الأنباء بوست / حسن المولوع
يتابع العديد من رواد مواقع التواصل الاجتماعي الهجوم الشرس على الصحافي الشهير حميد المهدوي مدير نشر صحيفة بديل الإلكترونية ، من طرف بعض الصفحات الفيسبوكية والقنوات اليوتيوبية وبعض الصحافيين الذين ينتمون لإحدى المجموعات الإعلامية الشهيرة بالمغرب، وأيضا من صحافي سابق يعيش حاليا بالديار الاسبانية ، يقود ” فيلقا” ممن يطلقون على أنفسهم معارضين ، وبطبيعة الحال المعارضة التي يمارسها هؤلاء لا تحمل مشروعا سياسيا ولا أي تصور يرقى بها الى مستوى معارضة ، وبالتالي فهي تبقى مجرد بضاعة كلام لا يعدو الا أن يكون كلام مقاهي ، ومع ذلك وجب احترامه مع تطبيق الآية القرآنية على بعضهم ” وأعرض عن الجاهلين ” …
الصحافي السابق الذي يقود “الفيلق” اليوتيوبي السالف ذكره ، انخرط بدوره في حملة التهجم على الصحافي حميد المهدوي عن طريق فيديو نشره على قناته الخاصة على اليوتيوب ، لا لشيء الا أن الصحافي المهدوي ذكر في أحد فيديوهاته أن له تقدير بالغ للسيد عبد اللطيف حموشي المدير العام للمديرية العامة للأمن الوطني والمديرية العامة لمراقبة التراب الوطني ، الأمر الذي لم يستصغه الصحافي السابق ، متهما المهدوي بالتزلف والتملق (لحاس الكابّة) للسيد حموشي ، وأن مواقفه الحالية تختلف بكثير عن مواقفه السابقة قبل سجنه والحكم عليه بثلاث سنوات نافذة .
قضى الصحافي حميد المهدوي ثلاث سنوات كاملة وراء القضبان وعند معانقته للحرية عاد الى الساحة الإعلامية بقوة دون أن يحمل في نفسه حقدا على الدولة بمؤسساتها ومسؤوليها ، ودون أن يسقط في فخ التطبيل والتزمير، كما أنه لم يسقط في فخ الرشق بالحجارة ، باختصار فلقد أصبح خطابه جد معتدل ، واعتداله أزعج المتطرفين ، سواء الذين يطبّلون بتطرف بحثا عن تحقيق مصالح شخصية، أو الذين يرشقون بالحجر بتطرف حقدا على النظام وبعض رموزه لأسباب شخصية، وهذا هو سر الهجوم عليه بشراسة من الجانبين لأنه ليس مع أي فريق ، وهو ما سنوضحه بتفصيل من خلال مقالنا هذا ..
حاول الصحافي السابق المقيم بالديار الاسبانية أن يمرر خطابا ماكرا لجمهوره ، بكون أن مواقف الصحافي المهدوي تغيرت بعد خروجه من السجن خصوصا تقديره للسيد عبد اللطيف حموشي ، والواقع أن هذا الكلام غير صحيح ، ذلك أن هذا التقدير كان قبل دخوله للسجن واستمر حتى بعد خروجه ، ولأن هذا الصحافي السابق يدعي أنه استقصائي فقد كان من الواجب عليه البحث والتحري قبل إطلاق الكلام على عواهنه ، ليتأكد أن الصحافي حميد له مبرر في هذا التقدير وليس تملقا من أجل التقرب كما يتم الترويج له ، ذلك أن السبب مَرَدُّه يعود لسنوات خلت قبل دخوله للسجن ، حيث أنه وفي يناير 2017 قام السيد حموشي بتقديم تنازل عن دعوى قضائية رفعتها الإدارة العامة للأمن الوطني في عهد مديرها العام السابق السيد بوشعيب أرميل ، وكانت الإدارة العامة للأمن الوطني قد قدمت شكاية ضد حميد المهدوي مدير نشر موقع بديل بعد نشره لخبر وفاة “كريم لشقر” داخل مخفر الشرطة بمدينة الحسيمة، وطالب على إثرها محامي الإدارة العامة في يوليوز من سنة 2014 الحكم على المهدوي بعدم مزاولة مهنة الصحافة لمدة 10 سنوات، وأداء غرامة مالية قدرها 25 مليون سنتيم” ، وقد بثت المحكمة الابتدائية حكما، يقضي بأربعة أشهر سجنا وغرامة 50 ألف درهم، في حق حميد المهداوي مدير الموقع، ليتم استئناف الحكم بعدها من طرف محامي الإدارة ، لكن المفاجأة كانت أن تبرأ السيد حموشي من هذه المتابعة وأمر بالتنازل عنها في المرحلة الاستئنافية ، وبالفعل هذا ما كان ، وفي ذلك الوقت أعطيت إشارة بأن المدير العام الحالي للمديرية العامة للأمن الوطني والمديرية العامة لمراقبة التراب الوطني الذي هو السيد عبد اللطيف حموشي ليس ضد الصحافيين والصحافيات وانتهج منذ ذلك الوقت استراتيجية تواصلية مع الرأي العام تشرف عليها خلية التواصل المركزي بالمديرية ذاتها والتي تنشر بلاغات باستمرار تتواصل من خلالها مع الراي العام دون الحاجة لمتابعة الصحافيين والصحافيات إن ارتكبوا خطأ مهنيا بحسن نية .
