
الأنباء بوست / حسن المولوع
أضحى تجمع القنوات التلفزيونية المعروف بالقطب العمومي ، محتاجا أكثر من أي وقت مضى إلى إعادة الهيكلة بصفة عاجلة لا تحتمل التأجيل، لأسباب موضوعية سنتطرق إليها بالتفصيل ضمن مقالنا هذا ، وعلى ما يبدو فإن الدولة تعكف على ذلك ، منذ أن أعلن وزير الثقافة والشباب والرياضة الأسبق عثمان الفردوس في ماي الماضي عن ولادة هولدينغ إعلامي عمومي ضخم، يضم كل من القناة الثانية والقناة الإخبارية ميدي 1، وفق هيكلة جديدة لقنوات القطب العمومي.
عضو الحكومة السابق عثمان الفردوس، أعلن عن ثمشروع هيكلة القطب العمومي، خلال استضافته في النشرة الإخبارية للقناة الأولى، ما يعني أن هذا توجه للدولة وليس للحكومة ، لأن هذا يعد خيارا استراتيجيا لها، وأي قرار من هذا النوع يدخل ضمن القرارات السيادية للبلاد .
وكما جرت العادة أنه و في كل إصلاح إعلامي، يُفترض أن تكون قيادة جديدة على رأسه ، فمثلا عندما تأسست قناة الأمازيغية قادها محمد مماد الآتي من القناة الثانية، وعند تأسيس الرياضية قادها حسن بوطبسيل الآتي من القناة نفسها ، والمغربية قادها عبد الصمد بنشريف ،أيضا من القناة الثانية ، وقناة العيون قادها الأغضف عن وكالة المغرب العربي للأنباء ، والقائمة طويلة في هذا الباب .
من الطبيعي أن إعادة هيكلة أي قطاع تعني أن الهيكلة السابقة فاشلة ، وعندما تكون الهيكلة فاشلة، فالأكيد أن القيادة هي أصل الفشل ، وهذا ما يفسر غياب او تغييب أقدم مسؤول في العهد الجديد ، فيصل العرايشي رئيس الشركة الوطنية للإذاعة والتلفزة وشركة الدراسات والإنجازات السمعية البصرية (صورياد- دوزيم) عن مشروع إعادة الهيكلة ، إذ أن تغييبه يعني بشكل واضح استبعاده بشكل تلقائي ومفهوم وتعويضه بأسماء مقترحة، من ضمنها اسما كان مطروحا بقوة ، وهو المدير السابق للهيئة العليا للاتصال السمعي البصري نوفل الرغاي ، لكن هو الآن أصبح مديرا عاما لمجموعة “شدى” وسيتكلف بالادارة العامة للمجموعة التي تضم كل من “شدى اف ام” وشدى تيفي” بالاضافة الى الديجيتال ، وكان اسما آخر مقترحا، وهو يوسف ججيلي الصحافي السابق بجريدة المساء لكن ونظرا لصغر سنه وتجربته فإن اسمه استبعد لن من لائحة الاسماء المقترحة ، ليبقى الإسم المطروح والمقترح بقوة هو خليل الهاشيمي الإدريسي المدير العام لوكالة المغرب العربي للأنباء والخبير في تطوير وسائل الإعلام ، باعتباره يمتلك نضجا على كافة المستويات وله مقومات تؤهله لهذا المنصب ، بالإضافة إلى أنه رجل ثقة القصر، بحسب ما يتردد داخل الأوساط العارفة والخبيرة في الإعلام ، وذلك لكونه يشتغل في صمت بعيدا عن الأضواء الحارقة ، متخذا من النجاعة والفعالية شعارا يبصم به اعلاما يرقى الى مستوى وتطلعات المشاهدين ويسير وفق ما هو منشود ، بدليل أنه قام بتأسيس قناة M24 التي أصبحت قيمة مضافة تكرس لمفهوم القناة الإخبارية ، لتوفرها على كل الشروط الموضوعية نجملها فيما يلي :
1- ترويج الخطاب والمحتوى الرسمي المتمثل أساسا في الملك والصحراء المغربية
2 – الأطر ذات كفاءة
3- الولوج خارج الوطن والتماهي مع الخطاب الرسمي الخارجي ، فمثلا عندما وقع المشكل بين المغرب واسبانيا بخصوص سبتة و مليلية كانت هناك مقاربتان ، واحدة موجهة للداخل وتميزت بالشعبوية التي احترفتها بعض وسائل الإعلام وأخرى للخارج وهي رسمية ، وهنا يتبين النضج في تكريس السياسة الخارجية
4 – أسس التمويل عمومية بعيدة كل البعد عن تأثير الإشهار .
