
الأنباء بوست / حسن المولوع
يبدو أن أحمد الشرعي مالك المؤسسة الإعلامية التي تضم جريدة الأحداث المغربية لم يعد يراقب أبناءه المشتغلين بالجريدة ، حتى ولو لم يكن مسؤولا عن إدارة النشر ، لأن هناك أمورا تستدعي التدقيق في البحث قبل أي نشر حتى لا تصير الأحداث المغربية أضحوكة عند القراء الذين يفهمون تفاصيل الأمور ، وبالتالي فإن الإساءة للجريدة عن طريق البلادة في التحرير ، هي إساءة مباشرة لمالكها .
الأحداث المغربية في عددها ليوم الأربعاء ، ذكرت بالبنط العريض وبدون خجل أن زوجة “مول التريبورتور “أكدت في محضر استماع لدى البسيج أن زوجها استوصاها خيرا وقال أنه يشم رائحة الجنة وأن زوجها جلب موادا مشبوهة للبيت وكان ينوي الإستشهاد ..الخ الكلام الذي عندما يقرأه “الحرايفية ” يتأكدون من أنه وحي من خيال كاتبه ، لأن الرواية غير متماسكة وبين سطورها فيها محاولة لنفي ما جاء في تصريحات الزوجة عبر شريط فيديو من انجاز صحيفة الحياة اليومية ، لكن هذه المحاولة تمت بسذاجة بالغة ، وتنقصها الحرفية والذكاء ، والالمام ببعض الأمور البديهية والبحث أيضا ، لأنه وبكل بساطة، أن البحث والتحقيق يكون مشمولا بالسرية ، ولغباء الصحافي الذي حرر المادة فإنه ورط الضابط أو الضباط المكلفين بالبحث بالبسيج من حيث لا يدري ، لأن أي شخص أثناء البحث والتحقيق ملزم بكتمان السر المهني ، بحسب ما تشير إليه المادة 15 من قانون المسطرة الجنائية التي يقول نصها ” تكون المسطرة التي تجرى أثناء البحث والتحقيق سرية . كل شخص يساهم في إجراء هذه المسطرة ملزم بكتمان السر المهني ضمن الشروط وتحت طائلة العقوبات المقررة في القانون الجنائي ” ، ولا يمكن أن نتصور بأن أي ضابط بالمكتب المركزي للأبحاث القضائية سيجازف ويسرب لأي صحافي مجريات البحث ويقول له أكتب أن ذلك تم تدوينه في محضر ، لأن الأحداث قالت في “محضر استماع ” ما يجعلنا أمام فرضيتين إما أن الجريدة تكذب وبالتالي فإنها روجت لخبر زائف وهذا هو الأقرب جدا إلى الصواب ، وإما أنها على حق وهذا احتمال ضعيف لأن ضباط البسيج هم من انجب الضباط ويعرفون عقوبة افشاء السر المهني وأيضا يعرفون قانون المسطرة الجنائية جيدا وبخاصة المادة 751 منه والتي يقول نصها ” كل إجراء يأمر به هذا القانون ولم يثبت انجازه على الوجه القانوني يعد كأنه لم ينجز ، وذلك مع مراعاة مقتضيات الفقرة الثالثة من المادة 442 المتعلقة بجلسات غرفة الجنايات “، إذن فأي ضابط حتى ولو كان مبتدئا في مساره، لا يمكنه أن يقوم بذلك ، ولو أنه يتم الترويج أحيانا بأنه في بعض القضايا يتم تسريب المحاضر للصحافة ولكن ليس بهاته الطريقة التي تُبطل المسطرة لأن البحث ما زال بين يدي الضابط وحده ولم تنتقل المحاضر عبر أياد أخرى ما يجعل تبرير التسريب منطقيا، لأن الضابط هنا هو المسؤول وحده ومهما بلغت حنكة الصحافي لا يمكنه الوصول إلى المحاضر ولا يحق له نشرها او نشر مضامنيها لأن القضية مازالت قيد البحث والتحقيق ، وياليت جريدة الأحداث المغربية لم تذكر عبارة ” محضر الإستماع ” واكتفت بالقول “مصادر قريبة من التحقيق ” كان سيكون الأمر مستساغا نوعا ما، ومقبولا (…)
لقد ورطت الأحداث المغربية، المكتب المركزي للأبحاث القضائية من حيث لا تدري ، ووضعت مولاي أحمد الشرعي مالك المؤسسة في موقف حرج مع هاته المؤسسة الأمنية ، إذ لا يختلف إثنان في أنه من حق الجريدة أن يكون لها خط تحريري مدافع عن مؤسسات البلاد ، وهذا في الحقيقة يعبر عن وطنية صادقة للشرعي ، ولكن الدفاع يجب ان يكون بعلم وثقافة وليس ببلادة وسذاجة مفضوحة ، قد تتحول من الدفاع إلى التوريط .
