
الأنباء بوست / حسن المولوع
ورطة كبيرة هي تلك التي دخل فيها عبد الله البقالي الرئيس السابق للنقابة الوطنية للصحافة المغربية ، والرئيس الحالي للجنة منح البطاقة المهنية باللجنة المؤقتة لتسيير قطاع الصحافة والنشر ، وذلك بعد أن اعتصم مجموعة مدراء النشر بمقر المجلس الوطني للصحافة المنتهية ولايته مساء يوم الجمعة الأخيرة من العام 2023 .
اعتصام الزملاء من الأقاليم الجنوبية للدفاع عن حقوقهم المشروعة وسلبها دون وجه حق ، استغله خصوم الوحدة الترابية وكتبوا شبه مقال عن هذا الحدث الذي ما كان ليكون لو لا عنجهية وميزاجية السيد عبد الله البقالي التي أضحت لا تطاق من طرف الجسم المهني الذي أغلبه يستنكر الحالة المتردية التي وصلت إليها مؤسسة التنظيم الذاتي .
ميزاجية عبد الله البقالي التي تختزن منطق تصفية الحسابات مع خصومه دفعته الى اتخاذ قرار رفض طلبات تجديد مجموعة من البطائق المهنية للزملاء والزميلات الذين يحصلون عليها منذ سنوات وفي اطار القانون رقم 89.13 المتعلق بالنظام الأساسي للصحافيين المهنيين دون أن يطرأ على هذا القانون أي تعديل منذ صدوره بالجريدة الرسمية في العام.2016 وإلى حدود اليوم ، لكن رئيس هذه اللجنة المذكورة يبتدع في كل سنة شروطا جديدة متناسيا أنه لا اجتهاد مع وجود النص ، إضافة الى انه لم يقتصر عند حد رفض طلبات البطاقة المهنية بل تجاوز حدود اختصاصاته وقام بحذف بعض المواقع الالكترونية من منصة تجديد البطاقة المهنية حتى لا يتسنى لتلك المواقع إيجاد وسيلة لطلب تجديد البطاقة وهذا هو الشطط بعينه الذي يقع أمام الجهات المسؤولة ذات الصلة والتي لم تتدخل الى حدود الآن لوقفه .
كثيرون هم من سيتساؤلون عن الأسباب الحقيقة وراء هاته السلوكات الطائشة والغريبة التي يقدم عليها الاستقلالي عبد الله البقالي ، فحسب تحليل عدد من المتتبعين للوضع، فإن من بين الأسباب هي إحساسه بالتهميش سواء من طرف الدولة التي لم تمنحه حقيبة وزارية رغم سعيه الدؤوب إليها أو أي منصب بمؤسسة دستورية ، وأيضا إحساسه بالنبوذ داخل النقابة الوطنية للصحافة بعدما قام أعضاء الاتحاد الاشتراكي بلفظه خارج الدائرة ، وصاروا يتحكمون في قطاع الصحافة والنشر، على الرغم من أنهم يظهرون له الوجه الباسم ، لكنهم في الحقيقة استغلوا سذاجته السياسية ووضعوه في الواجهة ليصطدم بالجسم المهني ، ولعل من يتابع الوضع سيلاحظ أن اللجنة المؤقتة لتسيير قطاع الصحافة والنشر يترأسها اتحادي ، وجمعية الأعمال الاجتماعية لصحافيي الصحافة المكتوبة تترأسها اتحادية ، والنقابة الوطنية للصحافة المغربية يترأسها اتحادي ، وفروع النقابة ذاتها يتكلف بها اتحادي ..
أمام هذا الوضع أحس عبد الله البقالي أنه خسر كل شيء ، ونظرا لترؤسه لجنة منح البطاقة المهنية باللجنة المؤقتة لتسيير قطاع الصحافة ، فإنه أبى الا أن يخلق مشاكل ويورط رئيس اللجنة المؤقتة الاتحادي ، وذلك عند رفضه تمكين مدراء نشر صحف بالأقاليم الجنوبية لبطائقهم وأيضا مؤسسات إعلامية أخرى على صعيد ربوع المملكة ، ولم يكن في حسبانه أن يقع اعتصام داخل مقر المجلس الوطني للصحافة المنتهية ولايته ونية آخرين للقيام بخطوات تصعيدية تصل حد الاضراب عن الطعام ، ذلك الاعتصام الذي قام به مدراء نشر صحفىالاقاليم الجنوبية أدى إلى الحديث عنه من طرف أعداء الوحدة الترابية لمملكتنا الحبيبة ليجعل القطاع برمته يعيش على صفيح ساخن .