5- في وقت من الأوقات كانت هي الوحيدة نقطة ضوء في الدفاع عن صورة المغرب خارجيا
من المُسَلَّم به ، أنه حينما يتعلق الأمر بالقضايا المصيرية والجوهرية ، فالمفروض أن تتكاثف كل مكونات وسائل الإعلام في ذلك ، لا ان يتم البحث عن هفوات الآخر أو الثغرات القانونية دون استحضار المصلحة التي تعود بالنفع على البلاد والعباد ، خصوصا وأن بلادنا تواجه تحديات مصيرية ، تلك التحديات لا يمكن ربحها بالحديد والنار ، بل بالإعلام القوي ، فكم من بلاد صغيرة على الخريطة أصبحت كبيرة بإعلامها وأضحت تتحكم في مصائر الشعوب العربية وتساهم في تجييش شعوب على حكامها، وهنا لا بد من استحضار قطر وقناتها الجزيرة، فماذا ينقصنا نحن في المغرب حتى لا تكون لدينا قناة إخبارية قوية مثل الجزيرة وفرانس 24 وغيرها من القنوات ؟ ينقصنا فقط الابتعاد عن الصراعات ، أما الشجاعة والإرادة فهي موجودة ، وسلاح الإبداع والرغبة في التطور موجود .
ورجوعا إلى موضوع إعادة هيكلة القطب العمومي ، فإن من بين اسبابه التي تنضاف إلى عيوب وفشل فيصل العرايشي في تدبيره بالشكل الصحيح ، هو حدوث شلل في مجموعة من القنوات ، كالعيون مثلا، والتي لايوجد مدير لها حاليا ، وغياب هيكلة فيها ، وانتاج شبه منعدم ، أما قناة الرياضية فهي خارج الزمن الرياضي ولاتواكب الأحداث الرياضية وفقر فظيع على مستوى البلاطوهات دون الحديث عن الموارد البشرية .
القناة الثقافية التي تسمى الرابعة فهي قناة جامدة بخلفية تربوية ، بعيدة كل البعد عن الثقافة ولا توجد بها الافلام الوثائقية ، أما قناة المغربية التي سموها المغربية الإخبارية فهي قناة نوستالجيا فقط ، تعيد ما سبق من أفلام ومسلسلات وتكرر انتاج القنوات الأخرى التابعة للقطب “المتجمد” ، وبالنسبة للقناة الأمازيغية فلها شبكة أبدية للإنتاج لم تتغير لأكثر من 8 سنوات ، ولم تنضبط هذه القناة لدفتر التحملات الذي تحدث عن البث 24/24 بالتدرج .
