
الأنباء بوست / حسن المولوع
بمجرد إطلاق نظام المحاكمة عن بعد ، وذلك في إطار التدابير الوطنية لمواجهة وباء فيروس كورونا المستجد (كوفيد 19) والحد من انتشاره ، وما صاحب ذلك من ” ماكياج” إعلامي غيب الأسئلة الجوهرية التي لا بد من طرحها ، هناك تخوفات تأتي من صميم التساؤلات التي سنطرحها على الجهات المسؤولة ذات الصلة ، وبالأخص حول ضمانات شروط المحاكمة العادلة وأيضا الإطار القانوني الذي يستند على هذا النوع من المحاكمة عبر تقنية الفيديو كونفراس والأحكام الصادرة على ضوئها والتي ستكون من دون شك محل سجال قانوني قد يترتب عنها البطلان .
مبدئيا لا بد لي أن أوضح بأنني لست عدميا أو ضد التكنولوجيا الحديثة التي تخدم العباد والبلاد ، لكنني أرى الأمور من زاوية أخرى ، تجعلني أتساءل وأبحث عن الإجابة الواضحة و الشافية والكافية ، فبخصوص هذا الموضوع ، أتساءل، هل وزارة العدل لديها من الإمكانيات و التجهيزات ما يكفي لنجاح نظام المحاكمة عن بعد ؟ إذ أن التقنية المعتمدة تفرض وجود أنترنيت بصبيب عال وشاشات عالية الدقة وصوت عالي الجودة ، وعدم وجود ذلك سيترتب عنه غياب التواصل بين المتهم والمحكمة لضعف التجهيزات ، وأيضا، هل قامت وزارة العدل بتوظيف كفاءات في ما يتعلق بمهندسي الإعلاميات والمختصين في هندسة الصورة والصوت بشتى محاكم المملكة ليكونوا قادرين على مواكبة ونجاح هذه العملية ؟ وهل هناك ضمانات من عدم اختراق هذه المحاكمات من طرف قراصنة المعلوميات حتى لا نرى في يوم من الأيام محاكمة ما ” تنتقل” عبر تطبيق الواتساب أو على اليوتيوب ؟ نحن لا نشكك في القدرات ولكن لا بد لنا من طرح هذه الأسئلة ، ولا بد من الإجابة عليها لأنها هي الأساس في نجاح المحاكمة عن بعد، من دون أن نغطي الشمس بالغربال .
إذا أخذنا على سبيل المثال محكمة عين السبع ، فسنجد أن هناك 4 قاعات تم تجهيز واحدة فقط والباقي دون تجهيز ، مما يضطر معه إلى الاشتغال بقاعة واحدة، الشيء الذي يفرض الكثرة والاكتظاظ ، وطول مدة المحاكمة لوجود كثير من المعتقلين ، وعلى الجانب الآخر من المحاكمة هناك قاعة واحدة بالسجن مجهزة بفيديو ، وهنا أتساءل كيف سيتم التعامل مع الملفات التي يجب عرض الوثائق فيها على المتهم ؟ وهذا السؤال أيضا يبحث عن إجابة واضحة لأنه يخلق تخوفا مشروعا بسبب غياب مقومات المحاكمة العادلة و أيضا غياب الإطار القانوني المنظم للمحاكمة عن بعد.
إن المحاكمة عن بعد ، ستخلق من دون شك إشكالا كبيرا ، وذلك لغياب الإطار القانوني الذي ينظم الجلسات عن بعد باستعمال تقنية الفيديو كونفرانس، فالبعض يستند على مرسوم حالة الطوارئ الصحية ، وهذا المرسوم لم يصادق عليه البرلمان بل صدر عن الحكومة في ظل فترة الفراغ التشريعي ، ومعلوم أن قانون المسطرة الجناية لا ينص على المحاكمة عن بعد ، ومعلوم أيضا عند رجال ونساء القانون أن قواعد المسطرة الجنائية هي قواعد إجرائية آمرة، والمشرع أوجب إحضار المتهم من السجن حتى تكون المناقشة تواجهية طبقا لما تنص عليه المادة312 من ق.م.ج التي تقول ” يتعين على كل متهم أن يحضر في الجلسة ، …..”
وبالرجوع إلى الفقرة الرابعة من المادة 312 من ق.م.ج والتي تقول “غير أنه إذا كان المتهم في وضعية صحية يتعذر عليه حضور الجلسة ، وجدت أسباب خطيرة لا يمكن معها تأجيل الحكم في القضية ، فإن المحكمة تكلف بمقتضى مقرر خاص ومعلل أحد أعضائها. بمساعدة كاتب الضبط ، لاستنطاق المتهم في المكان الذي يوجد به.” ، ومن هنا نستنتج أن هذه الفقرة أوجبت على المحكمة بمقتضى مقرر خاص ومعلل إذا كانت الظروف الصحية للمتهم لا تسعفه في الحضور، وأن تنتقل إلى السجن لاستنطاقه، وهذا يدل على ضرورة التواجهية المباشرة في قانون المسطرة الجنائية ، وبالتالي وأمام ذلك ، فإن الأحكام الصادرة على ضوء المحاكمة عن بعد ستخلق سجالا قانونيا ، ومن الممكن أن يترتب عليها البطلان وفق ما نصت عليه المادة 751 من ق.م.ج التي تقول “كل إجراء يأمر به هذا القانون ولم يثبت إنجازه على الوجه القانوني يعد كأنه لم ينجز ، …….” ولا ننس أيضا المادة 323 التي تقول ” يجب تحت طائلة السقوط ، أن تقدم قبل كل دفاع في جوهر الدعوى، ودفعة واحدة ، طلبات الإحالة بسبب عدم الاختصاص-مالم تكن بسبب نوع الجريمة –وأنواع الدفع المترتبة إما عن بطلان الاستدعاء أو بطلان المسطرة المجراة سابقا ، وكذا المسائل المتعين فصلها أوليا……..” .
وإذا افترضنا أنه تم عرض فكرة المحاكمة عن بعد على المتهم ودفاعه قبل مناقشة القضية تجنبا لكل دفع بالبطلان ، ووافق عبر تنازل صريح من التمسك بالدفع ببطلان المسطرة، كيف سيمكن التعامل مع من سيعترض عن هذه المحاكمة وأصر على المواجهة المباشرة في المناقشة ؟ هذا أيضا سؤال يبحث عن إجابة واضحة ،وأمام هذه الحالة فستجد المحكمة نفسها أمام الحالة العادية وهي عدم احضار المتهم من السجن وبالتالي على النيابة العامة أن تلتمس أجلا كافيا لاحضار المتهم ، حينها سيتم احترام القانون واجراءات المحاكمة العادلة ويتم تجنب انتشار الوباء وهذا ربما في نظري سيجنب الكثير من المشاكل سواء التقنية أو القانونية …والله أعلم

شارك هذا المحتوى