
الأنباء بوست/ حسن المولوع
في ظل المتغيرات التي يشهدها قطاع الصحافة والنشر في المغرب، يمثل استمرار عبد الله البقالي كعضو في اللجنة المؤقتة لتسيير القطاع والمجلس الوطني للصحافة، بصفته رئيسًا للجنة منح البطاقة المهنية، تهديدًا خطيرًا للديمقراطية ولحرية الصحافة في البلاد. يتجلى هذا التهديد في عدة جوانب، أبرزها تعارض منصبه كمسؤول عن منح البطاقة المهنية مع مبدأ الاستقلالية الذي بُني عليه المجلس الوطني للصحافة، مما يعكس تناقضًا صارخًا وانحرافًا عن المبادئ الدستورية والأسس الديمقراطية.
عبد الله البقالي، عضو اللجنة التنفيذية لحزب الاستقلال المنتمي إلى الائتلاف الحكومي، يتولى مسؤولية منح البطاقة المهنية للصحفيين. ويخلق هذا التداخل بين الانتماء الحزبي والمسؤولية المهنية انطباعًا بأن الحكومة أصبحت تتحكم في منح بطاقات الصحافة، مما يعيدنا إلى فترة كانت الوزارة الوصية تتحكم في هذا المجال، ويقوض مفهوم التنظيم الذاتي الذي أُنشئ المجلس الوطني للصحافة لضمانه.
هذا التداخل بين الحزب والدولة في إدارة القطاع الصحفي يثير قلق الصحفيين، خاصة أن حزب الاستقلال هو جزء من الأغلبية الحكومية. إذ يفتح هذا الوضع باب الشكوك حول مدى حيادية اللجنة المؤقتة، لا سيما لجنة منح البطاقات المهنية. ويمكن تفسير هذه الخطوة كعودة غير مباشرة إلى عهد سيطرة الحكومة على الصحافة، عندما كان الوزير هو المسؤول عن إصدار هذه البطاقات. وبالتالي، وجود البقالي في هذا المنصب يعزز الانطباع بأن الحكومة تُمسك بزمام الأمور في قطاع يُفترض أن يُنظم بشكل مستقل عن أي تأثير سياسي.
عبد الله البقالي، الذي يشغل منصبًا قياديًا في حزب الاستقلال، يمثل نقطة التقاء غير صحية بين السلطة التنفيذية والإعلام. إذ تثير سيطرته على منح البطاقات المهنية تساؤلات مشروعة حول مدى استقلالية هذه العملية. فكيف يُعقل أن تكون سلطة منح البطاقة في يد شخص ينتمي لجهة حزبية مؤثرة في الحكومة؟ يظهر هذا الوضع أن الحكومة تتلاعب بأحد أهم ركائز الحرية الصحفية، ويحول عملية التنظيم الذاتي إلى أداة تُستغل لقمع المعارضين وترهيبهم.
بحسب الدستور المغربي، وخاصة الفصل 28، فإن حرية الصحافة مكفولة ولا يجوز تقييدها بأي شكل من أشكال الرقابة القبلية. كيف يمكن للبقالي، الذي ينتمي إلى حزب يُفترض أنه يسعى لتشجيع تنظيم الصحافة بشكل مستقل، أن يمارس سلطاته في هذا القطاع دون انتهاك مبدأ الاستقلالية؟ يضع هذا التناقض حرية الصحافة في مواجهة تهديدات مباشرة بتدخل السلطة التنفيذية في مجال يجب أن يكون محايدًا ومستقلًا.
لا تتوقف المشكلة عند التداخل الحزبي فحسب، بل تمتد إلى سجل البقالي المهني الذي تميز بتجاوزات أثارت انتقادات واسعة. كانت قراراته كرئيس للجنة منح البطاقة المهنية مزاجية في كثير من الأحيان، حيث امتنع عن منح البطاقات لصحفيين انتقدوه، بل أقدم على حذف أسماء مواقعهم من المنصة الإلكترونية لتجديد البطاقة. ودفعت هذه الممارسات النقابة الوطنية للصحافة المغربية إلى التبرؤ منه، رغم ترؤسه لها في فترتين متتاليتين. فتكرار كلمة “امتناع” في البلاغ التاريخي للنقابة يعكس قرارات غير مبررة تُستغل للضغط على الصحفيين وترهيبهم.
شهد القطاع الصحفي انتقادات متكررة لسياسات البقالي، التي وُصفت بالاستبداد. كما واجه دعاوى قضائية بتهم استغلال النفوذ والشطط في استعمال السلطة. ويشكل رفضه منح البطاقات للمنتقدين رقابة غير معلنة تُحد من قدرة الصحفيين على العمل بحرية، مما يتعارض مع روح الدستور وتوجيهات الملك محمد السادس بضرورة احترام حرية الصحافة وتنظيمها بشكل ديمقراطي.
القرارات المزاجية التي اتخذها البقالي أثناء ترؤسه لجنة منح البطاقة المهنية جعلت من الامتناع عن منح البطاقات سلاحًا خفيًا يُشهر في وجه الصحفيين المنتقدين. وقد وُصفت هذه التصرفات بالانتهازية والمتحاملة أمام صمت غريب ومريب من باقي أعضاء اللجنة المؤقتة لتسيير قطاع الصحافة والنشر. إذ أن رفض منح البطاقات أو الامتناع عنها ليس رفضًا قانونيًا، بل هو عقوبة مبطنة تُفرض على كل من يجرؤ على مخالفة رؤية البقالي أو حكومته، مما يعزز ثقافة الترهيب ويُعيد للأذهان مشهد الرقابة الحكومية القبلية.
ويعكس تبرؤ النقابة الوطنية للصحافة المغربية من البقالي حالة الاحتقان والرفض داخل الأوساط الصحفية لممارسات تستند إلى الانتقام بدل المهنية. وتصب الانتقادات الموجهة للبقالي في خانة واحدة: استخدام النفوذ لأهداف حزبية، وترسيخ سيطرة السلطة التنفيذية على قطاع يُفترض أن يكون منيعًا ضد التدخلات السياسية.
إن تولي البقالي مسؤولية منح البطاقة المهنية يُفسح المجال للرقابة غير المعلنة على الصحفيين، مما يضع الصحافة أمام خطر الرقابة المباشرة التي تُمارَس بأساليب ملتوية. يجد كل صحفي يجرؤ على انتقاد الحكومة أو حزب الاستقلال نفسه معرضًا لمخاطر عدة، تبدأ بحرمانه من بطاقته المهنية وتنتهي بعرقلة عمله، مما يُغلق الأبواب أمام حرية التعبير ويجعل الاستقلالية شعارًا بلا تطبيق.
إن استمرار عبد الله البقالي في منصبه يمثل خطرًا جديًا على الديمقراطية وحرية الصحافة في المغرب. وعليه فإنه لا بد من اتخاذ موقف حازم يعيد الأمور إلى نصابها، ويضمن أن يتم تنظيم القطاع بشكل مستقل بعيدًا عن التدخلات الحزبية أو الحكومية. ولتحقيق هذا الهدف يتطلب إعادة هيكلة المنظومة بما يحترم الدستور وتوجيهات الملك محمد السادس، ويعيد الثقة للصحفيين بأن حقوقهم مصانة وأنهم قادرون على ممارسة مهامهم دون خوف من الترهيب أو العقاب.

شارك هذا المحتوى