الأنباء بوست/ حسن المولوع
يبدو أن وكالة المغرب العربي للأنباء، التي كانت لعقود مرجعا إعلاميا وطنيا ودوليا، قد دخلت نفقا مظلما منذ أن تولى فؤاد عارف منصب المدير العام. فالرجل الذي يُفترض أن يكون قائدا لإحدى أهم المؤسسات الإعلامية في البلاد، أضحى رمزا للتسلط الإداري والفشل الذريع، بل وأداة لتصفية الحسابات الشخصية على حساب القيم المهنية والإنسانية.
ففي سابقة خطيرة، قرر عارف ممارسة جميع أشكال الضغوط والترهيب ضد صحافية مشهود لها بالكفاءة والنزاهة تعمل في مكتب الوكالة ببرلين. إذ لم يكتفِ بحرمانها من راتبها الشهري منذ غشت الماضي، تاركا إياها عرضة للتشرد في شوارع ألمانيا، بل تجاوز ذلك إلى محاولة فرض قراراته المزاجية عليها. والسبب؟ إجبارها على العودة إلى المغرب دون أي قرار مكتوب، ودون احترام مدة تعيينها التي يُفترض أن تمتد لأربع سنوات، في خطوة تكشف عن تحيزه الصارخ للزبونية والمحسوبية. فقد كان هدفه الأساسي هو منح منصبها لصالح صحافي آخر تجمعه مصالح عائلية بوزارة الداخلية.
هذا السلوك يتنافى تماما مع دعوات الملك محمد السادس المتكررة إلى تعزيز احترام المرأة وحمايتها من جميع أشكال الظلم والاستغلال. لكن يبدو أن فؤاد عارف، بمنهجيته الإقصائية والمتعجرفة، قرر السير في الاتجاه المعاكس، ضاربا بعرض الحائط هذه المبادئ السامية.
وإمعانا في استفزاز الصحافية، فإن عارف لم يتردد في توظيف جميع الوسائل لإضعافها نفسيا ومهنيا. لكن الصحافية، التي واجهت هذا الاستبداد بثبات وشجاعة، لجأت إلى القضاء لإنصافها. وقد كلفت محاميا برفع دعوى ضد هذا المدير العام، وسيشهد القضاء الإداري أولى جلساته يوم الثلاثاء المقبل. وليس هذا فقط، بل إن محاميها يُحضر أيضا شكاوى إضافية تتعلق باستغلال النفوذ، الشطط في استعمال السلطة، والابتزاز، وهي تهم يُتوقع أن تُكشف تفاصيلها خلال ندوة صحفية مرتقبة.
الأزمة الحالية لا تقتصر فقط على الصحافية الضحية، بل تعكس حالة التدهور الشامل التي أصابت وكالة المغرب العربي للأنباء تحت إدارة عارف. فقد انشغل الرجل بتصفية الحسابات مع كل من كانت له علاقة بالراحل خليل الهاشمي الإدريسي، المدير العام السابق للوكالة، حيث يعتبرهم عارف جزءا من “الحرس القديم” الذي يجب القضاء عليه. ونتيجة لهذا الهوس، فقدت الوكالة دورها الريادي في المشهد الإعلامي الوطني والدولي، وتحطمت إنجازات العقود الماضية.
ولا تتوقف تجاوزات عارف هنا، فقد أحاط نفسه بأشخاص لا يمتّون للمهنية بصلة، مثل رئيس القسم بإذاعة “ريم راديو” التابعة للوكالة. فهذا الأخير حول منصبه إلى منصة لتفاهاته وصبيانياته عبر حسابه على فيسبوك، بينما الإذاعة نفسها أصبحت كيانا عديم التأثير، تعيش في غيبوبة تامة رغم الأموال الضخمة التي تُنفق عليها.
إن حجم الفساد وهدر المال العام في مديرية وسائل الإعلام بالوكالة يستدعي تدخلا عاجلا من المجلس الأعلى للحسابات لفتح ملفاتها ومساءلة المسؤولين عن هذه الانحرافات. فما يحدث اليوم ليس مجرد فشل إداري، بل استهتار صريح بالمسؤولية وضرب لقيم الشفافية والحكامة التي ينادي بها الدستور المغربي.
وجدير بالذكر أنه، ولحدود اليوم، لم يتم الإعلان عن الهيكل التنظيمي للوكالة، ولم يشهد الرأي العام أي بصمة تسييرية لفؤاد عارف. كل “إنجازاته” اقتصرت على تصفية الحسابات الشخصية، والظهور في المناسبات لالتقاط الصور، وكأنه مراهق كبير يبحث عن الأضواء دون أي اعتبار لمسؤولياته أو دوره المحوري.
فؤاد عارف، الذي بات يحتمي ببعض المندسين في الصحافة، لم يعد مؤهلا لإدارة وكالة تحمل اسم الوطن. وصمت السلطات المعنية إزاء هذا الوضع يُعتبر بمثابة تشجيع ضمني لهذه الممارسات التي لا تليق بمؤسسة إعلامية يُفترض أن تكون منبرا للحقيقة والموضوعية.
شارك هذا المحتوى