
الأنباء بوست/ حسن المولوع
شهدت الآونة الأخيرة تصاعدًا غير مسبوق لظاهرة التشهير عبر شبكات التواصل الاجتماعي ومنصات البث المفتوح، حيث استهدفت هذه الحملات صحافيين وسياسيين ونشطاء حقوقيين، ما أثار العديد من التساؤلات حول طبيعة الفاعلين والخلفيات التي تحركهم.
لقد تجاوزت هذه الظاهرة حدّها التقليدي، لتصل إلى المساس بنزاهة مؤسسات الدولة عبر التهديد بتسريب أدلة جنائية أو إثباتات رقمية تُصنَّف ضمن المحجوزات. إذ أن هذه الوثائق، التي تعدّ ملكًا للدولة ومحفوظة بموجب القانون، يُفترض أن تكون في مأمن من أي تسريب.
إن مثل هذه الممارسات تثير قلقًا مشروعًا حول وجود خروقات محتملة داخل الأجهزة المكلفة بحماية هذه الوثائق أو أن الامر لا يعدو أن يكون مجرد ترويج لاخبار زائفة . ومن هنا، تبدو الحاجة ملحة إلى فتح تحقيق شفاف وفوري من قبل الجهات المختصة، مع ضرورة تواصل هذه الجهات مع الرأي العام لتوضيح الحقائق وضمان الحق الدستوري للمواطنين في الحصول على المعلومات. فهذا الإجراء لا يهدف فقط إلى طمأنة المواطنين بشأن حماية الوثائق الرسمية، بل أيضًا إلى صون صورة المؤسسات الوطنية، خصوصًا في ظل استعداد المغرب لاستقبال تظاهرات عالمية وتعزيز جاذبيته الاستثمارية، التي قد تتأثر بمثل هذه القضايا.
لكن، بعيدًا عن تشعب هذا الموضوع، نعود إلى السؤال الجوهري: ما علاقة وزير العدل بشبكة التشهير التي تستهدف صحافيين وسياسيين وحقوقيين؟
الإجابة واضحة: لا علاقة مباشرة لوزير العدل عبد اللطيف وهبي بهذه الشبكة. فهو، بصفته رجل دولة ومسؤول حكومي ورجل قانون، يدرك خطورة هذه الظاهرة على المستويين الاجتماعي والقانوني. ومع ذلك، لا يمكن تجاهل أن وهبي، كأي سياسي، يسعى إلى تعزيز أطروحاته واستثمار الفرص المتاحة لدعم مواقفه، خصوصًا في ظل استنكار جمعيات حقوقية لهذه الظاهرة، عبر بلاغاتها التي تصب في صالح تشديد العقوبات على المتورطين في جرائم التشهير.
عبد اللطيف وهبي نفسه كان ضحية لهذه الظاهرة، حيث سبق أن اشتكى من حملات تشهير استهدفته شخصيًا، حتى أنه لجأ إلى القضاء لإنصافه مما اعتبره إساءة له. الأمر الذي يعكس انسجامًا بين مواقفه كسياسي ومواطن، وبين دوره الحالي كوزير للعدل. ومن الجدير بالذكر أن وهبي، قبل توليه الوزارة، كان دائمًا مدافعًا عن قضايا جدلية، مثل عدم تجريم العلاقات الرضائية.
وفي السياق الراهن، الذي يشهد تصاعد حملات التشهير، يبدو أن هذه الظاهرة تخدم، بشكل غير مباشر، أطروحة وهبي بشأن تشديد العقوبات على جرائم التشهير في إطار مشروع تعديل القانون الجنائي ولن يجد من يعارضه .
لكن الملاحظة الأساسية التي يجب الوقوف عندها هي أن أبرز معارضي تشديد العقوبات على التشهير هم أنفسهم ضحايا هذه الحملات. هؤلاء يدعون، في الوقت ذاته، إلى توسيع هامش حرية التعبير في الفضاء الرقمي، ما يطرح إشكالية حقيقية: هل يمكن لمثل هذه التعديلات، رغم أهدافها النبيلة المتمثلة في حماية الأفراد من التشهير، أن تتحول إلى أداة لتكميم الأفواه؟ وهل يمكن أن تعيدنا هذه التعديلات إلى “قوانين لكل ما من شأنه”، التي كانت تُستخدم لتقييد الحريات في الماضي؟
هذا التخوف مشروع، خاصة في ظل تجارب سابقة، مثل مشروع القانون الذي قدمه الوزير الاتحادي محمد بنعبد القادر عندما كان وزيرًا للعدل، والذي قوبل بمعارضة شديدة من عبد اللطيف وهبي عندما كان برلمانيًا عن حزب الأصالة والمعاصرة.
إن معالجة ظاهرة التشهير تتطلب مقاربة شمولية ومتوازنة، تُراعي حماية الأفراد من الاعتداء على خصوصيتهم دون المساس بحرية التعبير، التي تُعدّ من المكتسبات الديمقراطية التي يجب صيانتها.
وعودًا على بدء، وبالنظر إلى أن عبد اللطيف وهبي هو كائن حقوقي ورجل سياسة، يبقى التساؤل قائمًا: هل سيعمل وزير العدل على حماية مؤسسات الدولة التي تعرضت للمساس بهيبتها، عبر ما يُتداول من ادعاءات بشأن تسريب إثباتات رقمية تدخل ضمن المحجوزات؟
وهل وصل التشهير إلى مستوى استخدام كل الوسائل المشروعة وغير المشروعة لتدمير الأفراد وقتلهم معنويًا واجتماعيًا؟
قد لا تتوفر لدينا الآن إجابات شافية لهذه الأسئلة، لكن الأيام القادمة قد تكشف المستور، والضمائر الحية قد تستيقظ لحماية المصلحة العامة والمصلحة العليا لوطن طالما رفع شعار دولة الحق والقانون.

شارك هذا المحتوى