
الأنباء بوست/ حسن المولوع
يبدو أن أولئك الذين استغلوا قضية توفيق بوعشرين لتحقيق مصالح شخصية قد خاب أملهم، وأن حبل الأكاذيب الذي نسجوه بدأ يلتف حول أعناقهم بعدما اصطدموا بجدار الحقيقة. فالمزاعم التي روجوها طوال الفترة الماضية بشأن الفيديوهات التي أُدين بسببها بوعشرين، والذي حُكم عليه بالسجن 15 سنة قبل أن ينال عفوًا ملكيًا ساميًا، لم تصمد طويلاً. إذ ظهرت هذه المزاعم هشة كبيت العنكبوت، فتهاوت أمام أول اختبار حقيقي، وسقط أصحابها الواحد تلو الآخر.
ومع تزايد الضغوط على مستغلي قضية توفيق بوعشرين وافتضاح زيف ادعاءاتهم، برزت مخاوف جدية من المساءلة القضائية، خصوصًا في ظل الادعاءات المتعلقة بوجود محجوزات يُفترض أن تكون في حيازة الجهات الرسمية فقط. وفي هذا السياق، كشف الإعلامي المقيم في ألمانيا، مروان لطفي، صاحب قناة “مغربي في برلين”، عن تناقضات خطيرة في هذه القضية في فيديو بثه على قناته.
ومن بين هؤلاء، شخص مقيم في الولايات المتحدة الأمريكية، ادّعى مرارًا امتلاكه للفيديوهات التي أُدين بسببها بوعشرين والتي قضت المحكمة بإتلافها. غير أن هذا الشخص بدأ يغيّر أقواله تدريجيًا، فبعد أن زعم حيازته لهذه الفيديوهات، عاد ليصرح بأنه سيحصل عليها من النساء المعنيات بالقضية، ثم أعلن نيته تقديمها إلى جنيف.
هذه الادعاءات تثير العديد من التساؤلات، خصوصًا أن الشخص المذكور لا يملك أي صفة قانونية تخوله التدخل في القضية. كما أن التلويح بنقل الملف إلى جنيف يُعد مساسًا صارخًا بنزاهة القضاء المغربي، الذي أصدر حكمًا نهائيًا في هذه القضية. وقد ناقش الإعلامي مروان لطفي هذه التناقضات في بث عبر قناته بعنوان “تحقيقات بدأت في قضية توفيق بوعشرين”، والذي استمر حوالي 19 دقيقة.
قبل هذا الفيديو، نشر لطفي تسجيلاً آخر بعنوان: “توفيق بوعشرين: الانحطاط تمرين لم يسبق لأحد أن فشل فيه”، حيث كشف أن الفيديو الذي نُشر على أحد المواقع الإباحية قبل عشرة أشهر مصدره الولايات المتحدة الأمريكية، وقد نُشر بالتزامن مع وجود شخص مثير للجدل هناك. وهو الشخص الذي سبق له إطلاق تصريح وُصف بالخطير، هدد من خلاله المؤسسة الملكية علنًا، قائلاً إنه سيغادر البلاد إذا مُنح بوعشرين عفوًا ملكيًا.
تصريحات هذا الشخص تمثل قرينة قوية تستوجب تحقيقًا معمقًا، لاحتمال تورطه في عملية ابتزاز لجهات معينة. إذ بدا وكأنه يبعث برسائل تهديد مبطنة عبر الشخص المقيم في أمريكا، مفادها أنه يمتلك وثائق ومستندات يُفترض أن تكون في حيازة الدولة فقط، بما في ذلك الفيديوهات التي قضت المحكمة بإتلافها. تلك الرسائل المبطنة وكأنها تقول ” إذا تم التخلي عني فإنني سأقوم بفضح من تعاملت معهم وإنني اتحكم في أصحاب القنوات على اليوتيوب ”
هذه المعطيات تدعم فرضية أن هذا الشخص هو العقل المدبر لشبكة إجرامية إلكترونية تدّعي ارتباطها بجهات داخل الدولة، مستغلاً هذا الادعاء في استهداف أشخاص لديهم خلافات معه للتشهير بهم أو إخضاعهم لغايات معينة. إذ أن هذا الأمر يمثل تهديدًا خطيرًا لأمن الدولة، وليس فقط للأفراد أو المجتمع، ويستدعي تحقيقًا شفافًا وعاجلاً.
ما يعزز هذه الفرضية هو تصريح ناري سابق أدلى به هذا الشخص المثير للجدل، والذي يمس بمؤسسة القضاء مباشرة. فبعد صدور الحكم الاستئنافي على توفيق بوعشرين ورفع العقوبة إلى 15 سنة، علّق قائلاً: “هذا الحكم غير مقبول إطلاقًا، سواء من حيث العقوبة أو التعويضات المدنية التي لا ترقى إلى حجم الأضرار. بناءً على ذلك، سنقوم بنقض الحكم مجددًا. كنا نتوقع جبر الضرر المعنوي والمادي، وهو ما لم تنطق به محكمة الجنايات في الاستئناف، وهذا أمر غير معقول.”
