الأنباء بوست/ حسن المولوع
اعتدنا في هذا المنبر الإعلامي، الذي يلتزم النزاهة والصدق دون تحيز، أن ننتقد بقسوة النقابة الوطنية للصحافة المغربية على تواطئها وتخليها عن الصحافيين والصحافيات، وعلى تضامنها الانتقائي مع فئة دون أخرى. ومع ذلك، هناك تجاهل منا، سواء عن سهو أو نسيان، للنقابة القطاعية التابعة للمركزية النقابية الاتحاد المغربي للشغل، التي تتبجح بالدفاع عن حقوق الصحافيين، لكنها في الواقع غائبة تمامًا عن القضايا المصيرية التي تهز الجسم الصحافي.
هذه النقابة لم تكتفِ بالصمت فحسب، بل كرست غيابها عن أهم المحطات المفصلية في الساحة الصحافية. فكيف يمكن تفسير تجاهلها للتضييقات التي تعرض لها الصحافي حميد المهدوي، الذي حُوكم بالقانون الجنائي بدل قانون الصحافة والنشر على إثر شكاية قدمها وزير العدل، وحُكم عليه بالسجن النافذ وغرامة مالية قاسية؟ وأين كان صوتها حين واجه الصحافي ياسين الحسناوي حكمًا بغرامة مالية ثقيلة إثر شكاية من يونس امجاهد، رئيس اللجنة المؤقتة لتسيير قطاع الصحافة والنشر، التي تشارك فيها هذه النقابة كعضو ممثل؟ بل الأخطر، أن النقابة باتت مشاركة ضمنيًا في دفع الصحافي الحسناوي إلى المحاكم، في سلوك يكشف تواطؤًا مخزيًا مع الجهات الساعية لإسكات الأصوات الحرة.
إن هذه النقابة ليست فقط عاجزة عن المواجهة، بل تحولت إلى كيان باهت يقتات على الوشوشات والمحادثات السرية بدلًا من تبني مواقف واضحة وصريحة. فقيادتها لا ترى في العمل النقابي سوى وسيلة للحفاظ على علاقاتها مع أصحاب القرار، طمعًا في امتيازات شخصية على حساب المصلحة العامة للصحافيين.
عندما أصدر الوزيران المهدي بنسعيد وفوزي لقجع قرارًا بدعم الصحف الكبرى بناءً على رقم المعاملات، مما أدى إلى إقصاء المقاولات الصحافية الصغرى والمتوسطة التي تشكل العمود الفقري للإعلام المستقل، لم تحرك النقابة ساكنًا. لم تصدر بيانًا، لم تعلن موقفًا، ولم تدافع عن المؤسسات التي تكافح من أجل البقاء في ظل سوق يسيطر عليها الحيتان الكبرى. فهذا الصمت المذل يكشف عن عمق الانتهازية وغياب رؤية نضالية حقيقية لدى هذه النقابة.
الاتحاد المغربي للشغل، الذي تُنسب إليه هذه النقابة، لم يعد بدوره يحمل الروح النضالية التي تأسس عليها. فالميلودي مخارق، الذي يقود الاتحاد منذ عام 2010، يرفض التخلي عن منصبه أو إفساح المجال أمام القيادات الشابة. وهذا الجمود القيادي يعكس أزمة عميقة داخل الاتحاد، حيث بات مجرد واجهة لتنظيم متصلب يفتقر إلى الشجاعة والجرأة.
أما المسؤول عن النقابة القطاعية للصحافيين، فيكتفي بنشر تدوينات لا يقرؤها أحد، مدعيًا عبر الهواتف أنه سيزلزل أركان القوى التي تضايق الصحافيين، في حين أنه عاجز عن الدفاع حتى عن نفسه. فشجاعته الوهمية تنحصر في المكالمات الهاتفية، بينما على أرض الواقع، اختارت هذه النقابة الاصطفاف في خانة المتواطئين.
إن أزمة الصحافة المغربية اليوم ليست فقط في التضييقات القانونية والمضايقات الرسمية، بل في غياب أي سند حقيقي للصحافيين الذين يواجهون وحدهم القمع والتهميش. فالنقابات، التي يُفترض أنها صوت العاملين في القطاع، تحولت إلى أدوات متخاذلة، لا هم لها سوى تحقيق مصالحها الخاصة، تاركة الصحافيين في مواجهة مباشرة مع آلة القمع.
لقد آن الأوان لإعادة النظر في شرعية هذه الكيانات النقابية التي تدعي تمثيل الصحافيين. فالصحافة الحرة بحاجة إلى نقابات حقيقية تمتلك الشجاعة والنزاهة لمواجهة كل أشكال القمع والاضطهاد. أما النقابة القطاعية التابعة للاتحاد المغربي للشغل، فقد أثبتت أنها نموذج للانتهازية والتخاذل، ورمز للعجز الذي يُفرغ العمل النقابي من مضمونه، مما يجعلها شريكة في الأزمة الخانقة التي تعصف بالإعلام المغربي.
شارك هذا المحتوى