إن من شاهد تصريح زوجة “مول التريبورتور ” الذي اعتقل على خلفية تفكيك خلية إرهابية مؤخرا ، فإنه لن يشك في كلامها ، لأنه كلام نطقت به على سجيتها العفوية، و”الحرايفية في الإعلام” تأكدوا قبل صدور بلاغ المكتب المركزي للأبحاث القضائية بأن كلامها عفوي ، لأن طريقة حديثها لا يشوبها تلقين، والفيديو الذي صورته الحياة اليومية ليس فيه أي توضيب او تقطيع او ما شابه ذلك من الأمور التقنية ، وعند الإستماع لتصريحها من طرف أي “حرايفي في الإعلام ” سيضع فرضية جد بسيطة ، هي أن الزوجة لم تكن تعلم بما يخطط له زوجها ، بحكم أن الإرهابيين دائما يكونون متدربين على الكتمان ، فطبيعي جدا أنه لن يخبرها بأي شيء ولن يخبر أي أحد ، وطبيعي جدا أن يخبئ المحظور في مكان لا تراه العيون ، وطبيعي جدا أنها لأول مرة ترى تلك المحجوزات ، وطبيعي جدا أن تخرج الزوجة تبكي وتنفي وتقول ان زوجها لم يقترف أي ذنب وأن الناس من جيرانه سيفاجؤون وسيقولون أنه كان رجلا مستقيما ولا يمكن أن يفعل ذلك وهذا أمر عادي جدا لأن علم الإجرام يتحدث عن مثل هاته الشخصيات التي تظهر ودودة وطيبة للناس لكنها تخفي ما لا يمكنه أن يعلمه بشر ، وعلى سبيل المثال الشخص الذي قتل عدنان بعد الاعتداء جنسيا عليه جميع الناس أجمعوا أنه شاب طيب (…) ، وطبيعي أن يتعاطف المغاربة مع الزوجة لانها مجروحة والتعاطف معها لا يعني التشكيك في العملية ، لكن الغير طبيعي هو أن تحاول الأحداث المغربية استبلاد المغاربة ، وفي محاولتها هاته تزيد من توريط البسيج ، فلو كان الصحافي الذي حرر المادة له القليل من الذكاء ، كان عليه ان يسير في منحى البلاغ الصادر عن المكتب المركزي للأبحاث القضائية ، وعلى ضوئه يعزز الرواية لتكون مقبولة عند القارىء ويقول باختصار ،إن الزوجة لم تكن تعلم بما كان يخطط له زوجها ، وينتهي الأمر ، فلماذا اعتمدت الأحداث المغربية على سيناريو ساذج اوقعها في أخطاء تورط البسيج بأكمله ؟ ومن هذا المنطلق يجب على. المكتب المركزي للأبحاث القضائية أن يصدر بيانا في الموضوع إما أن ينفي ما جاء في الأحداث المغربية ضمانا للسير العادي للمسطرة حتى لا يطالها البطلان وتورط الضابط المكلف بالبحث ، وإما أن تؤكد ما جاء في ذات الجريدة وهذا أمر مستبعد جدا .
