الأنباء بوست / حسن المولوع
في مشهد يستحق أن يُضاف إلى أرشيف السخرية، يظهر عبد الله البقالي، رئيس لجنة منح بطاقة الصحافة المهنية، ببلاغٍ يوحي وكأنه يرقص رقصته الأخيرة، أقرب إلى رقصة الديك المذبوح منه. فالبلاغ الذي أصدره عن اللجنة التي يرأسها، متجاوزًا المؤسسة بأكملها، يفيض بالارتباك، وكأنه يصرخ “أنقذوني!”، لكنه في الوقت نفسه مثقل بالتناقضات.
دعونا نتساءل ببراءة: مع من اجتمعت يا بقالي، وأنت الوحيد في هذه “اللجنة” ؟ يبدو أنك تنفرد بلجنة تتألف من شخص واحد، تخوض معها نقاشات مصيرية وجلسات حوارية حول كيفية إدارة القطاع، ثم أليس اللجنة المؤقتة لتسيير قطاع الصحافة والنشر هي لجنة لتصريف الأعمال فقط، أم أنها أضحت لجنة تبتكر نصوصًا على مزاجها وهواها؟
لكن، ولإضافة طابع أكثر عبثية، يبدو أن يونس امجاهد، رئيس اللجنة المؤقتة لتسيير قطاع الصحافة والنشر، قد قرر أن يلقي أخطاءه في حضن زميله عبد الله البقالي، تاركًا إياه يصدر بلاغًا انتحاريًا، وكأننا أمام مسرحية من مسرح العبث؛ فالرجل، وبحكم أنه أصبح حديث كل لسان خاصة بعد الضجة التي أثيرت حول قصة الغرام وشقة باريس دون أي توضيح، ها هو اليوم يتبرأ منه. فهل يريد امجاهد التنصل من البقالي، أم أنه يعدّه قربانًا على مذبح القضاء لينال رضى الجهات العليا ويُنقذ نفسه من الورطة التي صنعها النظام “الخاص” الفاشل؟ إنه مشهد لا يُوصف إلا بالسخرية السوداء.
ولعل ما يزيد الطين بلة هو أن البلاغ يبدو كمحاولة يائسة من البقالي لإلقاء أخطائه في أحضان زملائه، وتحديدًا على يونس امجاهد، الذي يبدو أنه أدرك أخيرًا أن رفيقه في اللجنة قد أصبح عبئًا عليه، وأن الوقت قد حان لإلقائه تحت عجلات العربة التي تجر هذا القطاع نحو الهاوية. بدليل أن النقابة الوطنية للصحافة المغربية، التي ترأسها البقالي لولايتين متتاليتين، هي من ذبحته ببلاغها التاريخي، والذي حرص على التركيز فقط على بطاقة الصحافة المهنية، وكأنما يرغب أعضاؤها من الاتحاديين في غسل أيديهم منه ومن مزاجيته التي خلقت مشاكل لا تُعد ولا تُحصى، حتى أصبح شخصًا غير مرغوب فيه وحان الوقت للفظه.
ولنستكمل عبثية هذا المشهد، يخرج علينا البقالي بهذا البلاغ المليء بالمغالطات القانونية التي تجعلنا نتساءل: هل يعرف هذا الرجل أساسيات القانون؟ إذ يفرض شروطًا وقيودًا على مزاجه، وكأننا أمام شخص يُصدر قوانين من بنات أفكاره، متجاهلًا أن القانون واضح وصريح، ولا اجتهاد مع وجود النص. بل ونراه ينغمس في قضايا تتجاوز صلاحياته، كالتدقيق في الوثائق الشخصية، وكأنه ضابط شرطة أو مأذون شرعي ببدلة صحفية، يبحث في سجلات المتزوجين والعزاب بين الصحفيين. يا للعجب! لم يتبقَّ له سوى أن يُطالب بنسخ من عقود الزواج ليقرر ما إذا كان الصحفي “أهلاً” للبطاقة أم لا!
أما عن قدرته على استيعاب أحكام القضاء، فهي تثير الضحك أكثر مما تُثير الإعجاب؛ إذ يتعامل مع قرارات ابتدائية وكأنها نهائية، متغافلًا عن أن القضية لم تُغلق بعد، بل تنتظر البت الجنائي قبل الإداري، لكنه بكل بساطة يصر على التغاضي عن هذا الفهم البديهي. فهل فات البقالي أن قضايا استغلال النفوذ والشطط في استعمال السلطة ستسقطه قبل أن ينتهي من تلاوة بيانه الانتحاري؟
ما يدعو للضحك هو سذاجته في استدلاله بأحكام قضائية غير نهائية وكأنها حقيقة مطلقة. فالمحكمة الإدارية رفضت طعنًا لمدير نشر، فلا يعني أنه خسر قضيته، بل إن الملف يفتقر إلى وثيقة، وهو أمر بديهي في إجراءات المحاكم وهذه أمور شكلية قبل مناقشة الموضوع ، لأن هناك فرقًا بين رفض الطلب ورفض الطعن، والتقاضي ما زال في مرحلته الابتدائية، لكنه سيتوقف لأن هناك قضية رائجة أمام القضاء الزجري تتهم البقالي باستغلال النفوذ والشطط في استعمال السلطة، ولا يمكن للقضاء الإداري أن يصدر حكمًا قبل النطق بحكم القضاء الزجري، لأن الجنحي يعقل المدني، ولكن البقالي لا يفقه في قواعد القانون ما يعينه على فهم هذا.
النقابة الوطنية للصحافة المغربية، من خلال بلاغها التاريخي، لم تكتفِ فقط برفض هذا النظام الخاص، بل طالبت بسحبه، وهذا يضع البقالي أمام اتهام صريح باستغلال النفوذ وتجاوز صلاحياته. فعندما يعترف بلاغ النقابة ضمنيًا بأن بعض مدراء النشر استوفوا متطلبات ملفاتهم وتم الامتناع عن حصولهم على بطائقهم، فإن ذلك يُعدّ دليل إدانة ضد البقالي ويؤكد التهم الموجهة إليه بالتدخل في اختصاصات النيابة العامة ومديرية الضرائب ، ويعزز التهمة الموجهة ضده باستغلال النفوذ والشطط في استعمال السلطة ، والقرار في هذا الباب هو لوكيل الملك ولقاضي التحقيق ، والأيام القادمة ستكون مليئة بالمفاجآت القضائية .
عبد الله البقالي يقف اليوم عاريًا من المساندة، وحيدًا في مواجهة مجتمع الصحفيين، وكأنه يصرخ “إني أرى ما لا ترون!”، بينما الحقيقة تراه بوضوح: هذا النظام الخاص لم يُنتج إلا الفوضى، وعبد الله البقالي، مع يونس امجاهد، باتا عنوانًا للبيروقراطية القاتلة وتدهور هذا القطاع. آن الأوان ليغادر الاثنان المشهد، علّ الصحافة المغربية تتنفس بعض الحرية من جديد.
شارك هذا المحتوى