وعلى الرغم من أن التعليق على الأحكام القضائية حق مشروع، إلا أن الربط بين هذا التصريح وبين التلويح من الشخص المقيم في أمريكا بالذهاب إلى جنيف، متسلحًا بالفيديوهات، يشير إلى وجود علاقة بينهما. هذه العلاقة قد تكون وراء الهجمات الإلكترونية المتكررة التي تطال بوعشرين وزوجته، والتي تجاوزت التشهير إلى المساس بمؤسسات الدولة واستقرارها. فالادعاءات المتكررة بالتوفر على فيديوهات قضت المحكمة بإتلافها تعدّ إساءة مباشرة إلى الفرقة الوطنية والنيابة العامة.
المثير للاهتمام أنه لم تخرج أي ضحية، حتى اليوم، للمطالبة بما حكمت به المحكمة من تعويضات، وهو ما يطرح تساؤلات حول دوافع أولئك الذين نصبوا أنفسهم مدافعين عن الضحايا. إذ أن هذه المعطيات تدعم احتمال أن الشخص المثير للجدل، بمجرد حصول الضحايا على تعويضاتهم، سيطالب بنصيبه منها، مما يكشف عن دوافعه الشخصية في هذه القضية.
في الفيديو الذي بثه الإعلامي مروان لطفي على قناته “مغربي في برلين”، والذي حمل عنوان “تحقيقات بدأت في قضية توفيق بوعشرين”، كشف عن محاولاته لفضح ما وصفه بالعصابة التي تستهدف بوعشرين. وأشار لطفي إلى أن هذه العصابة باتت محاصرة، بعدما أصبحت في مواجهة مباشرة مع المؤسسة الملكية، نتيجة استمرارها في الهجوم على شخص قضى عقوبة سجنية وحصل على عفو ملكي، وهو أمر يبدو أنه يؤلمهم ويضعهم في مأزق كبير.
وأضاف لطفي أن هذه الجهات، ومن أجل دغدغة مشاعر الرأي العام، لجأت إلى الحديث عن الضحايا، زاعمة أنها تسعى للحصول على اعتذار وتعويضات لهن من بوعشرين. ومع ذلك، تساءل لطفي عن مصير هؤلاء الضحايا، مشيرًا إلى أنه لم يُسمع لهن أي صوت حتى الآن. وطرح سؤالًا جوهريًا حول غياب ظهورهن إعلاميًا، متسائلًا: “أين هن الضحايا؟ وهل سبق لمتابعي هذه العصابة المسخرة أن رأوا أي تصريح علني لهن؟”
لطفي وصف هذه المزاعم بأنها مجرد وسيلة ابتزاز تستهدف ضرب مصداقية المؤسسة الملكية، مؤكدًا أن الهجمات المستمرة على بوعشرين تأتي في إطار محاولة لتشويه العفو الملكي وإضعاف رمزيته.
وكشف الإعلامي مروان لطفي في الفيديو ذاته أنه في 13 يناير من العام الجاري، ظهر الشخص المقيم في الولايات المتحدة عبر قناته على الإنترنت، زاعماً أنه يمتلك الفيديوهات المتعلقة بقضية توفيق بوعشرين. ووفقاً لمقطع موثق، وجّه هذا الشخص حديثه لبوعشرين قائلاً: “والذي نفسي بيده، لدي الفيديوهات كلها، وأنت تعتقد أن جهة ما أعطتني هذه الفيديوهات؟ والله، ضحاياك هن من أمددنني بهذه الفيديوهات.”
وأشار لطفي إلى أن هذا التصريح يرقى إلى مستوى الابتزاز الواضح، حيث لم تكن الرسالة موجهة فقط إلى بوعشرين، بل أيضًا إلى جميع الجهات التي تدخلت في القضية للمطالبة بطيها ومنح العفو الملكي. وأكد أن هذه التصريحات تمثل مساساً مباشراً بسلطة الملك، إذ تحمل رسالة مبطنة تفيد بأن الشخص الذي شمله العفو الملكي لا يزال مرتبطاً بفيديوهات إباحية.
وتابع لطفي أن بوعشرين، رغم ذلك، لم يخضع لهذا الابتزاز ولم يعره أي اهتمام، الأمر الذي زاد من حدة توتر هذه الجهات. ومع تصاعد الخناق على العصابة وفطنتها لخطورة ادعاءاتها بالتوفر على فيديوهات أمر القضاء بإتلافها، خرج الشخص المقيم بأمريكا مرة أخرى ليغير أقواله، معترفا بأنه لا يمتلك الفيديوهات حالياً، ولكنه سيحصل عليها من الضحايا، قائلاً: “غي معاودين لي عليها.”
