
الأنباء بوست / حسن المولوع
بعد شهور من الشد والجذب والنقاش الحاد الذي كان قاسيا أحيانا وفيه الضربات والضربات المضادة بين التظيمات المهنية المؤسِّسة للصحافة المغربية ، وذلك منذ نهاية ولاية المجلس الوطني للصحافة وما اعقبه من تمديد في صلاحياته لمدة ستة أشهر ومشروع اللجنة المؤقتة لتسيير قطاع الصحافة والنشر الذي أثار جدلا واسعا، (بعد كل ذلك ) يبدو أن هناك أفقا جديدا قد تم فتحه، هذا الافق يؤشر على نهاية الاختلاف ، وبداية التوافق الممكن الذي يخدم المصلحة العامة للإعلام بصفة خاصة والوطن بصفة عامة.
ولئن كان النقاش قد انطلق من اختلاف تدبيري عابر حول نقطة تقنية تخص اللجنة المؤقتة ، الا أنه لا يمكن أن يقف في وجه نقاش الأفكار الكبرى ذات الأفق الاستراتيجي ، فمسلسل التشريع في هذا الباب اقترب لمرحلة النهاية بما له وما عليه ، ليبقى السؤال الأساسي والجوهري ماذا بعده ؟ هل سيبقى اهل المهنة في تشتت وصراعات لن تخدم أي طرف أم أن الأفضل هو الدفع ب ” تَعَالَوْا إِلَىٰ كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ “
وعلى الرغم من ان الصراعات بلغت أوجها وكانت تحتاج الى حكماء لوقفها الا اننا بدأنا نلاحظ بأن هناك نقطة تلاقي في الأفكار الكبرى بين حنان رحاب بصفتها قيادية بارزة في النقابة الوطنية للصحافة المغربية التي وعلى عادتها دائما تبحث عن التوافق ، وبين نور الدين مفتاح بصفته رئيس الفدرالية المغربية لناشري الصحف الذي دائما بدوره يدعو الى التوافق وفتح حوار عبر عدد من افتتاحياته .
نقطة التلاقي ظهرت من خلال مقالين لكل منهما ، فحنان عنونت مقالها “عبد الصمد ناصر والذراع الإعلامي للمغرب” منشور على صحيفة أحداث انفو التي تنمي للمجموعة الإعلامية الكبرى لمولاي أحمد الشرعي ، ونور الدين مفتاح عنون مقاله ب ” بعض دروس قضية ناصر والجزيرة ” منشور على صحيفة الأيام الأسبوعية التي تعد مدرسة من مدارس الصحافة
نظرية رحاب في خلق ذراع إعلامية قوية موجهة للخارج
انطلقت حنان رحاب ضمن مقالها المذكور بطرح تساؤل هام يستدعي التفكير فيه بعمق وعقد ندوات بشأنه ، إذ تساءلت قائلة في سياق طرد الإعلامي عبد الصمد ناصر من قناة الجزيرة ” هل سنستمر في الشكوى من تغلغل جهات معادية لمصالح المغرب في كبريات القنوات الفضائية والمنابر الصحفية العربية والدولية؟ لماذا تأخرنا عن إطلاق ذراع إعلامية قوية موجهة للخارج؟ “
سؤال حنان رحاب ضمن مقالها هو في الحقيقة سؤال يشبه وضع الملح على الجرح او لنقل سؤال وضع الاصبع على الجرح ، ذلك أن النقاش الأساسي اليوم ليس هو مشاكلنا الداخلية المرتبطة بأمور تقنية يمكن حلها بالتنازلات والتوافقات والتفاوض بعيدا عن الانانية المفرطة ، بل النقاش هوذلك المرتبط بتموقعنا في الخارطة الدولية عالميا عن طريق الاعلام ، للدفاع عن مصالحنا الوطنية وفي مقدمتها قضية وحدتنا الترابية التي تعتبر من أولى اولوياتنا كدولة وكمواطنين وكرجال ونساء إعلام ، ذلك أن ملف الصحراء المغربية لن تحله لا أمريكا ولا إسرائيل ولا روسيا ولا اوربا ولا الخليج ، فكل من هؤلاء مستفيد من هذا المشكل لجعله وسيلة لابتزازنا ومقايضتنا ، فهذا الملف لن يدافع عنه الا أبناء وبنات هذا الوطن عبر تكوين جيل يدافع عن مغربية الصحراء التي لا يختلف حولها اثنان ، وتكوين هذا الجيل لن يكون الا عن طريق الإعلام لأن هذا الأخير هو العمود الفقري الذي يخلق التوافق الوطني ويساهم في البناء الديمقراطي ويقوي المؤسسات الدستورية ، ويصارع من يصارعنا ويقارع من يقارعنا دوليا وإقليميا .
