د.مراد احتي
باحث في القانون والسياسات العمومية
يبدو أن الدول منذ الحرب الباردة بين المعسكرين الاشتراكي بقيادة الاتحاد السوفييتي والليبرالي بزعامة الولايات المتحدة الأمريكية، أصبحت تشتغل بمنطق التكتلات الدولية، حيث أبانت التجربة التاريخية أن الدول كلما كان لها حلفاء كلما زادت قوتها وزاد تأثيرها على المنتظم الدولي بما يخدم مصالحها.
ومن هذا المنطلق وبعد خروج المملكة المتحدة الإنجليزية من الاتحاد الأوربي، توقع كثير من الدارسين والخبراء في العلاقات الدولية أنها ستبحث عن تحالفات أخرى لصالح تقوية الروابط الاقتصادية والتجارية والسياحية والأمنية.
ونظرا لكون المغرب أقرب قوة إقليمية في منطقة جنوب البحر الأبيض المتوسط إلى بريطانيا، وذلك بناء على العلاقات الدبلوماسية التاريخية والعريقة التي تمتد لأزيد من 800 سنة بين المملكتين، نجد المغرب يشكل الدولة النموذج بالنسبة لبريطانيا من أجل تطوير علاقاتها معه في جميع المجالات .
أما بالنسبة للمغرب الذي تربطه مع بريطانيا علاقات الثقة الممتدة في جذور التاريخ، وفي سياق سياسي دولي يتسم بالتوتر مع الأعداء التقليديين للوحدة الترابية للمغرب من جهة أولى، وفي ظل ردود الفعل المغربية حيال بعض أعضاء الاتحاد الأوربي رافضا مخاطبته بخطاب ضبابي غير منفلت عن النفاق الدبلوماسي في قضية الصحراء المغربية، مؤكدا أن مغرب اليوم مختلف عن مغرب الأمس من جهة ثانية، فمن الطبيعي أن تشكل بريطانيا المنسحبة من الاتحاد الأوربي حليفا قويا له خاصة باستحضار النظرية الواقعية في العلاقات الدولية التي تنبني على منطق القوة والمصلحة لاسيما في سياق متوتر سواء بالنسبة للمغرب أو بالنسبة لبريطانيا إزاء تكتل الإتحاد الأوروبي الماكرو- اقتصادي .
ويبق السؤال المطروح هو ما تأثير هذه التطورات السياسية والدبلوماسية الحاصلة على طول المجال الأورو- متوسطي على العلاقات بين المغرب وبريطانيا؟ وهل يا ترى ستؤدي هذه التطورات إلى إعتراف بريطانيا الصريح والرسمي بسيادة المغرب على الأقاليم الجنوبية؟
عموما يحيل التطور الدبلوماسي بين المغرب وبريطانيا إلى تطور العلاقات الاقتصادية الثنائية بين المملكتين، وهو حافز أساسي لتطوير المبادلات التجارية، ولتنويع وتوزيع الاستثمارات البريطانية التي سيستفيد منها المغرب على وجه الخصوص بمنطقة الصحراء المغربية؛ فبريطانيا عرفت تطورا بارزا في ميادين مختلفة أبرزها مجال الطاقات المتجددة والسياحة والتعليم والصحة والفلاحة والتكنولوجيا، ناهيك عن القطاع المالي والبترول والصناعات الطبية .
فعلى مستوى القطاع السياحي مثلا تحتل بريطانيا الرتبة الثانية من حيث عدد ليالي المبيت بالمدن المغربية بمعدل وصل إلى 750 ألف سائح سنة 2019، وهو رقم يبين أهمية ازدهار العلاقات بين المملكتين، بما يضمن مصلحة الدولتين سواء بريطانيا التي انسحبت من الاتحاد الأوربي، أو بالنسبة للمغرب الذي توترت علاقاته مع ألمانيا ومع دول أوربية أخرى وفي مقدمتها اسبانيا، على نقيض العلاقات المغربية الجزائرية التي هي واقعيا علاقات مجمدة حتى قبل قرار النظام العسكري الجزائري الذي صرح بقطع العلاقات الدبلوماسية مع المغرب؛ محاولا استغلال ورقة الغاز لابتزاز المغرب، ومتجاهلا أن المغرب ماض في تنزيل اتفاقيته مع نيجيريا حول مد أنبوب الغاز الطبيعي الذي سيعبر 15 دولة إفريقية قبل بلوغ ضفة شمال البحر المتوسط .