السبب السالف الذكر وراء السلوكات الطائشة وغير المحسوبة العواقب التي يقوم بها عبد الله البقالي ، يضاف إليه سبب آخر ، وهو أن مهنة الصحافة صارت ضحية تصفية الحسابات بين باطرونا المقاولات الإعلامية ، وبالتالي فالبقالي اصبح وكأنه مكلف بمهمة محاربة المقاولات الصغرى عن طريق الامتناع عن منح البطائق المهنية لأصحابها وذلك عبر خلق شروط تعجيزية تساير هواه والتي هي شروط تخالف القانون ، ونتيجة لذلك يتم التحكم في الخريطة الانتخابية من أجل اخراج مجلس وطني للصحافة على المقاس ، وبالتالي فالمهنة أصبحت رهينة من لا مهنة لهم ، بمعنى رهينة “كمشة” من المتقاعدين الذين تجاوزهم الزمن المهني بكثير عبر التطور التكنولوجي الذي يشهده العالم بأسره .
إن الخطاب الذي يروجه عبد الله البقالي ومن معه ، هو أن المهنة تحتاج إلى تنظيم والى تحصين ، وبطبيعة الحال لا يوجد أي عاقل محب لمهنته أن يكون ضد ذلك ، لكن السؤال المطروح في هذا الباب ، من تسبب في خلق الفوضى بالقطاع ؟ فالأجدر أولا أن نحاسب من تسبب في ذلك ، وبعدها يتم التفكير في آليات التنظيم والأشخاص الذين لهم الأهلية في ذلك .
هناك من يدعي عبثا أن الفوضى سببها منظومة القوانين الحالية ، وهنا تلزم الإجابة عن سؤال جوهري ، من تواطأ مع الوزير الأسبق مصطفى الخلفي لاخراج هذا القانون الذي نشتغل به حاليا ؟ أليست النقابة الوطنية للصحافة المغربية هي من تحالفت مع الوزير المذكور لاخراج ذلك القانون مقابل اخراج ما يسمى بالدعم التكميلي للصحافيين الذي أشرفت على توزيعه جمعية الأعمال الاجتماعية لصحافيي الصحافة المكتوبة في عهد رئيسها السابق ؟ أليست النقابة المذكورة هي من كانت تمنح البطائق المهنية قبل تأسيس المجلس الوطني للصحافة بدليل أنها كانت عضوا ممثلا ضمن اللجنة المانحة للبطاقة بالوزارة التي كانت وصية على القطاع ؟ متى ظهرت صحافة الميكروفونات ألم تظهر بعد سنة 2018 أي مباشرة بعد تأسيس المجلس الوطني للصحافة ؟ وبالتالي يجب أن نطرح سؤالا مركزيا في هذا الصدد هل نجح المجلس الوطني للصحافة في تنظيم القطاع أم فشل في ذلك واذا كان قد فشل فلماذا ستعاد التجربة بنفس الوجوه المسؤولة عن ذلك الفشل ؟ فأين هو مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة ؟ ولماذا لم يتم الى حدود الآن الكشف عن التقرير المالي للمجلس السابق في اطار الشفافية ؟ وهل قام المجلس ذاته بالأدوار المنوطة به في ما يتعلق بالتكوين المستمر للصحافيين أم كان ينظم دورات تكوينية لمن ينتمون فقط للنقابة ولمن لا يحتاجون الى تكوين ؟ كان من الأجدر تكوين هؤلاء الذين يحملون الميكروفونات وتأطيرهم وتوجيههم بدل إعلان الحرب عليهم الآن ؟ فكيف لمن صنع الداء أن نثق فيه لصنع الدواء ؟
حاليا يتم الترويج لخطاب ” تنكيتي ” حول تحصين المهنة وتنظيمها ، ويتم ربط ذلك بإعلان الحرب على المقاولات الصغرى وترويج لازمة الأجور الهزيلة علما أن لا يوجد ولا 100 صحافي قدموا شكايات رسمية بخصوص هزالة الأجور ، لكن هناك من اتخد ذلك ذريعة لتصفية الحسابات مع الخصوم ولشرعنة التباكي عن التنظيم المفترى عليه للمهنة ، وفي هذا الصدد لا يوجد أي أحد ضد تحسين وضعية أجور الصحافيين والصحافيات لكن ليس بمنطق المزايدات وتصفية الحسابات ، فذلك الخطاب الذي هو عبارة عن نكتة سمجة يتم اتخاذه كوسيلة لشرعنة تعديل القوانين التي تخدم مصالح حيتان الاعلام فقط ، ومحاربة المقاولات الصغرى التي هي في الخقيقة من تصنع الرأي العام .