إن الدفاع عن الثوابت الوطنية لا يكون من المكاتب المكيفة وتقديم الهدايا وإقامة الحفلات ، بل الدفاع عنها يكون بإعلام قوي قادرعلى المواجهة والمقارعة الى جانب الديبلوماسية والقوة الصلبة ، ولن يكون هذا الاعلام قويا إذا بقي جسمه مشتتا ، فالفُرقة لن تزيد الجسم الا انهاكا ولن يخدم المصلحة العليا للوطن ولن يساهم في التسويق لصورة المغرب دوليا ، ولنأخد نموذج قطر ، فهي دولة باتت قوية بجزيرتها ، فلو لم تكن هناك جزيرة ما علمنا بوجود هذا البلد الصغير جغرافيا ، وهذا ما أشارت إليه الصحافية حنان رحاب ضمن مقالها، حيث قالت ” أعتقد أنه للأسف لم تحصل القناعة عند الفاعل السياسي الحكومي بأن بناء ذراع إعلامية مغربية موجهة للخارج أو على الأقل للمحيطين الإقليمي والقاري هو من الأولويات الملحة، ولذلك فإن حوادث مثلما حصل لعبد الصمد ناصر وللمباركي قبله يمكن ان تتكرر، في غياب بدائل تجعلنا مؤثرين لا منفعلين.”
وضمن مقالها ذكرت رحاب ” نمتلك الكفاءات المهنية لخلق ذراع إعلامية موجهة على الأقل للشعوب المغاربية، وأخرى للشعوب الإفريقية ، وإذا كانت التوجيهات الملكية بخصوص مغاربة العالم، قد نصت على تقديم ما يكفي من الحوافز لدفع الكفاءات العلمية والاقتصادية والثقافية وغيرها للعودة لأرض الوطن، حتي تخدم بتجاربها قطار التنمية المغربية، فإن لا أحد في القائمين على الشأن الإعلامي فكر في هذه الأعداد التي لا يستهان بها من الصحافيات والصحافيين والتقنيين والخبراء المغاربة المنتشرين في وسائل إعلام كبيرة، والذين راكموا تجارب تغري حتى وسائل إعلام منافسة لها “
وأضافت حنان رحاب في سياق متصل “ولا أعتقد أن الهاجس المالي هو المعرقل لمثل هكذا انطلاقة، لأن الاستثمار في الإعلام بهذه الخلفية له عائد سياسي وثقافي واقتصادي وسياحي أكبر بكثير مما سيتطلبه من ميزانيات عند الانطلاق. “
فكرة حنان رحاب تتقاطع مع نفس فكرة نور الدين مفتاح ، قاسمهما المشترك هو الأفق الاستراتيجي الذي يسير في اتجاه خلق ذراع إعلامية توازي كل اذرع البلاد ومنها الذراع العسكرية ، دفاعا عن الوطن ولا شيء غير الوطن الذي هو أسمى من كل شيء ، وعندما ينادي الوطن على أبنائه وبناته فالأجدر هو ترك الخلافات جانبا ووضع اليد في اليد لأن القوة تكمن في الاتحاد والاستقلال من تبعية الآخر الذي نطمع في أنه سيدافع عنا وفي الحقيقة هذا الآخر الذي هو دول لها مصالح ، يبتزنا ويقايضنا على حق من حقوقنا الشرعية والمشروعة ، فعند ترك الخلافات جانبا يتحقق التقدم ونستطيع جميعنا تحقيق العدالة وبناء جسور التنمية ، لأن الخلافات لن تزيد الجسم الا انهاكا وتفريخ التنظيمات المهنية لن تزيد الجسم الا ضعفا، وكل ذلك يجعلنا نبتعد عن الهدف الأسمى الذي هو المصلحة العليا للوطن ، وهذا لن يتأتى الا بالتوافق الذي يرضي مصلحة القطاع والنزول من البرج العاجي والابتعاد عن حب الذات والانانية والبحث عن المصالح الشخصية .