وفي هذا السياق طرح لطفي تساؤلاً جوهرياً: “إذا افترضنا أن الضحايا أرسلن له تلك الفيديوهات أو أنهن سيقمن بذلك مستقبلاً، فهل هذا منطقي؟ لماذا قد تقدم الضحايا على خطوة كهذه، خاصة وأنهن حصلن على حكم قضائي؟ هل يعقل أن يخاطرن بفضح أنفسهن أمام المجتمع من خلال إرسال الفيديوهات له؟” وأوضح أن هذه التصريحات لا تخدم الضحايا، بل على العكس، تضعهن في موقف حرج وتثير الشكوك حول نواياهن.
كما أشار لطفي إلى أن استمرار هذه الجهات في هذا المسار يعكس عدم احترامها للقضاء المغربي، ومحاولتها إبقاء القضية مثار جدل رغم حسمها قانونياً. وأضاف أن الهدف الحقيقي من وراء ذلك هو التشكيك في مصداقية القضاء وضرب رمزية العفو الملكي.
لم يكن الإعلامي مروان لطفي الوحيد الذي أعاد فتح ملف قضية توفيق بوعشرين وسلط الضوء على التناقضات التي تحيط بالهجمات الإلكترونية عليه، بل برزت أيضًا السيدة نادية اليعقوبي، الوجه البارز على منصة يوتيوب، والتي ساهمت في تفكيك ألغاز هذه الهجمات.
وفي فيديو بثته عبر قناتها، أظهرت اليعقوبي سخريتها اللاذعة التي تُشبه الإعلامية حنان مفيد فوزي، وعمقها الفلسفي الذي يُذكرنا بالكاتب أنيس منصور. تناولت فيه التناقضات الصارخة للشخص المقيم في الولايات المتحدة، مشيرة إلى افتقاره لاحترام كرامة الموتى. وتساءلت السيدة اليعقوبي: “لماذا يركز هذا الشخص على السيدة المتوفاة، زاعماً أنه يمتلك فيديوهات جنسية لها؟ هل هي من قامت من قبرها وأرسلتها له؟ أم أن زوجها هو من فعل ذلك؟” وأضافت أن هذا الادعاء غير منطقي، مؤكدة أن الرجل المغربي لا يمكن أن يسمح بمثل هذا الأمر، أو يترك زوجته تُكشف بهذا الشكل.
وفي الفيديو نفسه، دعت اليعقوبي السيدة عفاف برناني إلى اتخاذ إجراءات قانونية ضد هذا الشخص المقيم في أمريكا، الذي يدّعي أن الفيديو الإباحي المنشور على مواقع إلكترونية يعود إليها. وأوضحت أن هذا الفيديو لم يُحدد فيه هوية الأطراف الموجودين به، حتى أن خبرة الدرك الملكي، التي أُجريت خلال مراحل القضية، لم تُثبت صحة هذه الادعاءات.
اليعقوبي أكدت أن استمرار هذا الشخص في نشر مزاعمه يُعد تعدياً صريحاً على سمعة الأفراد، وإصراراً على التشكيك في مصداقية القضاء المغربي الذي أمر بإتلاف جميع الفيديوهات ذات الصلة بالقضية.
تجدر الإشارة إلى أن الصحافي توفيق بوعشرين، الملقب بسلطان الصحافة، قد مر بعذابات كثيرة خلال التحقيق والقرار القضائي الذي ترجم إلى 15 سنة سجناً. وتمتع بعفو ملكي بعد قضاء 7 سنوات. والآن، هذا الجدل والاستهداف المسلط عليه من طرف منابر عدة لا يمكن تفسيره إلا بتصفية الحسابات.
لقد كانت الدولة رحيمة به حين منحه ملك البلاد عفواً دون المساس بأي حق من حقوق أي طرف، والعفو الملكي يلغي العقوبة. وبصيغة أخرى، بما أن العفو الملكي هو سيد الموقف، فإن جبر ضرر الضحايا مُوكل إلى الدولة إذا استحال تعويضهن من طرف المعفى عنه، ولا حق لأحد أن يتكلم باسم الضحايا أو ينصب نفسه مدافعاً سواء عن بوعشرين أو عن الضحايا، لأن الدولة ممثلة في شخص ملك البلاد حفظه الله لها رؤيتها الخاصة للأشياء. وإن الاسترزاق بالقضية بغرض تصفية الحسابات هو تطاول على ملك البلاد الذي له النظر السديد والرؤية الرشيدة. والصفحة قد طويت، وحان وقت وضعها في رفوف النسيان، للنظر إلى مستقبل هذا الوطن الذي يحتضن جميع أبنائه وبناته في إطار تقوية الجبهة الداخلية.

شارك هذا المحتوى