وما تجدر الإشارة إليه هو أن هذا التطور الحاصل في العلاقات الدبلوماسية والاقتصادية بين المملكتين المغربية والإنجليزية ليس بالأمر المستجد، فمنذ يوم 26 أكتوبر 2019 وقعت الرباط مع لندن من لُدن ناصر بوريطة وزير الخارجية والتعاون الدولي والمغاربة المقيمين بالخارج وأندرو موريسون كاتب الدولة البريطاني السابق لدى وزير الشؤون الخارجية اتفاقية تشكل ضمانة حقيقية للمقاولات المغربية والبريطانية التي ترتبط بعلاقات اقتصادية وتجارية في كافة قطاعات التعاون. وبموجب هذه الإتفاقية عملت المملكتين على تحفيز وتشجيع علاقات الاستثمار المتبادل وحمايتها. ولقد تأكد إسراع إنجلترا والمغرب إلى تقوية العلاقات الاقتصادية بينهما، على أرضية عقد هذه الاتفاقية التي دخلت حيز التنفيذ بعد انسحاب المملكة المتحدة الإنجليزية من الإتحاد الأوربي بزمن يسير.
كما أن من دواعي هذه الاتفاقية الثنائية اتفاق التبادل الحر بين المغرب والإتحاد الأوربي الذي لن يكون ساريا على العلاقات بين المغرب وبريطانيا بعد انسحابها، وهو ما يعبر عن تجدر العلاقات الدبلوماسية ومنه الاقتصادية بين الدولتين، هذا علما أنه من مصلحة المغرب عقد اتفاقية ثنائية مع بريطانيا مباشرة لكونها من جهة أولى تحظى بوزن اقتصادي رغم كل الظروف التي يمكن أن تترتب عن انسحابها من الاتحاد، ومن جهة ثانية لكي يتسنى له تدبير اختلافها مع دول أوربية أخرى دون تأثر العلاقات الدبلوماسية والاقتصادية الثنائية التي تجمعه مع بريطانيا.
أما فيما يتعلق بالتطورات الدبلوماسية في العلاقات الثنائية بين المملكة المغربية والمملكة المتحدة الإنجليزية وسؤال الإعتراف البريطاني المنتظر بسيادة الدولة المغربية على الأقاليم الصحراوية، فمنطق الفهم ينتهي إلى بعض المخرجات .
فالتاريخ العريق الذي يميز العلاقات الدبلوماسية بين المغرب وبريطانيا بحيث يزيد عن 800 سنة، وفي ظل التطورات الأخيرة التي شاهدتها الساحة الدولية بين بريطانيا والاتحاد الأوربي من ناحية، إذ استقلت عن هذا الأخير الذي كان يؤثر على موقفها، وبين المغرب وأوربا والجزائر من ناحية أخرى، وهو ما دعم قوة ومثانة العلاقات الثنائية بين المملكتين، إذ لا يمكن إلا أن يؤدي كل ذلك إلى تطور واضح جدا في موقف بريطانيا من قضية المغرب الأولى .
وبما أن التصريحات السياسية تعد مدخلا مباشرا لتحليل السياسات العمومية للدول؛ حيث أكد عمر هلال الممثل الدائم للمغرب لدى الأمم المتحدة على : ” أحبت الجزائر أو كرهت فقد تمت تصفية الاستعمار في الصحراء المغربية كليا، فالصحراء المغربية عادت بشكل نهائي إلى المغرب. وتم استرجاع الصحراء المغربية بفضل القانون الدولي وبفضل المفاوضات، وبفضل اتفاقية مدريد التي أخذت الجمعية العامة للأمم المتحدة علما بها “، فهذا التصريح الذي يعبر بشكل واضح عن انتصار حقيقي وقاطع للدبلوماسية المغربية في القضية الوطنية على أرض الواقع، في سياق تميز بفتح العدد من الدول لسفاراتها بالعيون المغربية أبرزها الولايات المتحدة الأمريكية التي تتولى القيادة في المنتظم الدولي والتي اعترفت بمغربية الصحراء عبر قرار رئاسي وثق في السجل الفيدرالي، وهو ما يحيلنا إلى سينارهو واحد هو اقتراب صدور الإعتراف الرسمي البريطاني بمغربية الصحراء .
