نقاش هاديء للخروج من أزمة تعطيل المجلس الوطني للصحافة
الأنباء بوست / حسن المولوع
لم تكن الامور لتخرج عن السيطرة ويصبح قطاع الصحافة والنشر بين صراع الأجنحة ، وخلق معارك وصلت حد تكسير العظام ، لو تم تغليب منطق التعقل والحكمة ، وقبله فتح نقاش هادئ قبل نهاية ولاية المجلس الوطني للصحافة في الرابع من ابريل الماضي ، ما كانت الحاجة إلى اللجوء الى صيغة التمديد لستة أشهر ، وما كانت الحاجة الى مشروع قانون لاحداث لجنة مؤقتة لتسيير قطاع الصحافة والنشر الذي أجمعت القوى الحية داخل المجتمع أنها لجنة مخالفة للدستور خاصة في فصله ال 28 منه
بين الولاية التأسيسية والولاية الأولى للمجلس الوطني للصحافة
بالرجوع إلى المادة 6 من القانون رقم 90/13 المتعلق بالمجلس الوطني للصحافة نجد أنها تقول ” تحدد مدة انتداب أعضاء المجلس الوطني للصحافة في أربع (4) سنوات قابلة للتجديد مرة واحدة .” ، سكت المشرع هنا ولم يضف شيئا ، وهذه المادة لها تأويل واحد يتعلق بالولاية التأسيسية قبل الولاية الأولى للمجلس الوطني للصحافة ، فلو كان المشرع يقصد بالمادة المذكورة تجديد الهياكل لأضاف عبارة ” قابلة للتجديد مرة واحدة عن طريق إجراء الانتخابات ” ، فليس هناك ما يمنع المشرع من إضافتها ، وهذا دليل على أن هاته المادة تتعلق بالولاية التأسيسية ، إذ أخذ المشرع بعين الاعتبار مسألة ميثاق أخلاقيات المهنة ، والنظام الداخلي للمجلس ، وتشكيل الهياكل التنظيمية والإدارية ، والمقر وما إلى ذلك من أمور تتعلق بالتأسيس …الخ ، ولكن وكما يقال ” نية العمى تتخرج فعكازه ” فبدل أن يجتمع أعضاء المجلس الوطني للصحافة ويستشيروا مع فقهاء القانون حول هاته المادة ، بادر بعضهم الى الكولسة والإسراع في طلب التمديد لمدة سنة قبل أن تصبح ستة أشهر ، وبعد انتهائها تم حل المجلس بجميع هياكله وكأنه لا يوجد ، ما نتج عن ذلك البحث عن صيغة أخرى وهي التي أخرجت “بدعة” مشروع قانون إحداث لجنة مؤقتة لتسيير قطاع الصحافة والنشر ، في حين ما كان اللجوء الى كل ذلك ، لأنه في الأصل الولاية الأولى للمجلس لم تبتدئ في الأصل ، بل تلك كانت ولاية تأسيسية فقط ، وهذه الأمور معروفة عندما يتم تأسيس أي تنظيم خاصة الأحزاب السياسية ، إذ بعد المؤتمر تكون الولاية التأسيسية التي يتم فيها تشكيل الفروع الجهوية والإقليمية والمحلية بعد المكتب السياسي والمجلس الوطني ، ثم بعد انقضاء أربع سنوات يبتديء الأمين العام ولايته الأولى ثم الثانية بعد انتخابه ويعتبر ان الأربع سنوات الأولى هي ولاية تأسيسية ، في حالة المجلس الوطني للصحافة ، فالمادة السادسة واضحة ، لكن البعض خَتَمَ اللَّهُ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ وَعَلَىٰ سَمْعِهِمْ ۖ وَعَلَىٰ أَبْصَارِهِمْ ، وهرولوا الى الخروج الإعلامي بدون دراية وصاروا يشتكون من ظلم الأمانة العامة للحكومة ويتهمونها بالتواطؤ الذي جعلها تقوم بتأخير ميثاق اخلاقيات المهنة والنظام الداخلي وما الى ذلك من أمور ، والحقيقة أن المشرع منحهم اربع سنوات للقيام بكل ذلك وبعدها يباشرون عملهم ، دون الحاجة الى كل هاته الضجة ، ولكن وللأسف فات الأوان وصارت هاته المُكنة مستحيلة بعدما تم حل جميع الهياكل في الرابع من ابريل الماضي ، وصار المجلس الوطني للصحافة في نظر القانون وكأنه غير موجود .
