
الأنباء بوست / حسن المولوع
تتواصل فضائح مديرية وسائل الاعلام بوكالة المغرب العربي للأنباء وتنهمر أخبارها بغزارة كأمطار الشتاء دون باقي المديريات، وذلك بسبب صحافيين يشغلون مواقع المسؤولية في الوقت الحالي .. هؤلاء لم يحققوا إنجازا خارقا ! ولكنهم أضحوا حديث كل لسان نتيجة ما يكتب وينشر عنهم من طرف مواقع إلكترونية إخبارية بين الفينة والأخرى.
فضيحة جديدة تضاف إلى سابقاتها، وتتعلق هذه المرة برئيسة مصلحة الإنتاج في إذاعة الأخبار المغربية المعروفة ب “ريم راديو”، وهي فضيحة تزكي كل ما قيل وما كتب من قبل، وتبين بما لا يدع مجالا للشك أن المزاجية هي المحرك الرئيسي الذي تسير بموجبه المديرية المذكورة داخل مؤسسة استراتيجية من حجم “لاماب”، في تحد واضح للقانون المعمول به ولمختلف القواعد المهنية المتعارف عليها.
في هذا الصدد، طبقت رئيسة مصلحة الإنتاج مزاجيتها في عدم بث أكثر من عشر حلقات لأحد البرامج اليومية التي جرى توقيفها قبل فترة دون سبب وجيه، في حين أن هناك برامج أخرى تتعلق بالإنتاج الخارجي ما زالت تبث لحد الآن.
وتعود تلك الحلقات إلى شهر ماي الماضي، إذ تم التأشير عليها بالمواقفة على المنصة المخصصة لذلك من طرف رئيس قسم “ريم راديو” بعد استيفائها كل الشروط ومرورها عبر كل المراحل، طبقا لما هو معمول به داخل وكالة المغرب العربي للأنباء، وبناء على العقد المبرم سلفا. وفي بداية شهر غشت الجاري، تلقى الصحافي المستقل الذي يشرف على إعداد وتقديم البرنامج التعويض على مجموع تلك الحلقات دون أن يتم بثها، علما أن العقد الذي يجمعه مع الوكالة يؤكد على ضرورة بث الحلقة قبل تلقي أي تعويض عنها. والى حدود الآن، يُجهل سبب عدم بث الحلقات العشر، الأمر الذي يمكن تفسيره بأن مزاجية المسؤولة عن الإنتاج هي التي منعت عملية البث.. ويعد هذا الفعل جريمة في نظر القانون الجنائي، وهي بالتحديد جريمة “تبديد المال العام”، طبقا لما ينص عليه الفصل 241 من هذا القانون.
إن العملية في مجملها عبارة عن طلب منتوج توجهه المؤسسة إلى المنتج، فيقوم الأخير بصناعته وفق الشروط والكيفيات المهنية والمحددة بناء على العقد المبرم، وبعد الانتهاء يقدمه الصحافي (ة) المنتج (ة) لمصلحة الإنتاج التي تقوم بمهمة المتابعة قبل الإنتاج والتدقيق بعده، وحينها تؤشر عليه بالموافقة كموضوع جاهز للبث، ليتم تعويض الصحافي (ة) المنتج (ة) للمادة أو البرنامج. إنها باختصار عملية بيع وشراء تتم بين المنتج (ة) الخارجي (ة) وبين المؤسسة عبر مصلحة الانتاج.
في نفس المنحى، تطرح أسئلة عميقة نفسها من قبيل: كيف لمؤسسة أن تشتري منتوجا بالمال العام دون أن تستفيد منه؟ ولماذا لم يتم بث الحلقات المشار إليها من البرنامج المذكور؟ هل يتعلق الأمر بمزاجية رئيسة مصلحة الإنتاج؟ وهل مدير وسائل الاعلام، الرجل الأول في المديرية، على علم بذلك ؟
أمام هذا المعطى الثابت ثبوتا قاطعا، والذي سيؤكده التحقيق الإداري عند الاطلاع على المنصة المخصصة لذلك، يتبين أن الأمر يتعلق بقضية تبديد للمال العام تتحمل مسؤوليتها المباشرة رئيسة مصلحة الإنتاج، فيما يعد رئيس القسم مشاركا في ذلك والمسؤولية التقصيرية تقع على عاتقه بشكل واضح باعتباره رئيسا مباشرا لها، كما ان هذا المعطى يؤكد مضمون الشكاية التي تم وضعها بين يدي مدير وسائل الاعلام ضد رئيسة مصلحة الإنتاج المذكورة، والذي قام بالتستر عليها، وتجاوز ذلك إلى الدفاع عنها بكل استماتة، وكلما اشتكى أي زميل او زميلة من تعاملها غير المهني وطريقة تواصلها التي تشوبها اختلالات عديدة، يتحول مدير وسائل الاعلام الى محام “محلف” عنها، مع العلم أن المسؤولة المذكورة دخلت في اشتباكات وصراعات مع عدد كبير من الزملاء والزميلات، وتسببت لبعضهم في التوقيف والطرد .. وفي أضرار نفسية واجتماعية لا تعد ولا تحصى.
