
الأنباء بوست
تتناول حلقة اليوم من “وثائقيات من التاريخ”، التي يعدها ويقدمها الصحافي حسن المولوع، مسيرة الملك الراحل محمد الخامس.
وتستعرض الحلقة، التي تحمل عنوان “محمد الخامس… الملك الذي تحدى النازيين وقاد الاستقلال ورحل بشكل مفاجئ”، المسيرة الحافلة للملك الذي قاد المغرب نحو الاستقلال، وواجه الاستعمار بحكمة وصمود، كما تحدى النازية خلال الحرب العالمية الثانية، قبل أن يرحل فجأة، تاركًا إرثًا خالدًا في وجدان الأمة.
يركز الوثائقي على أبرز المحطات المفصلية في حياة الملك الراحل، منذ توليه العرش في سن مبكرة، مرورًا بمواقفه الجريئة خلال الحرب العالمية الثانية، عندما رفض تسليم اليهود المغاربة للنازيين، ثم نفيه عام 1953 بسبب دعمه للحركة الوطنية، وعودته إلى البلاد ليعلن استقلال المغرب عام 1956. كما يتناول جهوده في بناء الدولة الحديثة، والتحديات التي واجهها حتى وفاته المفاجئة عام 1961.
تعتمد الحلقة على مشاهد أرشيفية نادرة ومعطيات تاريخية دقيقة، تسلط الضوء على الدور المحوري الذي لعبه محمد الخامس في تشكيل ملامح المغرب الحديث، والمواقف التي جعلت منه رمزًا للنضال والتحرر الوطني.
يُعد محمد الخامس من أبرز الشخصيات في تاريخ المغرب الحديث، إذ قاد البلاد بحكمة نحو الاستقلال، متحديًا الاستعمار الفرنسي والإسباني بإرادة صلبة. منذ اعتلائه العرش شابًا حتى منفاه القسري وعودته المظفرة، كانت مسيرته ملهمة لأجيال من المغاربة، وطبعت تاريخ الوطن بملامح نضال لا تُنسى.
وُلد محمد بن يوسف في 10 أغسطس 1909 بالقصر الملكي في فاس، في فترة كانت فيها البلاد تحت وطأة الحماية الفرنسية والإسبانية. لم يكن المرشح الأول لخلافة والده، السلطان مولاي يوسف، لكن المستعمر اختاره ظنًا منه أنه سيكون شخصية يسهل التحكم بها سياسيًا. غير أن الشاب الطموح أثبت منذ توليه العرش وعيًا سياسيًا جعله مصدر قلق للسلطات الاستعمارية.
مع بروز الحركات الوطنية في ثلاثينيات القرن الماضي، التي طالبت بإصلاحات سياسية، حاول السلطان التوفيق بين تهدئة المستعمر ودعم المطالب الوطنية سرًا. وخلال الحرب العالمية الثانية، حين كان المغرب تحت حكم نظام فيشي المتعاون مع النازيين، طُلب منه تسليم يهود المغرب للسلطات النازية، لكنه رفض بشدة، مؤكدًا أنهم مواطنون مغاربة لا فرق بينهم وبين غيرهم من أبناء الوطن. كان هذا الموقف تحديًا صريحًا للنازية ورسالة واضحة بأن المغرب لن يكون تابعًا أعمى لأوامر القوى الاستعمارية.
بعد انتهاء الحرب، ومع تنامي المد التحرري عالميًا، تخلى محمد الخامس عن تحفظه السياسي، فألقى خطاب طنجة التاريخي عام 1947، معلنًا صراحةً تأييده لاستقلال المغرب، مما أدى إلى تصاعد التوتر مع السلطات الفرنسية. ومع ازدياد الضغط الشعبي، لجأت فرنسا إلى نفيه في 20 أغسطس 1953، في محاولة لإخماد الحركة الوطنية. لكن النفي لم ينجح في إخماد روح المقاومة، بل زادها اشتعالًا، حيث اندلعت مواجهات عنيفة، ونفذ الفدائيون عمليات نوعية ضد الاستعمار. أمام تصاعد الضغط الشعبي والدولي، اضطرت فرنسا إلى الدخول في مفاوضات، أسفرت عن عودته إلى المغرب في نوفمبر 1955، وإعلانه استقلال البلاد في 2 مارس 1956.
وبعد الاستقلال، واجه محمد الخامس تحديات كبيرة في بناء الدولة الوطنية، فركز على توحيد البلاد، وإصلاح التعليم، ووضع أسس اقتصاد وطني مستقل. لكنه لم يواصل مسيرته طويلًا، حيث وافته المنية في 26 فبراير 1961 إثر مضاعفات جراحية وُصفت بالمفاجئة، تاركًا المغرب في مرحلة جديدة من تاريخه.
لم يكن محمد الخامس مجرد ملك، بل كان قائدًا ملهمًا، ورمزًا لوطن حر ومستقل، وستظل ذكراه محفورة في وجدان المغاربة، حاضرةً في كل شارع يحمل اسمه، وشاهدةً على مرحلة فارقة في تاريخ الأمة.

شارك هذا المحتوى