إن المقاولات الصغرى التي يجري الحديث عنها حاليا تم انشاؤها طبقا للقانون الذي أشرفت على اعداده النقابة الوطنية للصحافة المغربية ، وهذا القانون هو الذي أخرج المجلس الوطني للصحافة الذي دوره ليس فقط منح البطاقة المهنية بل تأهيل القطاع عبر لجنة تسمى لجنة المنشأة وتأهيل القطاع ، فهل طيلة مدة الولاية السابقة للمجلس المذكور تم تأهيل المقاولات الصغرى أم جرى التضييق عليها ؟ فالسؤال المنطقي الذي يجب أن يتم طرحه وهو لماذا لم تتم هيكلة تلك المقاولات وتأهيلها لتوفير فرص شغل إضافية ؟ ولماذا لا تطالب النقابة الوطنية للصحافة بتخصيص تمويل لها وفق دفتر تحملات ؟ ولماذا لا يتم التوزيع العادل للاعلانات والاشهارات وبقيت هذه الأخيرة محتكرة من طرف المقاولات الكبرى هذا سؤال يحتاج الى إجابة كافية وشافية ، إن كانت طبعا هناك نية اصلاح القطاع وليست نية أخرى …
لو كان في نية هؤلاء تنظيم المهنة وتحصينها من المتطفلين والدخلاء ، لكانت مطالبتهم واضحة عبر تنظيم مباراة سنوية للولوج الى مهنة الصحافة على غرار زملائنا وزميلاتنا بمهنة المحاماة ، ويتم خلق لجنة الرصد والتتبع للمواد الإعلامية ومدى احترامها لاخلاقيات المهنة، لكن يتبين أن نية هؤلاء هو تركيع الصحافيين والصحافيات عبر بطاقة مهنية لم تعد لها قيمة سوى اهدار المال العام الذي يتلقاه رئيس لجنة منح البطاقة والذي تقاعد من الجريدة الحزبية التي لا يقرأها حتى من يشتغل بها و لم يستطع تطويرها ، فكيف لمن لم يستطع تطوير المقاولة التي اشتغل بها لسنوات أن يدعي تنظيم وتطوير قطاع تجاوزه بكثير ، فلو كان يمتلك الكفاءة اللازمة لتم منحه حقيبة وزارية او منصب من المناصب على غرار من جايلوه، أو قام بإنشاء مشروع اعلامي خاص بدل قضاء حياته كاملة وهو أجير ، وعند تقاعده صار يبحث عن كل شيء فيه تعويضات …
إن اصلاح قطاع الصحافة والنشر لن يكون الا بتنظيفه ليس من الدخلاء والمتطفلين فقط ، لأن هؤلاء يمكن تكوينهم وتأطيرهم والاستفادة من خدماتهم ، بل التنظيف يجب أن يشمل المتقاعدين الذين نصبوا أنفسهم أوصياء على الصحافيين والصحافيات ولم ينتخبهم أحد ، صحيح أننا نحن الجيل الجديد في الصحافة يتوجب علينا أن يكون فينا الحياء ونحترم من هم أكبر منا سنا وتجربة ، لكن شريطة أن يكون هؤلاء يحترمون أنفسهم ويكون لهم زاد معرفي تركوه لنا كإرث نستفيد منه نحن، عبر تأليف الكتب والاستفادة منها ، ويكون هؤلاء لنا قدوة في الأخلاق ، فكيف لمن يدعي الأخلاق واحترام أخلاقيات المهنة أن يخرقها بالإمتناع عن الخضوع للمنهجية الديمقراطية عبر اجراء انتخابات لاختيار من يمثلنا…
الأجدر بهؤلاء أن يراجعوا أوراقهم حماية للمهنة وصورة البلاد ، وعلى الجهات المسؤولة ذات الصلة أن تتدخل لوقف طيش وميزاجية البعض ، هذا البعض الذي حان الوقت ليستريح في بيته ، على الأقل سيكون له الوقت الكافي لكتابة الشعر أو الخواطر من أجل أن تستفيد منه الطبقة الرومنسية ..

شارك هذا المحتوى