والغريب أن كل هذه القنوات الممولة من طرف الدولة لا تنافس الا نفسها ، فعندما تم الإعلان عن تحرير قطاع السمعي البصري ، فالغاية منه هو بروز قنوات أخرى خاصة، تنافس قنوات القطب العمومي ، فقنوات هذا الأخير تترجم الخطاب الرسمي وتكون ممولة من طرف الدولة ، أما الأخرى فيكون مصدر تمويلها هو الإشهار ، ومن هنا يتم خلق التعددية ، وهذه الفلسفة استمدت بما جاء به الملك الراحل الحسن الثاني رحمه الله ، فعندما تأسست القناة الثانية ، راهن على خلق نخب سياسية جديدة من خلالها، لدرجة أن إدريس البصري حينها رفض لأن عقليته أمنية وليست سياسية ، ولأن ذكاء المغفور له الحسن الثاني يفوق ذكاء البصري ، فلقد قال له فيما معناه ، هذه قناتي أي 2M أفعل فيها ما أشاء ، وتلك قناتك أي “إتم”، ولعبت القناة الثانية دورا اعلاميا مهما في بدايتها سواء بخصوص تسويق صورة المغرب خارجيا وبثها بدول إفريقيا ، وايضا داخليا حينما اكتشف المغاربة اعلاما مغربيا جديدا لم يألفوه من قبل ، وشاهدوا وجوها جديدة تناقش السياسة بلسان مختلف عما كان مترسخا في الذهنية المغربية آنذاك .
إن القطبية لا تعني تجميع قنوات ، وإنما تفتيت البنية التمويلية للقطب العمومي ، وجعلها رهينة بالدعم العمومي بعيدا عن أي تأثير إشهاري ، لأن من يمتلك ادوات الإشهار ، يمتلك ادوات الخطاب ، وبالتالي لا يمكن أن نتحدث عن قنوات رسمية وهي في نفس الوقت رهينة الإشهارات ، ولا يمكن أن نتحدث أيضا عن قنوات رسمية في ظل غياب نموذج اقتصادي عقلاني ..
يجب الوقوف وقفة محاسبة والاعتراف بأن القنوات المذكورة فشلت فشلا لا يوصف ، والبحث عن مكامن الخلل ، ولا شك أن عناوين الفشل تتجلى في ضعف البنية الإنتاجية ، إذ لا توجد شركات الانتاج الوطني مثل مصر وفرنسا ، فنجد أن كل قناة لها مديرية انتاج وهذا الأمر لا يستقيم ما دمنا نتحدث عن قطب عمومي ، أيضا هناك غياب وحدات للبث ، إذ لم يفكر فيصل العرايشي في ان يكون هناك قمر اصطناعي خاص بالمغرب ، والملاحظ أن خطته في البث الرقمي TNT بدورها لحقها الفشل .
كل هذا وذاك تنضاف إليه الإشكالية القانونية في القطب العمومي ، وهي إشكالية أكثر حدة من سابقاتها ، إذ أنه لا يوجد عقد برنامج، فالعقد الموجود هو ذاك الذي كان منذ عهد نبيل بنعبد الله حينما كان وزيرا للاتصال ، وهذا يعني أننا نتحدث عن قنوات بدفاتر تحملات جديدة ، بعقد برنامج قديم ، ويعكس هذا ، إشكالا هيكليا وبنويا يؤدي حتما إلى خرق دفتر التحملات ، الذي هو بمثابة قانون ، والخرق هنا يطال خرق القانون في هذه الحالة .
إن الذي سيخلف فيصل العرايشي أمامه تحديات كبيرة للإصلاح والبناء ، دون أن ينسى أن هناك غياب لقناة الطفل وقناة برلمانية ، وأن يعمل على توسيع شبكة البث والانتاج ، وأهم شيء هو ترسيم الكفاءات التي تشتغل بالعقدة لمدة طويلة ، والعمل على توفير مكاتب جهوية ل SNRT ، فكيف لهذه الشركة التي لا تغطي جميع المكاتب الجهوية أن تساهم في ترويج الخطاب الرسمي خارجيا ؟ وحدها وكالة المغرب العربي للأنباء عبر قناتها M24 من تستطيع ذلك ، لأن ال MAP تنتج قصاصتها الإخبارية بأطرها فلماذا ستزود بها القنوات الأخرى ؟ أليس المنطق يقول ” زيتنا فدقيقنا ” وخبزنا ما يديه غيرنا !!؟

شارك هذا المحتوى