال لغة الضاد، فقد نجح فقط في إحراج نفسه. حيث بدأ حديثه بعبارات مثل: “الادعاء بأن النقابة غير مستقلة عايشناه منذ 1963″، وكأن هذا الرقم السحري سيجعل المستمعين يصدقون كلماته دون تمحيص. لكن الواقع يقول إن النقابة اليوم أصبحت مجرد قشرة خاوية، لا تحمل من النضال سوى ذكريات قديمة.
واصل اخشيشن خطابه بإطلاق شعارات فضفاضة عن “الديمقراطية”، “الأطياف السياسية”، و”الضمير الواعي”. لكنه تجاهل حقيقة أن النقابة لم تعد تمثل الصحافيين بقدر ما أصبحت واجهة ضعيفة تُستخدم لتبرير التخاذل أمام القضايا الحقيقية. فتصريحاته أشبه بخلطة من الكلمات المكررة، التي لا تحمل أي رؤية جديدة. فكيف يمكن لنقابة “ديمقراطية مستقلة” أن تغيب عن أهم القضايا التي يواجهها الصحافيون اليوم؟ أين كانت النقابة حين زُجّ بزملائنا في السجون؟ وأين كانت حين تعرض الصحافيون للتشهير والتضييق؟
أما عن الوقفة التضامنية مع الصحافيين الفلسطينيين، التي تغنّى بها اخشيشن في حديثه، فهي الأخرى كانت مهزلة من نوع آخر. فالوقفة شهدت حضورًا باهتًا لمجموعة صغيرة من الصحافيين، وكأن النقابة لم تعد قادرة على جمع حتى أعضائها. فمن هم “العشرات من المناضلين” الذين يتحدث عنهم اخشيشن؟ وهل هؤلاء موجودون حقًا، أم أنهم مجرد خيال يسكن خطاباته؟
منذ تأسيس النقابة الوطنية للصحافة المغربية في 1963، مرّ عليها أسماء تركت بصمات واضحة في الدفاع عن الصحافيين، لكن عهد عبد الكبير اخشيشن يمثل تراجعًا غير مسبوق. فغياب الكاريزما، الافتقار إلى المصداقية، والعجز عن مواكبة تحديات المهنة، وبعد النظر والأفق الاستراتيجي، جعل من النقابة كيانًا ضعيفًا فاقدًا للتأثير.
لقد تحولت النقابة الوطنية للصحافة المغربية إلى مؤسسة شكلية تُمارس النضال عبر “المناسبات”، وتُطلق شعاراتها عبر المنابر، دون أن تكون لها أي قدرة على الفعل الحقيقي.
يبدو أن الصحافة المغربية تُركت لتواجه مصيرها وحدها، دون نقابة تدافع عن حقوقها أو تحميها من الانتهاكات. فالنقابة أصبحت أشبه بـ”جمعية خيرية”، تحضر فقط لتوزيع الشعارات عند الأزمات، بينما يواصل الصحافيون دفع ثمن مواقفهم وشجاعتهم.
الصحافة المغربية اليوم بحاجة إلى نقابة حقيقية، قادرة على مواجهة التحديات بجرأة، والدفاع عن كرامة الصحافيين بحزم. أما النقابة في عهد اخشيشن، فهي أقرب إلى قاعة من قاعات السينما المغربية، يلعب فيها دور البطولة نقيب بلا رؤية، وجمهور غائب لا يرى فيها ما يستحق التصفيق، وأحيانًا تجد هذا الجمهور الحاضر في قاعة السينما مشغولًا بأشياء أخرى بعيدة عن المشاهدة ، والأغلبية يعرفون ماذا يقع في قاعات السينما المغربية اليوم .
شارك هذا المحتوى