
الأنباء بوست/ حسن المولوع
تحوّلت قاعة الجلسات بمحكمة الاستئناف في الرباط، خلال الجلسة الأخيرة من محاكمة الصحافي حميد المهداوي، مدير نشر موقع “بديل”، إلى ما يشبه ثكنة أمنية، بفعل الانتشار الكثيف لعناصر الشرطة داخل القاعة، ما أثار استغراب الحضور وخلق انطباعات متباينة حول طبيعة محاكمة يُفترض أن تكون علنية، هادئة، وتُدار في إطار من الاحترام الصارم للقانون.
الجلسة التي انعقدت مساء الإثنين 2 يونيو، وامتدت لأكثر من أربع ساعات، خيّمت عليها أجواء من الحذر والترقب، في ظل الحضور اللافت لرجال الأمن، الذين لم يقتصر وجودهم على المراقبة من الخارج، بل دخلوا القاعة وتمركزوا وسط الحاضرين، وتجوّل بعضهم داخلها، في مشهد أثار تساؤلات عديدة، ليس فقط حول الغاية من هذا الانتشار، بل أيضا حول الرسائل التي يُراد تمريرها في قضية يعتبرها كثيرون محاكمة سياسية بلبوس جنائي.
الحضور الأمني المكثف لم يمر دون ردود أفعال داخل القاعة، إذ تحدث شهود عيان لـ«الأنباء بوست» عن حالة من الريبة انتابت عددا من المواطنين والحقوقيين، وذهب بعضهم إلى القول إن “الاستعدادات الأمنية توحي بأن الحكم جاهز، وأن الاعتقال قد يتم داخل القاعة”، وهي فرضية زادها رسوخا تصرّف بعض العناصر الأمنية، التي راحت تراقب الحاضرين بصرامة مفرطة، لدرجة أن مجرد إخراج هاتف محمول كان كفيلا بجذب انتباه شرطي يُسارع إلى التدخل، حتى وإن تعلّق الأمر برسالة نصية شخصية أو استخدام مهني مشروع.
الصحافيون الذين حضروا لتغطية الجلسة وجدوا أنفسهم في وضع غير معتاد، بعدما مُنعوا من استعمال هواتفهم في تدوين الملاحظات والاقتباسات، وهو ما اعتبروه تضييقا على أداء مهنتهم، خاصة وأن القانون لا يمنع استخدام الهاتف لأغراض التدوين، بل يحظر التصوير أو التسجيل داخل الجلسات، وهو ما كان يجب أن يكون واضحا في التعليمات الأمنية، لا أن تُدار الأمور بمنطق الريبة والارتياب.
ولم يتوقف المشهد عند هذا الحد، إذ لوحظ وجود أشخاص بوجوه غير مألوفة في آخر القاعة، يراقبون الحاضرين بنظرات فاحصة ومركزة، في ما اعتبره البعض أسلوبا غير مريح لمتابعة سير الجلسة. كما رُصدت حالات غريبة في باحة المحكمة، حيث أن كل من كان يتحدث مع زميلَين يُفاجأ بشخص غريب يقترب بطريقة مثيرة، وكأنه يتنصّت بشكل علني.
وفي سلوك غير مفهوم، رصد شهود عيان شرطية تلتقط صورا لحميد المهداوي بهاتفها المحمول أثناء إدلائه بتصريحات لوسائل الإعلام، وهو ما يطرح علامات استفهام حول طبيعة المراقبة الأمنية في محيط المحاكمة، وحجم التوتر الذي يحيط بملف يُفترض أن يُدار كقضية صحافي يُحاكم وفق القانون، لا كمتهم في ملف ذي طبيعة أمنية استثنائية.
كل هذه المؤشرات، بحسب متابعين، لا تخدم سمعة القضاء المغربي، بل تُكرّس الانطباع بأن القضية محاطة بحساسية مفرطة، وأن الصحافي المهداوي يُعامل كما لو أنه يشكّل خطرا أمنيا، وليس مواطنا يُحاكم في قضية يُفترض أن يُفصل فيها القضاء باستقلال وهدوء.
وفي هذا السياق، يُطالب صحافيون وحقوقيون الوكيل العام للملك بمحكمة الاستئناف بالرباط بإصدار تعليمات واضحة تضمن احترام الحق في المعلومة والكتابة الصحافية، وتمكّن ممثلي وسائل الإعلام من أداء مهامهم دون مضايقات، طالما أنهم ملتزمون بالقانون الذي يمنع التصوير والتسجيل الصوتي، دون أن يحظر استخدام الهواتف لتدوين الملاحظات أو إرسال الرسائل الشخصية في حالات استثنائية.
الجلسة، التي وُصفت بـ”التاريخية”، شهدت حضورا لافتا لهيئات حقوقية وفاعلين مدنيين وصحافيين، إلى جانب عدد كبير من المواطنين، في ما يُعد دليلا على الأهمية التي تحظى بها القضية لدى الرأي العام، وعلى الانتظارات المعلّقة على القضاء المغربي لإثبات استقلاليته في قضايا الصحافة والحق في التعبير.
غير أن مشهد الأمن الكثيف، والرقابة الصارمة، والوجوه المترقبة التي توحي بالمراقبة، كل ذلك يُلقي بظلال ثقيلة على محاكمة كان من الممكن أن تكون درسا في الشفافية القضائية، لا اختبارا للأعصاب.
يُذكر أن الجلسة المقبلة حُدّدت ليوم 16 يونيو، ومن المرتقب أن تُخصّص للمرافعات، مع إمكانية النطق بالحكم في اليوم نفسه، في واحدة من أكثر المحاكمات إثارة للجدل في المشهد الإعلامي المغربي خلال السنوات الأخيرة.

شارك هذا المحتوى