في نفس السياق، سبق لصحيفة “الأنباء بوست” أن أثارت هذا الموضوع الخطير وغير المقبول من خلال مقال بعنوان ” ترهيب ووعيد وضغط وسط لاماب في حق الصحافيين والصحافيات وتأخر في ربط المسؤولية بالمحاسبة “، يعود تاريخ نشره إلى 10 يوليوز 2023.
ولأن الفصل الثاني من مدونة القانون الجنائي ينص على أنه ” لا يسوغ لأحد أن يعتذر بجهل التشريع الجنائي”، فيبدو أن رئيسة مصلحة الإنتاج بإذاعة “ريم راديو”، التابعة لوكالة المغرب العربي للأنباء، لا تدري أن ما أقدمت عليه بخصوص شراء منتوج والتأشير عليه بالموافقة وإضاعته او إخفائه بعد تعويض منتجه ماليا دون أن تستفيد منه المؤسسة يعد تبديدا للمال العام !ويعاقب عليه القانون بهدف حماية الموارد المالية للمؤسسة وضمان استخدامها وفقا للأغراض المخصصة لها.
وأمام هذه النازلة التي قد تكون هناك نوازل أخرى مشابهة لها، يتبين أن المال العام تم استخدامه لغير الغرض المخصص له، وإلا فلماذا لم يتم بث تلك الحلقات؟ ولماذا تم التأشير عليها بالموافقة دون بثها ؟ هل تم إخفاؤها بمقتضى وظيفة رئيسة مصلحة الإنتاج أو تمت إضاعتها؟ أم ماذا بالضبط؟
الجواب غير متوفر حاليا .. والتحقيق الإداري هو الذي من المفروض أن يضع أصابعه على عين الجواب، كما أن التحقيق في هذه الحالة لا يجب ان يطال فقط منتوجات البرنامج المعني، بل جميع منتوجات “ريم راديو” وقناة الأخبار المغربية ” M24″، وذلك من خلال افتحاص التعويضات التي تلقاها الصحافيون طيلة الشهور الماضية، والتحقق من مدى تطابقها مع الإنتاجات التي استفادت من بثها المؤسسة .. ويستمد مجمل هذا النقاش قوته ومشروعيته من مضامين الخطاب الملكي السامي، الذي وجهه جلالة الملك محمد السادس، مؤخرا، إلى شعبه الوفي، بمناسبة الذكرى الرابعة والعشرين لعيد العرش المجيد، والذي بات معروفا عند كل المغاربة ب “خطاب الجدية“.
وحري بالذكر أن جريمة تبديد أموال عامة طبقا للفصل 241 من القانون الجنائي ليست من الجرائم التي يتوقف تحريك الدعوى العمومية بشأنها على وجود شكوى لدى النيابة العامة باعتبارها ممثلة للحق العام، فالنيابة العامة لها الحق في تحريك الدعوى العمومية دون قيد أو شرط أو وجود شكاية، وذلك بأمر الجهة المختصة والممثلة في الفرقة الوطنية بفتح بحث في الموضوع.
وفي نفس السياق، ينص الفصل 242 من القانون الجنائي بشكل صريح وواضح على أن” كل قاض أو موظف عمومي أتلف أو بدد مستندات أو حججا أو عقودا أو منقولات أؤتمن عليها بصفته تلك، أو وجهت إليه بسبب وظيفته، وكان ذلك بسوء نية أو بقصد الإضرار، فإنه يعاقب بالسجن من خمس إلى عشر سنوات”، أما الفصل242 مكرر فيشير في فقرته الأولى إلى أن ” كل إهمال خطير صادر عن قاض أو موظف عمومي، نتج عنه ارتكاب أحد الأفعال المنصوص عليها في الفصلين 241 و 242، من طرف الغير، يعاقب عليه بالحبس من شهر واحد الى ستة أشهر وبغرامة من ألفي درهم إلى عشرين ألف درهم أو إحدى هاتين العقوبتين “.
ومسك الختام قوله تعالى وهو أصدق القائلين ” إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ ۖ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا (72) “.
صدق الله العظيم

شارك هذا المحتوى