الأنباء بوست/ حسن المولوع
عاد عمر الشرقاوي ليشن هجومًا جديدًا على عبد الإله بنكيران وحزب العدالة والتنمية بأسلوب مستوحى من هجائيات المسرح الشعبي، إذ أطلق عبر صفحته على “فيسبوك” وابلاً من الانتقادات. ويبدو أنه تناسى أن هذا الأسلوب المبتذل والمليء بالاستعارات البالية قد أصبح مكشوفًا وعاجزًا عن إقناع أحد، وأن خطابه لم يتجاوز حدود الشعارات الشعبوية التي تفتقر إلى العمق والتحليل الجاد.
في انتقاداته المتكررة، يحاول الشرقاوي تصوير بنكيران كشخصية تعيش على افتعال الخصومات من أجل تصدر الواجهة، متناسيًا أن الأخير، رغم خروجه من المسؤوليات الحكومية، لا يزال لاعبًا مؤثرًا في الساحة السياسية. فهو ليس فقط زعيمًا شعبيًا يجيد الخطابة، بل أيضًا سياسي محنك تمكن من تحويل الهجمات المتكررة عليه إلى وسيلة لتعزيز مكانته.
وبينما يحاول خصوم بنكيران، ومن بينهم الشرقاوي، إضعافه، ينجح الأخير في كسب مزيد من التعاطف والدعم، خاصة من قواعد حزبه التي ترى فيه رمزًا للاستقلالية والالتزام بالمبادئ.
يتحدث الشرقاوي عن حزب المصباح ويصفه بـ”التائه” الذي فقد البوصلة، بينما هو نفسه يبدو كمن يقف وسط صحراء فكرية، يحاول جاهداً العثور على “قضية” تشغل الرأي العام. فبدلاً من تقديم قراءة سياسية جادة وموضوعية، يلجأ إلى أسلوب شعبوي يليق أكثر بمنشورات “فيسبوك” العشوائية.
الشرقاوي يدعو إلى تجاهل بنكيران، واصفًا إياه بـ”صعصع الدرب”، في إشارة إلى شخص يبحث عن الخصومة لإثارة الانتباه. لكن المفارقة أن تدويناته المتكررة عن بنكيران تعكس هوسًا بهذا “الخصم”، ما يجعل دعوته إلى التجاهل مجرد تناقض صارخ. فإذا كان بنكيران بلا تأثير كما يدعي، فلماذا إذن هذا الإصرار على مهاجمته؟
في الواقع، الهجوم على بنكيران دون تقديم بدائل حقيقية يعكس أزمة فكرية واضحة. فبينما يكتفي الشرقاوي بشعارات سطحية ومقارنات هزلية، يظل بنكيران قادرًا على فتح النقاش حول قضايا حساسة مثل التطبيع واستقلالية القرار السياسي. هذه القضايا، التي تثير جدلًا واسعًا في المجتمع المغربي، تعزز صورة بنكيران كزعيم لا يخشى الخوض في مواضيع شائكة، حتى لو كلفه ذلك الكثير.
ما يغفله الشرقاوي في تحليلاته هو أن بنكيران، حتى وهو خارج السلطة، لا يزال يشكل تهديدًا لخصومه. فهو يدير خطابًا يربك خصومه ويحرك قواعده الشعبية، ما يجعل محاولات تقزيمه عبر النقد الساخر أو التجاهل مجرد أوهام. فبنكيران يدرك أن أي هجوم عليه هو فرصة لتعزيز مكانته كـ”زعيم وطني”، وأن محاولات تهميشه لن تؤدي إلا إلى زيادة شعبيته.
وبينما يحاول الشرقاوي التقليل من شأن بنكيران وحزبه، ينسى أو يتناسى أن بنكيران سياسي “داهية”، ليس فقط بشعبيته الممتدة، ولكن أيضًا بقدرته على تحويل أعدائه إلى أكبر داعميه. فمن خلال هذه الهجمات غير المحسوبة، يعزز الشرقاوي دون أن يدري صورة بنكيران كمدافع عن قضايا كبرى مثل محاربة التطبيع واستقلالية القرار السياسي.