ومن المعلوم أنه وفي سنة 2014 لم يكن الاشتغال بالقانون رقم 88/13 المتعلق بالصحافة والنشر الخالي من العقوبات السالبة للحرية ، اذ هذا القانون لم يبدأ الاشتغال به الا في غشت 2016 ، وبالتالي فقد كان الصحافي حميد مهددا بالسجن في عهد المدير العام السابق للأمن الوطني ، لكن المدير العام الحالي أبى الا أن يتنازل عن القضية ، وكان الصحافي حميد المهدوي قد وجه شكره وامتنانه بهذا الخصوص عبر فيديو بثه على قناته ، وبالتالي فتقديره للرجل ليس وليد اليوم .
إن الصحافي حميد المهدوي بات اليوم مزعجا أكثر من أي وقت مضى ، وازعاجه هذا ليس للدولة ومؤسساتها ، بل لعدد من الأشخاص ، والسبب هو سلكه طريق الوسطية والاعتدال في تناول المواضيع ، متصديا بطريقة مهنية لحملات التضليل التي يمارسها صحافيون ينتمون لإحدى المجموعات الإعلامية وتستتبعها بعض الحسابات الفيسبوكية التي باتت تشكل خطرا على صورة الدولة ومؤسساتها بادعائها الدفاع عن رموز الدولة ، متخذة من التشهير والكلام البذي والمس بأعراض الناس وسيلة لها في هذا الدفاع المفترى عليه، والذي هو في الحقيقة دفاع بلبوس تصفية الحسابات مع الغير والاختباء وراء اسم رمز من رموز الدولة ، موهمين الناس أنهم موكلين للقيام بهذه المهمة ، والواقع بطبيعة الحال يقول عكس ذلك ، في انتظار بلاغ من خلية التواصل المركزي للمديرية العامة للأمن الوطني ومديرية مراقبة التراب الوطني يتبرأ من هاته الحسابات الفيسبوكية وأصحابها الذين ينتحلون صفة الناطقين باسمها ، وفي انتظار أيضا بلاغ من طرف النقابة الوطنية للصحافة المغربية يستنكر الهجوم غير المبرر على الصحافي المهني حميد المهدوي والتدخل في حياته الخاصة مع مطالبة النيابة العامة بالتدخل وإعطاء اوامرها للفرقة الوطنية للبحث مع هؤلاء الذين أصبح ضرهم لا يؤدي فقط الأشخاص بل وصل الى حد الإساءة للمؤسسات ، وقد أشرنا الى ذلك بتفصيل عبر مقالين نشرناهما على صحيفة الأنباء بوست الأول بعنوان ما هي أسباب وخلفيات التهجم على أمنيين كبار ومسؤولي الإعلام بالمغرب والثاني تحت عنوان حسابات فيسبوكية ويوتيوبية..بين الولاء المقنع للدولة وبراء الدولة منها
لقد أضحى الصحافي حميد المهدوي يثير خِشية الفريقين ، سواء أولئك الذين يعلنونها صراحة أنهم ضد النظام ، أو الذين يتخذون من الدفاع عن المؤسسات وسيلة لتصفية الحسابات مع خصومهم ، فكلا الفريقين كانا ينتظران من المهدوي أن يخرج من السجن ويبدأ بالرشق بالحجارة لينال تصفيق الفريق الأول ، وليتخذه الفريق الثاني مادة دسمة من أجل شرعنة دفاعهم المفترى عليه على المؤسسات ، لكنه كان أذكى من الفريقين واتخذ من الاعتدال منهجا ومن التصدي لتضليلهما هدفا ينور به الرأي العام ، وبالتالي فهو سحب البساط عنهم جميعا بإعلان التبرؤ من الجميع وهو الأمر الذي أزعجهم ، فالفريق الأول يريد من حميد أن يبقى بوقا يزكي أطروحتهم ، والفريق الثاني لم يستصغ اعلان حميد ولاءه لمؤسسات الدولة وأنه يزاول مهنة الصحافة بتجرد ولا يقوم بالمعارضة ، وهذا الولاء لا يخدم الفريق الثاني لأنه يُفشل أطروحة الدفاع والتضليل ، وهنا تكمن خشية هؤلاء منه ، ولهذا السبب فهم يشنون الهجمات عليه تباعا في كل وقت وحين .