نور الدين مفتاح : الدول تدافع عن نفسها بإعلام مهني دولي محترف
ذكر الأستاذ نور الدين مفتاح عبر مقاله المعنون ب ” دروس من قضية عبد الصمد ناصر ” ” أن وزارة التواصل يجب أن تهتم بالتواصل الخارجي للمملكة، وأن تسوّق صورتها، وتحارب الأحكام الجاهزة كتلك التي قذفها بسفالة التلفزيون الجزائري ” مضيفا في السياق ذاته “الدول تدافع عن نفسها بإعلام مهني دولي محترف، فلفرنسا «فرانس 24» وراديو «مونتي كارلو» ولروسيا «قناة روسيا اليوم» ولأمريكا «قناة الحرة» وللسعودية «قناة العربية» ولبريطانيا الـ «بي بي سي»… فماذا أعددنا نحن؟ بل إننا كبلد للتعددية منذ 1958 في وقت كانت فيه الجارة الجزائر تعيش نظام الحزب الوحيد، نجد اليوم أننا في التلفزيون ليس لنا إلا القنوات الرسمية ولا قناة خاصة مرخص لها من طرف الهاكا في الوقت التي توجد عشرات القنوات الخاصة في الجزائر! “
نور الدين مفتاح والعتاب المشروع للقطب العمومي
ضمن مقاله المذكور ، واصل نور الدين مفتاح تشريح الواقع الإعلامي بالمغرب بكل حرقة وغيرة وطنية متسائلا في سياق فيه نوع من اللوم والعتاب ” ماذا فعلت وزارة التواصل في القطب العمومي الذي يقع تحت مسؤوليتها؟ إنه على حافة الإفلاس ولا يخاطب إلا المغاربة، وليست هناك في الأجندة ولا فكرة عن مخاطبة العالم والتأثير فيه كما تفعل الجزيرة، إلا حديث غريب عن قيام الإعلام الخاص بالدفاع عن القضايا الوطنية في الخارج! وكأن هذا الإعلام ينتظر الأمر أو الدعم ليقوم بواجبه في الدفاع عن الوطن وقضاياه!” مشيرا في هذا الصدد ” أن الزميل عبد الصمد ناصر اشتغل 3 سنوات مقدما للأخبار بالقناة المغربية الرسمية قبل أن يرحل لقطر، فلماذا يكون الزملاء متواضعين هنا في الإعلام الرسمي المغربي، وما إن يهاجروا حتى يتألقوا ويصبحوا نجوما عالميين؟ وهذه أسئلة جوهرية يجب أن ننكبّ عليها بدون سجال فارغ ولا مزايدات.
ودعا نور الدين مفتاح الدولة بأن ” تتكلف بتواصل عصري بعيد عن الدعاية، وترعى إعلاما مستقلا، لتدافع عن وطن محاصر بأطماع الخصوم والأعداء ” مضيفا أن ” المشترك بيننا يجب أن يدبر بالقيم الديموقراطية حتى تكون لنا القوة اللازمة لمواجهة المتربصين، وهذا هدف مقدور عليه إذا توفرت الإرادة والكفاءة وبعد النظر وما دون هذا سيجعلنا دائما ضحية صورة لا تعكس حقيقتنا. “
نقطة التلاقي بين حنان رحاب وبين نور الدين مفتاح
الصحافية والقيادية البارزة في النقابة الوطنية للصحافة المغربية ، حنان رحاب ؛ و الصحافي ومدير نشر صحيفة الأيام ورئيس الفدرالية المغربية لناشري الصحف نور الدين مفتاح ، يلتقيان في نقطة أساسية ومركزية ضمن مقاليهما ، تلك النقطة تتعلق بخلق ذراع إعلامية موجهة للخارج تكون بمثابة القوة الناعمة التي تحقق النتائج التي يريدها المغرب ، وذلك بامتلاك القدرات على التأثير في أفكار الآخرين من أجل التسويق لصورة البلاد والدفاع عن مصالحه وكذا ثوابته وفي مقدمتها قضية الوحدة الترابية للمملكة .
إن نقطة التلاقي بين حنان رحاب ونور الدين مفتاح على مستوى الأفكار الكبرى ، من شأنه أن يذيب كل الخلافات الجانبية التي امتدت لشهور من الشد والجذب ، تلك الخلافات جعلت المجلس الوطني للصحافة تنتهي صلاحياته ، فكان طرد عبد الصمد ناصر من قناة الجزيرة بمثابة اختبار ، حيث أن المغرب في الوقت الذي كان محتاجا للرد على هذا الطرد الشائن عبر هذا المجلس ، كان هذا الأخير منتهي الولاية وكان الجسم المهني كله في حالة صراع ، لكن لا أحد منا طرح سؤالا جوهريا ، هل هذا الصراع في صالح وطننا أم يسير عكس ذلك ؟
انتبهنا بشكل متأخر أن جسمنا مشتت ، وأن كفاءاتنا الإعلامية تهاجر أرض الوطن، في الوقت الذي يجب التفكير في السبل الممكنة للاستثمار في كفاءاتنا لنستفيد منها نحن وليس غيرنا ، وغيرنا بكل تأكيد ليس أفضل منا ، فقط تنقصنا الإرادة والشجاعة وفوق ذلك لمُّ الشمل فالجميع له هدف واحد هو المصلحة العليا للوطن ، ويمكن اعتبار مقال حنان رحاب ومقال نور الدين مفتاح بمثابة خارطة طريق يمهد لمناظرة وطنية تطرح فيها جميع الإشكالات والخروج بتوصيات بدل الصراعات والخلافات التي لن تخدم أي طرف وتجعل بلادنا في قوقعة ، ليبقى السؤال الجوهري مفتوحا ، هل اذا عدنا لنقاش الأفكار ببعدها الاستراتيجي سنعطي الإصلاح المنشود لقطاع الصحافة والنشر افقه المغربي الذي ينتصر للمصلحة الوطنية للاعلام المغربي ؟ سؤال ستجيب عنه الأيام القادمة

شارك هذا المحتوى