بنكيران يدرك جيداً أن الهجوم المتكرر عليه وعلى حزبه ليس إلا محاولة لتغطية أزمات خصومه السياسيين. فكلما ارتفع منسوب النقد، زاد منسوب التماسك داخل العدالة والتنمية، وهو أمر أكده التاريخ، خاصة خلال انتخابات 2016، حين فاز الحزب رغم الحملات الشعواء التي قادها خصومه من أمثال إلياس العماري وحميد شباط.
عمر الشرقاوي يتحدث عن “حزب دون قضية”، لكن الحقيقة التي يخشاها هي أن العدالة والتنمية، ورغم كل الانتكاسات، ما زال يحمل قضايا وطنية تهم عموم المغاربة، أبرزها الموقف من التطبيع. فبينما يُختزل الآخرون في مجرد أدوات للترويج للقرارات الرسمية، يظل بنكيران وحزبه قادرين على طرح خطاب مختلف، حتى وإن كان مكلفًا.
وفي الوقت الذي يحاول الشرقاوي تصدير صورة “بنكيران المذنب”، ينسى أن قرار التطبيع كان قرارًا سياديًا، وأن بنكيران كان قد صرح علنًا بأنه يرفض التطبيع، لكنه يقبل بالقرار باعتباره جزءًا من الدولة. هذه الموازنة الدقيقة هي ما يجعل بنكيران “داهية سياسيًا”، لأنها تعزز مكانته كزعيم يعي حدود اللعبة السياسية لكنه لا يتنازل عن مبادئه.
أما الحديث عن محاولات حزب العدالة والتنمية العودة إلى المشهد السياسي، فيبدو أنه يعكس حالة من التناقض لدى الشرقاوي نفسه، الذي يظهر وكأنه يسعى من خلال خطاباته لإثبات وجوده بأي وسيلة ممكنة. فهل هناك أزمة فكرية أعمق من أن ينشغل أستاذ جامعي بمهاجمة حزب سياسي دون أن يقدم أي رؤية بديلة؟ وهل هناك إفلاس فكري أكبر من تحويل النقد إلى مجرد مونولوج عشوائي يفتقر إلى أي قيمة تحليلية؟
الشرقاوي يثير مخاوف من أن حزب العدالة والتنمية قد يعيد أجواء 2011، وكأنه ينسى أن هذا الحزب هو انعكاس لإرادة شعبية وليس مجرد ظاهرة طارئة. وإذا كان البعض يتحدث عن “عودة إلى 2003″، فإن بنكيران وحزبه يدركون جيداً أن السياسة اليوم لم تعد كما كانت قبل عقدين. لذا، فإن محاولات تصدير هذه المخاوف لا تخدم إلا بنكيران، لأنها تضعه في موقع “المعارض الوطني” الذي يحارب من أجل استقرار البلاد واستقلاليتها.
إن الهجوم المتكرر على بنكيران وحزبه، خاصة من شخصيات مثل الشرقاوي، ليس إلا أكبر خدمة للعدالة والتنمية. فبدلاً من تقويض شرعيته، يُعاد إنتاج صورة الحزب كمدافع عن القضايا الكبرى، ومناهض للتطبيع، وحامل لقضية الشعب.
إذا أراد الشرقاوي فعلاً أن يثبت جدارته كأستاذ جامعي ومحلل سياسي، فعليه تجاوز الهجومات الشعبوية وإثراء النقاش ببدائل حقيقية بدل الغرق في معارك دون طواحين. وإذا كان موضوعيًا ونزيهًا، فليتجرأ على انتقاد رئيس الحكومة الحالي، عزيز أخنوش.
شارك هذا المحتوى