لا أحد يستطيع أن ينكر بأن حميد المهدوي هو صحافي مثقف وهو كائن منتج لأفكار تصنع رأيا عاما واستطاع أن ينشر الوعي بين جمهوره الذي يتابعه بالآلاف وذلك بوضع المسلمات محل تساؤل وتكريس منظومة قيم مرتكزة على فكر نقدي قصد بناء الموقف الذي يختاره هذا الجمهور بعيدا عن حملات التضليل التي يسلكها صحافيون ينشطون على الفيسبوك وينتمون لإحدى المجموعات الإعلامية او تضليل بعض القنوات اليوتيوبية التي تدعي المعارضة ، بحيث أن المهدوي ساهم في صناعة رأي عام عقلاني ورافض للاستسلام للتضليل ، ومن الطبيعي أن يتعرض لحملة شرسة تحاول شيطنته ، لكن الجمهور أصبح أكثر وعيا وفطنة ، بدليل حملة التضامن الواسعة التي حظي بها عندما تعرض للتشهير والقذف في عرضه وعرض والدته وزوجته .
إن الحملة الشرسة التي يتعرض لها حميد المهدوي منذ شهور أفضت في نهاية المطاف الى حوار موؤود لا يعمل على تأسيس ثقافة حوارية تقوم على الرأي والرأي الآخر بل أسست لثقافة صدامية عنوانها الاقصاء ونفي الاختلاف واعتماد العنف ، عنف في الفعل وعنف في الخطاب
إن منطق الاقصاء لرأي حميد المهدوي الذي يمارسه من سلف ذكرهم بالاضافة الى أصحاب الحسابات الفيسبوكية ومغموري اللايفات الذين لا يعرفون للنقاش طريقا بل يجيدون فقط اعمال البلطجة الإلكترونية ، هذا المنطق يشتغل من خلال آليتين ، تقوم الأولى على تغييبه أو تبخيسه واستصغاره ليفقد تأثيره في الجمهور من أجل أن ينجح تضليلهم والسيطرة على الرأي العام، والثانية تقوم على تحريف أفكاره والقيام بعملية التدليس والتلبيس حتى يفهم الجمهور قصد المهدوي في غيرموضعه ويفقد شيئا فشيئا من مصداقيته .
إننا في هذا المقال لا نقول بأن حميد المهدوي ملاك يعيش فوق الأرض ، بل نقول أنه انسان يؤمن بمشروع كما يؤمن غيره ويعمل على تجسيده كما يعمل غيره واثناء هذا التجسيد يمكن أن يقع الخطأ او الانفلات ، وهذا الانفلات يحكمه منطق التدافع والجدال الصحي ، بعيدا عن منطق الاقصاء والاستئصال وشيطنة الآخر ، لا لشيء الا لأنه يتحلى بالمصداقية وله القَبول الذي يصعب على أي كان امتلاكه ، فهذا القبول يأتي بعد تجارب طويلة ، وغيرة وطنية صادقة تبتعد عن تغليب المصلحة الشخصية على حساب المصلحة العامة ، وفي النهاية لا يختلف اثنان في كون أن الصحافي حميد المهدوي صنع مجدا إعلاميا من الصفر وبصم المشهد الإعلامي ببصمة عصية على التقليد ، فالذين عجزوا عن بناء جمهور على قنوات يوتيوبية هم الذين يجترون لازمة أرباح الأدسنس ، فليعمل هؤلاء على صناعة محتوى بشكل يومي دون تفعيل خاصية الربح ، حينها سنرفع لهم القبعة ، هذا إن استطاعوا بناء جمهور عن طريق اشتراكه بقنواتهم .
شارك هذا المحتوى