الوزير يبحث عن البدائل للخروج من الفراغ المؤسساتي
برر المهدي بنسعيد، وزير الشباب والثقافة والتواصل، الضجة الواسعة التي أعقبت مشروع قانون احداث لجنة مؤقتة لتسيير قطاع الصحافة والنشر بالقول “كل من لا يتفق مع مشروع القانون، لم يقدم بديلا، ويطالبونني بتنظيم انتخابات، بينما لا سند قانوني يسمح لي بتنظيمها، قلتها وأعيدها، كنا مضطرون للمبادرة لاتخاذ القرار المناسب، حتى يستمر المجلس في أداء أدواره، ولحد الآن لم أسمع أي بديل، ولولا البديل الذي جاءت به الحكومة، سيتوقف المجلس فهل ستتحملون مسؤولية توقفه؟”.كان بنسعيد حينها يرد على مداخلات اعضاء لجنة الثقافة والاتصال بمجلس النواب ، حيث طالب بديلا عن مشروع القانون المذكور ثم برر اللجوء إليه لعدم وجود السند القانون لتنظيم الانتخابات ، والحقيقة أن السند القانوني موجود وواضح طبقا للقانون رقم 90/13 المتعلق بالمجلس الوطني للصحافة ، كل ما ينقص الوزير المحترم هو الاستشارة والاستماع لكافة الأطراف حتى لا يفقد حياده .
هناك قاعدة فقهية مشهورة تقول ” لا اجتهاد مع وجود النص ” ، في هذه النازلة المتعلقة بانتهاء ولاية المجلس الوطني للصحافة لا يوجد نص ، ما يعني أن الاجتهاد مباح ، ما يدل على أن قول الوزير بعدم وجود سند قانوني يسمح له بالدعوة الى تنظيم انتخابات المجلس الوطني للصحافة هو قول مردود عليه ، وحجته في الدفاع عن مشروع قانون احداث اللجنة المؤقتة لتسيير قطاع الصحافة والنشر هي حجة واهية ، وهي التي لا سند دستوري ولا قانوني لها ، اذ لا يمكن تعطيل قانون وتجميد مؤسسة ، والتقدم بقانون آخر يحل محل القانون الأول، فهذه سابقة لم يشهد لها تاريخ المغرب مثيلا ، والوزير طبعا معذور لأنه ليس من أهل الاختصاص ، وكما يقول ساداتنا الأفاضل “كلام العقلاء منزه عن العبث “
من المعلوم أنه وبتاريخ الرابع من أبريل الماضي انتهت ولاية أعضاء المجلس الوطني للصحافة ، ومع تعذر اجراء الانتخابات لتجديد هياكل المجلس حسب ما يشاع والحقيقة أن تم الامتناع عن الدعوة لاجراء الانتخابات وليس التعذر غير المبرر ، فلقد أصبح هذا المجلس في نظر القانون وكأنه غير موجود ، بعدما تم حل جميع لجانه ولم تعد له أي صلاحية للقيام بأي شيء ، وللخروج من هذا الوضع حتى لا يبقى هناك فراغ ، هناك مُكنة قانونية تم إغفالها وهي جد منطقية وسليمة ، اذ سيتم الرجوع إلى الأحكام الانتقالية الموجودة بالقانون المتعلق بالمجلس الوطني للصحافة ، كما لو اننا نوجد بين عامي 2016 و 2018 ، أي تاريخ نشر مدونة الصحافة والنشر بالجريدة الرسمية ، وتاريخ قبل تأسيس المجلس الوطني للصحافة ، بحيث هنا يتم تفعيل المادة 54 من القانون 90/13 المتعلق بالمجلس الوطني للصحافة والتي تقول ” تشرف على عملية انتخاب ممثلي الصحافيين المهنيين وناشري الصحف لجنة تتولى الاعداد التقني واللوجيستيكي لعمليات الانتخاب وحصر لوائح الهيئة الناخبة وتلقي الترشيحات وبصفة عامة الاشراف على سير وتنظيم جميع مراحل انتخاب أعضاء المجلس الى غاية الإعلان النهائي عن النتائج ……” الخ المادة
