
الأنباء بوست/ حسن المولوع
أطلَّ محمد أوجار، أحد قيادات حزب التجمع الوطني للأحرار، على الرأي العام بتصريحات نارية تنمّ عن نهج عدائي تجاه المؤسسات الدستورية المستقلة، كاشفًا عن رؤية حزبه المتغطرسة التي تتجاوز حدود اللياقة السياسية وتضرب بعرض الحائط كل معاني احترام المؤسسات الوطنية. ويبدو أن هذه التصريحات جاءت في إطار محاولة واضحة لفرض هيمنة رأس المال على القرارات السياسية وتوجيهها بما يخدم مصالح الطبقة الاقتصادية العليا.
وفي مداخلة له بندوة سياسية فكرية بالرباط، لم يتردد أوجار في انتقاد الانتماءات السياسية لرؤساء مؤسسات الحكامة، مثل المجلس الأعلى للتربية والتكوين (الذي يرأسه لحبيب المالكي)، والمجلس الوطني لحقوق الإنسان (برئاسة أمينة بوعياش)، والمجلس الاقتصادي والاجتماعي (بقيادة أحمد رضى الشامي)، مشيرًا إلى انتماء أغلب رؤساء هذه الهيئات إلى حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية. ولم يقف انتقاده عند هذا الحد؛ بل تجاوز إلى الربط بين انتماء هؤلاء الرؤساء السياسي وتقارير الهيئات التي تصدر في أغلب الأحيان انتقادات لاذعة لبعض أعضاء الحكومة، معتبراً أن “الإنسان لا يمكن أن ينفلت من ثقافته وجِلده وممارسته، خاصة إذا كان طيلة حياته يساريًا”.
واعتبر أوجار أن هيمنة التيار اليساري على رئاسة مؤسسات الحكامة تنم عن غياب توازن سياسي يضمن تمثيلية عادلة للأحزاب المشاركة في الحكومة، مثل التجمع الوطني للأحرار، والأصالة والمعاصرة، والاستقلال، إلى جانب الحركة الشعبية والتقدم والاشتراكية. وبدلًا من الدعوة لتعزيز استقلالية هذه المؤسسات، يسعى أوجار إلى توجيه دفة القيادة نحو الأحزاب المؤيدة لرؤية رأس المال، في تحدٍ صارخ لمبادئ النزاهة والحيادية التي تشكل ركائز الحكم الرشيد.
إن هذه التصريحات تكشف عن محاولة مفضوحة لتفريغ المؤسسات الدستورية من محتواها وإفراغها من أي استقلالية، وجعلها أداة طيّعة لخدمة أجندات ضيقة لا ترى في المغرب سوى مشروع اقتصادي يخدم مصالح نخبة محدودة. ويبدو أن أوجار ومن خلفه حزبه يريدون اختزال المؤسسات الدستورية إلى مجرد هياكل تمثل مصالح الطبقة الاقتصادية العليا، حتى وإن كان ذلك على حساب المواطنين العاديين وقضاياهم الاجتماعية.
كما تكشف تصريحات أوجار عن توجه مقلق يسعى إلى تشويه دور المؤسسات التي تأسست لحماية النزاهة وضمان التوازن في المجال العام، من خلال توجيه انتقادات لاذعة لرؤسائها، واتهامهم بالانحياز بناءً على انتماءاتهم السياسية. إن هذا الطرح لا يهدف إلا إلى تبرير مساعي حزب التجمع الوطني للأحرار للهيمنة على مواقع المسؤولية داخل الدولة، ويكشف عن عقلية سياسية تقليدية تعتبر المناصب العليا غنائم حزبية، وليست مسؤوليات وطنية ينبغي أن يشغلها الأكفأ والأكثر نزاهة.
لقد تجاوز الحدَّ بتوجيه سهامه نحو مؤسسات راسخة كمجلس المنافسة، والهيئة الوطنية للنزاهة، ومندوبية الإحصاء، وكأنه في حملة معلنة لتقويض استقلاليتها واستنزاف دورها الرقابي، الذي يمثل صمام الأمان الوحيد أمام تغوّل رأس المال. بل والأكثر جرأة، يطالب ضمنيًا بتغيير قيادات هذه المؤسسات لتناسب أجندات حزبه، متناسيًا أن هذه المؤسسات تحظى بدعم ملكي راسخ وإطار دستوري يحميها من عبث النخب السياسية.
في الوقت الذي يتطلع فيه المغرب لتعزيز الشفافية والديمقراطية والالتزام بتحقيق تنمية متوازنة، يخرج علينا أوجار بتصريحات تجسد توجهًا نحو زعزعة الاستقلالية وتقليص دور مؤسسات الحكامة الدستورية، مما يبعث برسالة واضحة للمغاربة بأن مصالحهم وحقوقهم تأتي في مرتبة أدنى بكثير من مصالح نخبة اقتصادية لا ترى في الدولة سوى وسيلة لتحقيق أهدافها.
إن النهج الذي يتبناه أوجار وحزبه يمثل تهديدًا حقيقيًا للمنظومة الدستورية، حيث يسعون جاهدين إلى تذويب الفوارق بين المال والسياسة، وتحويل الدولة إلى ساحة مفتوحة أمام رأس المال ليُحدد مصيرها. فهذه المحاولات السافرة لتقليص دور مؤسسات الدولة المستقلة هي في الواقع اعتداء على سيادة القانون واستخفاف بتطلعات الشعب المغربي، الذي يطمح إلى بناء دولة مؤسساتية تُحترم فيها حقوق الجميع، دون أي تدخل من طرف النخب الاقتصادية أو السياسية.
المغرب اليوم بحاجة إلى مؤسسات قوية ومستقلة، ومسؤولين يدركون أن قوتهم تنبع من خدمة الشعب، لا من خدمته لمصالحهم الخاصة. كما يجب على النخب الاقتصادية والسياسية أن تعي أن محاولات تطويع المؤسسات وتحويلها إلى أدوات بأيديها لن تمر مرور الكرام، وأن المغاربة يقفون صفًا واحدًا خلف ملكهم لدعم مؤسساتهم وحمايتها من كل من يسعى للمساس باستقلاليتها واستقرارها.

شارك هذا المحتوى