الأنباء بوست/ حسن المولوع
يتعرض الأستاذ توفيق بوعشرين لهجوم شرس عبر بعض المنصات على مواقع التواصل الاجتماعي، دون مبرر أو وجه حق، في دولة تُرفع فيها شعارات الحق والقانون، وتسعى لإعادة إدماج السجناء في المجتمع.
يحدث هذا الهجوم أمام أنظار الأجهزة المعنية والنيابة العامة. وهو في الحقيقة ليس مجرد هجوم على توفيق بوعشرين، بل مساس خطير بالفرقة الوطنية الموقرة، وبمؤسسة القضاء، وبالمشتكيات في الملف الذي على إثره حُوكم الأستاذ بوعشرين، والذي حظي بعفو ملكي سامٍ.
إن العينة التي تهاجم توفيق بوعشرين حاليًا هي ذاتها التي طالما ادّعت الدفاع عن المؤسسات. وهذه المؤسسات لا تحتاج إلى “دفاع” من قبل المسترزقين والمسترزقات. لكنهم اليوم يتجاوزون كل الحدود ويمسون بمؤسسة القضاء نفسها، وهو أمر يستوجب فتح تحقيق عاجل وفوري، خاصة بعدما تحول هؤلاء إلى ما يمكن وصفه بـ”قضاة فيسبوك”، دون أي اعتبار لدور النيابة العامة والمجلس الأعلى للسلطة القضائية، في ممارسة غير مسؤولة تندرج تحت ما يسمى بـ”شرع اليد”.
إن ادعاء هؤلاء بوجود فيديو مسرب للأستاذ توفيق بوعشرين يعد أمرًا بالغ الخطورة. فهل يدرك هؤلاء أنهم بترويج هذه الادعاءات يضربون مصداقية الفرقة الوطنية بشكل مباشر؟ فالفيديوهات التي راجت أمام المحكمة تم إتلافها وحرقها رسميًا، ولا وجود لها اليوم. فهل يريد هؤلاء أن يوحوا للرأي العام بأن الضابط الذي أشرف على التحقيق، والنيابة العامة الموقرة، والقضاء الجالس، هم من تعمّدوا فعل ذلك لتدمير توفيق بوعشرين؟
إن هذا اتهام خطير للغاية، خصوصًا أن المحكمة لم تمكّن أي محامٍ من نسخة تلك الأشرطة، مما ينفي إمكانية توجيه أصابع الاتهام لهيئة دفاع أي من الأطراف. وفي الوقت ذاته، ننزّه الفرقة الوطنية، والنيابة العامة المختصة، والقضاء الجالس من أي اتهامات زائفة. كل ما في الأمر أن حقد البعض أعمى بصيرتهم، فقاموا بهذه الخطوة غير المحسوبة، التي ستكون لها تبعات خطيرة.
لقد زعم هؤلاء أن هناك فيديو يُروج على أحد المواقع الإباحية. وهنا يُطرح تساؤل منطقي: إذا كان هذا الفيديو موجودًا فعلًا، فلماذا لم يظهر أثناء المحاكمة؟ ولماذا الآن بالضبط؟ ثم، هل يمكن تصديق وجود فيديو كهذا حتى لو تم ترويجه عبر تطبيق واتساب، ونحن في عصر الذكاء الاصطناعي، حيث يمكن صناعة فيديوهات مزيفة بسهولة؟
إن غاية هؤلاء ليست تدمير بوعشرين، فقد اعتادت عائلته على التشهير وأصبحت تلك الادعاءات أشبه بالنكتة. بل غايتهم الحقيقية هي المس بمؤسسات الدولة، دون إدراك خطورة أفعالهم. كما يسعون لدفع المشتكيات نحو الانتحار، خاصة وأن لديهن عائلات، لأن انتحارهن سيتيح لهم فرصة استغلال الملف مجددًا، عبر تكرار أسطوانة انتهت بقرار ملكي سامٍ.
وفي حال لم يؤد ذلك إلى انتحارهن، فإنهم يهدفون إلى إجبارهن على الخروج للرأي العام للمطالبة بحقوقهن التي حكمت بها المحكمة، لأن خروجهن سيعيد فتح الملف للجدل من جديد. وفي المقابل، يبدو أن هناك خطوات هادئة لتسوية الوضع، وهو ما يزعج هؤلاء ويثير قلقهم، لأن مصالحهم تنتهي مع انتهاء هذا الملف.
إن الهجوم المتكرر على توفيق بوعشرين أعاد إلى الأذهان تفاصيل القضية. فالذين يزعمون أن خبرة الدرك الملكي أقرت بصحة تلك الفيديوهات، يجهلون تفاصيل الملف الذي تابعناه بمهنية من موقعنا الصحفي في ذلك الوقت. فالخبرة قالت فقط إن عملية تحويل الفيديوهات من القرص الصلب نحو الأقراص المدمجة صحيحة ولم تخضع لعملية “المونتاج”، لكنها لم تقل إن الشخص الموجود بالفيديوهات هو بوعشرين نفسه رفقة المشتكيات. والسؤال الجوهري الذي يمكن طرحه هو: إذا كانت فعلًا تلك الفيديوهات تُظهر بوعشرين والمشتكيات، فمن سجلها؟ هل بوعشرين من فعل ذلك؟ وإذا كان هناك من قام بذلك أو هو نفسه ، فلماذا؟ وإذا وصلنا إلى الجواب عن سؤال “لماذا؟”، فلماذا لم يقم بتسجيلها بجودة عالية وبعدة كاميرات؟
إن الإنسان الذي يحترم نفسه، عليه احترام قرار الملك الذي بيده العفو، وقد عفا عن توفيق بوعشرين وطوي الملف بتفاصيله دون النبش في ألغازه. وهذا الملك الذي يعتبر هو رب الأسرة الكبيرة التي هي الشعب، لا يمكن أن يفعل ذلك بحكمته الرشيدة ويتناسى حقوق النساء، ولا حق لأحد، كيفما كان موقعه، أن يستغل حقوقهن من أجل تصفية الحسابات الشخصية والضغائن والأحقاد.
إن الأشخاص الذين يخوضون معركتهم ضد توفيق بوعشرين في “محكمة وسائل التواصل الاجتماعي” من خلال ادعائهم بنشر فيديوهات لا يدركون أن معركتهم خاسرة، لأن المغاربة عمومًا يميلون إلى مسامحة أي شخص يظهر موقفًا ضد الظلم أو الفساد أو الاستبداد، فمهما كانت أخطاؤه، فإن الشعب يغفر له.
وما دام بوعشرين مستمرًا في نهجه المهني، فإن الادعاء بنشر فيديوهات، حتى على مواقع إباحية، لن يحقق شيئًا سوى تعزيز شرعيته. لأن قوة خطابه هي من تحميه. وبدلاً من الرد على أفكاره ونقدها بأسلوب منطقي، يلجأ خصومه إلى استحضار أرشيفه، مما يجعل معركتهم خاسرة.
إن بوعشرين يعلم أن الهدف من هذا الضغط هو محاولة ابتزازه وإجباره على الانحراف عن مساره، لكنه يبدو مدركًا للعبة. والمؤسف أن بعض المهاجمين لا يتوقفون عند ذلك، بل ينحدرون إلى مستويات دنيئة من الإساءة لعائلته بشكل مقزز. والآن، أصبح “الفيسبوك” بمثابة قضاء موازٍ، حيث يفعل الناس ما يشاؤون دون أي احترام للقوانين أو القيم ، وقد حان الوقت لوضع حد لهذا الانحراف الخطير .
شارك هذا المحتوى