ومن أجل أن يبقى المجلس مستمرا في أداء أدواره خاصة فيما يتعلق بإصدار البطائق المهنية ، فهناك المادة 56 من القانون ذاته والتي تقول ” في انتظار تنصيب المجلس ، تستمر المصالح الإدارية المكلفة بالمهام الموكولة إليه …..” الخ المادة ، والاجتهاد القانوني في هذه النازلة يجعلنا نفسر المصالح الإدارية، هي تلك الموجودة حاليا بمقر المجلس الوطني للصحافة ، مع إضافة ممثل عن وزارة التواصل للقيام بمهمة ترؤس لجنة منح البطاقة المهنية والقيام بحل الملفات العالقة الى غاية تنصيب مجلس جديدة، او الى غاية إحداث لجنة مؤقتة طبقا لما هو مشار اليه في المادة 54 تناط بها حصرا مهمة القيام بالاعداد والتنظيم والاشراف على الانتخابات ، هذا حل اول .
لجنة مؤقتة بعيدة عن الخرق الدستوري
لقد أصبح مشروع قانون إحداث لجنة مؤقتة لتسيير قطاع الصحافة والنشر واقعا شبه مفروض رغم الانتفاضة العلمية لجميع القوى الحية بما فيهم وزراء سابقون في الاتصال ، ومن أجل حفظ ماء الوجه وحماية دستور المملكة من أي خرق ، ومع بداية الجلسة الثانية للمناقشة في مجلس النواب ، هناك صيغة مقبولة للتعديل والتي تتماشى مع القانون المتعلق بالمجلس الوطني للصحافة ، هذا طبعا إن كانت نية الوزير صادقة وصافية ، وكان فعلا محايدا كما يقول ، ولا ينتصر لجهة على جهة ، بل ينتصر فقط للدستور وللقانون .
إن الحل السليم في اطار الاجتهاد بعد الحل الأول أعلاه ، هو الرجوع الى الفقرة الثانية من المادة 9 من القانون رقم 90/13 المتعلق بالمجلس الوطني للصحافة والتي تقول ” ….تشرف اللجنة المشار إليها في المادة 54 من هذا القانون على إحداث لجنة مؤقتة يعهد إليها بالقيام بمهام المجلس الى حين تنصيب المجلس الجديد ، ويتم تعيين أعضاء اللجنة المنصوص عليها بالمادة 54 المذكورة للإشراف على تنصيب المجلس في أجل أقصاه ستة (6) أشهر ابتداء من تعيين أعضائها “
ومن أجل أن تكون هذه الفقرة الثانية سليمة من الناحية القانونية ، سيتم اعتبار البلاغ المشترك الخير للفدرالية المغربية لناشري الصحف والجامعة ، هو بمثابة امتناع عن حضور الاجتماعات ، وفي هذه النازلة لا يمكن لرئيس المجلس المنتهية ولايته اخبار الإدارة قصد المعاينة ، وبالتالي تعتبر الإدارة في شخص وزيرها قد احيطت علما بذلك ويتم النشر في الجريدة الرسمية كما هو منصوص عليه في الفقرة الأولى من المادة 9 من القانون ذاته
كل هذه حلول منطقية وسليمة من الناحية القانونية ، إذا كانت النواية صادقة والهدف هو التجميع بدل تشتيت المشتت وتفتيت المفتت ، ففي النهاية قوة المهنة تكمن في التجميع بدل هذه التفرقة وإقامة معسكرات واصطفافات الهدف منها هو البحث عن المصلحة الخاصة مع تغييب المصلحة العامة ، والمصلحة العامة حاليا يجب ان تكون بأفق استراتيجي يخدم المصالح العليا للوطن وليست بأفق “خبزي ” يخدم المصالح الشخصية للبعض .
إرسال التعليق