ولم تتوقف نفس الجريدة عند هذا الحد من السذاجة ، بل زادت وطالبت عبر سؤال ملغوم ، باستدعاء الصحافية التي أخذت تصريحا من زوجة مول التريبورتور قائلة “هل سيتم استدعاء الصحافية ومديرها محمد زيان باعتباره مديرا مسؤولا عن الموقع لمساءلتهما حول المسائل الخطيرة المذكورة في الفيديو ؟ ” ، و الواقع أن هذا السؤال مضمونه في غاية الغباء ، لسبيين اثنين ، اولهما أن زوجة مول التريبورتور لم تذكر أي مسائل خطيرة بل دفعت التهمة عن زوجها، وكما اسلفنا بالذكر فإن هذا أمر طبيعي جدا ، وثانيا أنه لا يوجد في أي قانون في العالم يحرم على أي صحافي كيفما كان ، أن يأخذ تصريحا من المعني بالأمر وينجز على ضوئه مادة إعلامية شريطة ألا يكون متضمنا للسب والقذف والاشادة بالارهاب والجرائم وجرائم الحرب ، وما قامت به صحافية الحياة اليومية مجرد نقل لتصريح سيدة، ومعلوم أن ناقل الكفر ليس بكافر ، وعمل الصحافية يدخل في إطار تعريف الصحافة التي عرفها القانون رقم 88.13 المتعلق بالصحافة والنشر في المادة الأولى منه ، بمعنى أن الصحافية أدت دورها كباقي الصحافيين الذين ذهبوا عند أخوي مول التريبورتور وأمه وذكروا نفس رواية الزوجة وأيضا هذا أمر طبيعي بأن لا يعلموا ما كان يقوم به مول التريبورتور (…) ، والمثير للإستغراب أن بلاغ البسيج لم يتهم لا الصحافية ولا الموقع الذي تشتغل به بل رد ونفى تصريحات الزوجة ، لكن الأحداث المغربية أرادت أن تطبق مقولة “قال لو تتعرف العلم قال لو تنعرف نزيد فيه ” فبالإضافة إلى كون السؤال أو التساؤل يعبر عن غباء منقطع النظير فإنه يعتبر تضييقا على حرية الصحافة وهذا أمر في غاية الغرابة بكون أن رئيس المجلس الوطني للنقابة الوطنية للصحافة المغربية الذي هو عبد الكبير اخشيشن الذي ملأ الدنيا صراخا بادعائه الدفاع عن حرية الصحافة يشتغل ضمن نفس الجريدة وترك هذا السؤال يمر دون أن يحرك ساكنا هذا إن لم يكن هو من افتى هاته الفتوى (…).
واستمرت الأحداث المغربية في سذاجتها التي ورطت البسيج ، عندما ذكرت بأن زوجة مول التريبورتور تعرضت لضغوط كبيرة بتوجيه من زيان من طرف الصحافية من أجل الدفاع عن زوجها ودفع التهمة عنه ، وهنا يظهر الغباء منتصب القامة يمشي ، فلو قالت الجريدة أن الضغوطات التي تعرضت لها الزوجة بتوجيه من زيان غايتها التشكيك في العملية والاساءة للمؤسسة الأمنية ، لكان الأمر مقبولا نوعا ما ، لكن أن تقول الجريدة أن تلك الضغوطات هي بغاية الدفاع عن زوجها ودفع التهمة عنه ، ففي ماذا سيهم زيان الأمر ويفيده كي يتجشم كل هذا العناء ويضغط على الزوجة ؟ وهل هاته الأخيرة وضعت شكاية في الموضوع تتهم الصحافية وزيان بالضغط عليها ؟ واذا كانت الزوجة تراجعت عن تصريحاتها لماذا لم تنتقل الأحداث المغربية والموقع التابع لها ” احداث أنفو” لبيت الزوجة وتقوم بالتصوير معها وتنفي كل ما قالته وتؤكد على أنه تم الضغط عليها فعلا وبالتالي تكون الأحداث المغربية قد قامت بعمل مهني نصفق له وليس خيالا غبيا نضحك عليه .
لقد حان الوقت ليبدأ مالك الأحداث المغربية مولاي أحمد الشرعي بإعادة الهيكلة داخل مؤسسته الإعلامية ، لأن بعض العناصر استنفدت جل قدراتها المهنية التي لا تواكب التطور الاعلامي ، وموادها باتت سطحية جدا تنقصها الحرفية ، زيادة على ذلك، أن الأحداث المغربية أصبح أصحابها يسيؤون إليها بخرجاتهم الفيسبوكية وصاروا منبذوين من الأغلبية والدليل هو التعليقات الواضحة ، وعلى هذا الأساس فالجريدة أكبر من الأشخاص وإعادة الهيكلة بات لزاما أكثر من أي وقت مضى ، والدفاع عن المؤسسات عن طريق الصحافة يحتاج إلى “الحرايفية” وليس إلى الهواة المتصابين .

شارك هذا المحتوى