فالمملكة المتحدة الإنجليزية هي دولة دبلوماسية بامتياز ولها تجربة تاريخية عريقة في المسار الدستوري وأدبياته في الساحة الدولية، وهو ما يدفعني إلى القول بأنها ستنتصر قريبا للمغرب باعترافها الصريح بسيادته على أقاليمه الجنوبية، تنزيلا لكونها شريكا استراتيجيا للمغرب وحليفا مباشرة الولايات المتحدة الأمريكية، وهو ما يتأكد عبر مجموعة من المؤشرات حيث تم تحديث موقع ” بي بي سي نيوز ” الذي بات ينشر خريطة المغرب كاملة، كما نشر المساحة الإجمالية الحقيقية للتراب الوطني المغربي، وبعده قامت الوكالة القومية للإحصاء بنشر خريطة المغرب كاملة على منوال موقع ” بي بي سي نيوز ” ، ونجدها من وجهة نظرنا إشارات تعبر بشكل جلي عن موقف بريطانيا الصريح لصالح مغربية الصحراء، وهو ما يؤكد رجحان كوننا مقبلون على إقرار بريطانيا رسميا بمغربية الصحراء وما يليه من فتح قنصلية لها بالعيون.
إجمالا أزعم أن المملكة المتحدة الإنجليزية لن تتردد في الإعتراف الرسمي على منوال الولايات المتحدة الأمريكية وباقي الدول الأخرى بسيادة المغرب الكاملة على أقاليمه الجنوبية. وكل ذلك يندرج ضمن أجرأة مغربية الصحراء رغم حسد وحقد الحاقدين، كما أكد صاحب الجلالة في خطابه الأخير بمناسبة ذكرى ثورة الملك ” … وهنا نؤكد بأننا سنواصل مسارنا، أحب من أحب، وكره من كره، رغم انزعاج الأعداء، وحسد الحاقدين…”
ختاما أؤكد على أن بريطانيا دولة عظمى بتقاليد دبلوماسية حكيمة بما يجعلها تدرك تماما أن المغرب يظل حليفا استراتيجيا لذلك ستحسم الأمر قريبا باعترافها بمغربية الصحراء عبر قرار جريء جد متوقع، خصوصا أننا نعيش في ظل نظام عالمي أحادي القطب تقوده الولايات المتحدة الأمريكية اقتصاديا وسياسيا وعسكريا، و هي الحليف الأول لبريطانيا؛ خاصة بعد صدور المرسوم الرئاسي مع دونالد ترامب بالاعتراف بالصحراء المغربية وما تبع ذلك من فتح قنصلية أمريكية بمدينة الداخلة كما وقعت اتفاقية ثلاثية بينها وبين المغرب وإسرائيل من أهم أهدافها؛ حسب الإعلان المشترك، أن الولايات المتحدة الأمريكية ستشجع التنمية الاقتصادية والاجتماعية مع المغرب بما يشمل أقاليمه الصحراوية، وهو ما ينهي النقاش دوليا حول مغربية الصحراء ويفتح المجال أمام إنجلترا المتحررة من ضغط الاتحاد الأوربي للإقرار رسميا بالسيادة المغربية على الأقاليم الصحراوية عبر فتحها في القريب العاجل لقنصلية بصحراء المغرب، بل أكثر من ذلك فحتى بعض الدول الأوربية خاصة فرنسا ستحتكم للمنطق وتعترف كذلك بعدما عبر المغرب عن رفضه للخطاب الضبابي الأوربي، ونظرا لأنها خضعت لخطاب المغرب الجديد المبني على أسس جديدة قوامها رابح/ رابح ومنطق الشراكة والتضامن بدل منطق الوصاية و الحجر .
شارك هذا المحتوى