الأنباء بوست / حسن المولوع
هو الضمير الإنساني الحي ، الذي كان متصلا بقضايا الوطن وثوابته ، غاب جسدا إلى الأبد وترك زوجته وبناته و أقرباءه و أصدقاءه ومحبيه أشلاء نفسية متألمة، تحمل في قلوبها مرارة وغصة ، فالمصاب جلل والرزء فادح ، يشكل خسارة كبيرة للحياة السياسيةوالوطنية ككل .
هو السيد محمد جعيدان ، هرم من أهرامات وزارة الشبيبة والرياضة ، غادر الحياة في الفاتح من يناير من العام 2024 نتيجة ما يفرضه القدر المحتوم لكنه سيظل حاضرا بروحه وأحلامه وطموحاته الثقافية دائما وأبدا ، سيبقى في القلوب حيا لا يموت ، هو الساكن في وجدان أصدقائه ومحبيه ومعارفه ، إنسان عاش شامخا في تواضعه ومتواضع في شموخه ، وصادق في وطنيته ومتشبث بأهذاب العرش العلوي الشريف ، مربيا بناته كل من غيثة وكنزة وزينب على المباديء الراقية و القيم الدينية والوطنية والايمان الراسخ بالشعار الوطني الخالد ” الله ، الوطن ، الملك ” .
محمد جعيدان هو قامة شامخة وهامة من الهامات العاليات ، هو واحد من الأطر الاولى الذي كتب أمجاد وزارة الشبيبة والرياضة ، وضع لبناتها الأولى و بنى مجدا مهنيا لا يمكن أن ينكره أحد ، تحمل عدة مسؤوليات كبيرة ومهمة ، منها مدير الشؤون الإدارية ورئيس قسم الطفولة والشؤون النسوية بالإدارة المركزية ومديرا لجهة الرباط ثم مديرا للقطاع بالدار البيضاء إلى أن أحيل على التقاعد .
خاض السيد جعيدان معارك ضد السكون والجمود والمألوف ، حاملا خبرته التي راكمها طيلة عقود من الزمن ووضعها بوزارة الشباب والرياضة منذ تعيينه بها بعد تخرجه من المدرسة الإدارية بفرنسا، وهي المدرسة التي تخرجت منها أطر مغربية وفرنسية.
يعد جعيدان من المنظرين والمفتين في كل الإشكالات لايجاد الحلول والبدائل لها ، الى أن أضحى بذلك مرجعا ومدرسة ، فقد تخرج على يديه شباب كثر تقلوا مهام كبيرة بالوزارة ذاتها .
لم يكن للأستاذ جعيدان طيلة حياته خصوم ، أو بالأحرى لم يكن يعتبرهم خصوما ، بل كان يعتبر هذا النوع البشري مثل حطب يوقد في نفسه الحيوية والعزيمة على مواصلة ما هو مؤمن به ، خدمة للقيم السامية والمثل العليا . قدم اسهامات وآراء في لحظات فارقة من التطور السياسي لبلادنا طيلة مساره المهني ، متمسكا بالحق ومدافعا عن مؤسسات الوطن ومنخرطا في صناعة الاستثناء المغربي بحصافة رأيه وكبرياء وعزة نفس.
لوعة الغياب والمسار الطويل يجعل الحديث عن الأستاذ محمد جعيدان صعب وعسير ، إذ لا ندري من أين نبدأ وإلى أين سننتهي ، هل نتحدث عن جعيدان الانسان الذي له إنسانية قل نظيرها في هذا الزمان ، أم نتحدث عن جعيدان المثقف من جيل الرواد ؟ هل نتحدث عن محمد جعيدان الأنيق دوما بلباسه كما فكره النير ، أم جعيدان الأنيق في صمته الناطق وكلامه الهادئ ؟ هل نتحدث عن جعيدان العاشق للقراءة و الذي كانت حياته مليئة بالحروف والجمل الطويلة والقصيرة، بالأسئلة الصعبة والأحلام والطموحات والتحديات أم نتحدث عن جعيدان قوي الشخصية الذي لم يكن يحب الحلول الوسطى ؟ وهل نتحدث عن جعيدان الشجاع أمام المرض الذي ورغم أنه استأسد عليه بقسوة إلا أنه قاومه إلى آخر لحظة من لحظات حياته قبل مغادرتها ، كان متفائلا جدا ، فالحياة بالنسبة إليه تعاش إلى آخر رمق بأحلى شيء كان عنده ، فلقد كانت زوجته وبناته وعائلته بأسرها هم إدمانه وعبادته .
كان الفاتح من يناير من العام 2024 يوما حزينا ، يوم كان بمثابة الصدمة لكل من استفاق على خبر وفاته بقلب راض ونفس مطمئنة لقدر الله وقضائه ، أسلم الروح لبارئها وتم تشييع جنازته الى مثواها الأخير، كانت الجنازة مهيبة عرفت حضورا كثيفا من مختلف الأطياف والتوجهات ، حضروا الى تربته ليشهدون على علو كعبه وخصاله الحميدة.
رحل عن الحياة الدنيا تاركا وراءه سيرة عطرة ، يتذكرها كل من جايلوه ورافقوه ، والغالبية من زملائه يشون له بالبراعة في فن التدبير والتسيير الإداري ، اما من رافقوه فيشون له بدماثة الخلق والتواضع ، اذ كان اذا تكلم أبهر واذا ناقش أقنع .
بالنسبة لمساره فقد تقلد مهام كثيرة بوزارة الشباب والرياضة منها مديرا لمديرية الشؤون الإدارية ، ثم مديرا لمديرية الطفولة والشباب وكذا الشؤون النسوية ، وأيضا مندوبا للوزارة ذاتها بولاية الرباط ، إضافة الى انه شغل منصب موب جهوي للوزارة بزلاة الدار البيضاء .
كان مدير البروتوكول بألعاب البحر الأبيض المتوسط ، وكان أيضا مديرا لجمعية المخيمات الحضرية للامريم ، وفي العمل الجمعوي كان من اعلام حركة مآوي الشباب دوليا وعربيا .
كان المرحوم محمد جعيدان رئيسا للاتحاد المغاربي لبيوت الشباب ومن احد الاعمدة المؤسسة له ، ورئيسا للجامعة الملكية المغربية لمآوي الشباب التي تعد من أقدم الجامعات بالمغرب، والى جانب كل ذلك فقد ترأس المرحوم جعيدان المجلس الجماعي لأولاد سعيد لولايتين متتاليتين
كل هذا فيض من غيض من السيرة الكبيرة للمرحوم محمد جعيدان، الذي قدم قيد حياته خدمة كبيرة للطفولة والشباب ، من الأكيد ان الأجيال المقبلة ستتذكره بكل حب وفخر واعتزاز .
شارك هذا المحتوى