
الأستاذ محمد لخضر
محام بهيأة المحامين بالدار البيضاء
*بين اللاشرعية واللادستورية في مشروع قانون المسطرة المدنية الأحادي
إن مهمة التشريع كآلية قانونية تهدف إلى تحقيق المصلحة والمنفعة المجتمعية العامة، بتنظيم وخلق التوازن والمساواة بين الأفراد وتنظيم حياتهم في جميع تفريعاتها وتفصيلاتها، بغية إنشاء مجتمع تشاركي يحتضن الجميع في جو يسوده الاستقرار والنماء تجسيداً لدولة الحق والقانون. ولا شك أن مشاريع القوانين، بغض النظر عن طبيعتها القانونية وارتباطها بالسلطة التشريعية ومجال اختصاص رجالاتها، هي شأن مجتمعي يقتضي إشراك الجميع في إعدادها والتشاور بشأنها في إطار مقاربة تشاركية مجتمعية.
من المؤكد أن تطوير مشاريع القوانين بات أمراً ملحاً وضرورياً، غير أن هذا التطوير يجب أن يتناسب مع تطور المجتمع وانفتاحه، وكذلك مع استراتيجيات الدولة الحديثة ومخططاتها التي تستمد روحها وتوجيهاتها من الخطابات الملكية. إلا أن المتتبع لمسار التشريع مؤخراً سيجد أننا أمام استفراد بمشاريع القوانين، بل وسحب أخرى، والتسرع في سن قوانين جديدة للحصول على تشريع فئوي تمييزي، وهو الأمر الذي سينعكس على الفئة الفقيرة من أبناء هذا الشعب في ظل غياب برلمان يعبر عن إرادة هذا الشعب في صنع هذه المشاريع.
وبعيداً عن لغة المغالطات وتحريف الحقائق التي يستخدمها البعض لشرعنة تعسفهم، أود التأكيد على أن المحامين لا يبحثون عن مصالحهم الذاتية، بل عن الدفاع عن مصالح المتقاضين والمصلحة العليا للبلاد في تطبيق القانون وتحقيق غايات دستور 2011، الذي لم ينعكس في هذا المشروع الذي يفتقر إلى العدالة وتتناقض مواده مع الدستور، في مخالفة واضحة لإرادة الأمة وضرب مبدأ مجانية القضاء.
هذا المشروع تم التصويت عليه من قِبل 102 برلماني من أصل 292، وهو ما سنسلط الضوء عليه بالحجة والدليل من خلال عرض هذه المواد حتى تصل الحقيقة إلى عموم المواطنين.
/1 المادة 17: “يمكن للنيابة العامة المختصة، وإن لم تكن طرفاً في الدعوى، ودون التقيد بآجال الطعن، أن تطلب التصريح ببطلان كل مقرر قضائي يكون من شأنه مخالفة النظام العام…” هذا النص يمنح النيابة العامة صلاحية إبطال الأحكام القضائية النهائية في أي وقت، مما يضرب في عمق حجية الأحكام واستقلال القضاء.
/2 المادة 30: “تختص المحكمة الابتدائية بالنظر ابتدائياً وانتهائياً إلى غاية ثلاثين ألف درهم…” وهذا يعني أن المواطن الفقير قد يُحرم من حق الاستئناف إذا لم يتجاوز طلبه هذا المبلغ، مما يُعتبر مساساً خطيراً بمبدأ المساواة.
/3 المادة 62: تتضمن هذه المادة إمكانية تغريم الأطراف التي تثير دفوعاً بعدم القبول، مما يشكك في مبدأ الدفوع القانونية ويجعل إثارتها عرضة للتغريم.
/4 المادة 166: تنص على تغريم من يُرفض طلبه في الطعن بالزور، وهو ما يُعد خرقاً لحق المواطن في التقاضي المكفول دستورياً.
/5 المادة 243: “إذا رأت المحكمة أن التعرض أو الاستئناف لم يقصد منه إلا المماطلة والتسويف، وجب عليها الحكم بغرامة مدنية…” تفرض هذه المادة غرامة مدنية في حالات تُعتبر مماطلة، ما يزيد من عبء التقاضي على المواطنين.
/6 المادة 340: تنص على تغريم من يرفض طلبه في التجريح ضد القضاة، وهو ما يُعد ترهيباً للمواطنين.
/7 المادة 409: تنص على غرامة تصل إلى خمسين ألف درهم في حال رفض دعوى التشكك المشروع، مما يزيد من كلفة التقاضي على المواطنين.
/8 المادة 425: تحمل نفس السياق، حيث تنص على غرامة بين عشرة آلاف وخمسين ألف درهم في حالة رفض المقال.
/9 المادة 375: تحدد صلاحية محكمة النقض في الطعن، مما يقصرها على القضايا ذات المبالغ العالية، مميزاً بذلك بين الطبقات الاجتماعية.
/10 المادة 383: تنص على أنه لا يمكن إيقاف التنفيذ عند الطعن بالنقض إلا في حالات خاصة، مما يعني عدم إمكانية تنفيذ الأحكام الصادرة ضد إدارات الدولة.
وفي الختام، وبعيداً عن أي تحريف للنقاش القائم، أقول بأن البناء الديمقراطي لا يكتمل إلا بوجود عدالة يشارك فيها الجميع، وأن المحاماة ستبقى دائماً الحصن الحصين للدفاع عن الوطن والمواطنين.

شارك هذا المحتوى