
الأنباء بوست / حسن المولوع
وجد رئيس النقابة الوطنية للصحافة المغربية ، عبد الله البقالي ، نفسه في موقف حرج أمام سيل من الأسئلة المحرجة التي طرحتها عليه الصحافية هاجر الريسوني ضمن برنامجها الذي تعده وتقدمه على قناة اليوتيوب تحت اسم بين قوسين، إذ بدا عاجزا عن تقديم أجوبة مقنعة ومنطقية وقانونية ، مستعملا في ذلك كلاما عاما فيه الكثير من الجهل بالقانون مع الكثير من التنطع حتى يظهر بمظهر الجهبيذ والنحرير لكن الحقيقة قد ظهر بمظهر من ذكرهم القرآن الكريم “لَهُمْ قُلُوبٌ لَّا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَّا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لَّا يَسْمَعُونَ بِهَا ۚ أُولَٰئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ ۚ أُولَٰئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ”
ومن بين الأسئلة المطروحة هو سؤال متعلق بمشروع قانون إحداث اللجنة المؤقتة لتسيير قطاع الصحافة والنشر الذي أثار جدلا واسعا واستنكارا كبيرا من قبل القوى الحية داخل المجتمع ، وذلك بالنظر لمخالفته للدستور ، حيث طرحته الزميلة الريسوني بذكاء ، لكن البقالي لم يجب على السؤال بذكاء وورط نفسه من حيث لا يدري ، وبدا كما لو أنه ضد دستور المملكة المغربية وكل من يدافعون عنه ، وظهرت حجته في ذلك على أنها حجة واهية لا تستند على أساس مثين أشبه ببيت العنكبوت .
حاصرت هاجر الريسوني عبد الله البقالي بسؤال دقيق حشره في الزاوية ، وهو سؤال من داخل فصول دستور المملكة المغربية والقانون المحدث للمجلس الوطني للصحافة الذي صادق عليه البرلمان بغرفتيه ، قائلة :
هناك من يقول أن فلسفة المجلس الوطني للصحافة هي الاستقلالية لكن عندما ستقوم الحكومة بتعيين أعضاء اللجنة فهي تضع يدها على المجلس وبالتالي لا توجد تلك الاستقلالية ما رأيك في ذلك ؟
لم يجد عبد الله البقالي أمام هذا السؤال العاصف غير الالتجاء لقاموس الجهل وهو رئيس للنقابة الوطنية للصحافة وعضو سابق بالمجلس الوطني للصحافة ورئيس سابق للجنة منح البطاقة المهنية ، أي هو من يقرر في الصحافيين بين هذا مهني والآخر لا ، فكان جوابه مثل جواب رجل يجلس في المقهى في احتقار لدستور المملكة المغربية ، واصفا كلام المدافعين عن الدستور بالكلام الشعبوي والسياسوي، وضاربا عرض الحائط بما يذكره الفصل 28 منه ، كما لو أنه هو وحده من يفهم دون غيره وانه مختص في القانون الدستوري ، إذ كان جوابه كالآتي :
” لا يجب علينا احتقار الناس ، لا تعتقدوا ان أعضاء المجلس الوطني الذين تم تعيينهم في هذه اللجنة بهذا الذل وهذا الاحتقار انهم لا يمكن ان يكونوا في ايادي هذه الحكومة، نحن تمرسنا على النضال وعلى المواجهات، ولا نعتقد ان أي حكومة بما فيها حكومة البصري سنكون في خدمتها، هذا كلام شعبوي وكلام سياسوي وليس حقيقي، ستلاحظون المواقف التي سيتم التعبير عليها هي التي ستكون وتعديلات القوانين التي يجب ان تكون هي التي ستكون”
جواب كهذا هو جواب غارق في الجهل فالصحافية الريسوني سألته ضمنيا عن السند القانوني لمشروع قانون إحداث تلك اللجنة ومدى ملاءمتها مع منطوق الفصل ال 28 من الدستور ولم تسأله عن أشخاص بعينهم ولا عن نفسه ، وأيضا سؤالها كان يتأسس على القانون رقم 90/13 المتعلق بالمجلس الوطني للصحافة وبالضبط في مادته الأولى التي تقول ضمن إحدى فقراتها ” تطوير الحكامة الذاتية لقطاع الصحافة والنشر بكيفية مستقلة وعلى أسس ديمقراطية ” ، أما الفصل 28 من دستور المملكة المغربية وهو الذي تأسس عليه أيضا سؤال الصحافية فيما يتعلق بدور الحكومة في هذا الباب ، فيقول ” تشجع السلطات العمومية على تنظيم قطاع الصحافة،بكيفية مستقلة، وعلى أسس ديمقراطية، وعلى وضع القواعد القانونية والأخلاقية المتعلقة به.“
فما الذي يمكن لنا أن نستنتجه من منطوق الفصل 28 من الدستور المغربي ومن المادة الأولى من القانون رقم 90/13 المتعلق بالمجلس الوطني للصحافة ؟
نستنتج بكل بساطة ، أنهما يجتمعان في التأكيد على الإستقلالية، وعلى الأسس الديمقراطية ، فالإستقلالية تعني التنظيم الذاتي دون تدخل الحكومة ولا الأحزاب السياسية او غيرهما ، والأسس الديمقراطية تعني الانتخابات والتداول على التسيير ، وكل هذا، ليس فيه لا تعيين ولا إملاءات ، فيه تشجيع على تنظيم قطاع الصحافة والنشر دون أدنى تدخل من السلطات العمومية، والتشجيع يعني القواعد القانونية والأخلاقية المتعلقة بالقطاع مع إبداء المجلس الوطني للصحافة الرأي فيها ، وهذا ما لا يريد عبد الله البقالي أن يستوعبه ولذلك فهو دائما في حالة شرود تام ، وشروده هذا يجعلنا نعامله كتلميذ نشرح له بالخشيبات ، وهذا الأمر لا يفرحنا بل يحزننا لأننا نريد أن يكون لدينا نقيب من الوزن الثقيل نتعلم منه ونقتدي به وتكون أعناقنا مشرئبة حين يتكلم ، وكلامه يكون حكيما ويكون لنا مرجعا ، ولكن للأسف خاب الأمل .
اما فيما يتعلق بالقوانين وتعديلها ، فالمجلس الوطني للصحافة ليس له الحق في ذلك ولا أي لجنة تقوم مقامه ، ذلك أن المادة 2 من القانون ذاته المتعلقة بباب المهام والاختصاصات فإنها تشير إلى ” إبداء الرأي في شأن مشاريع القوانين والمراسيم المتعلقة بالمهنة أو بممارستها ، وكذا في جميع القضايا المعروضة عليه من لدن الإدارة ” وأيضا ” اقتراح الإجراءات التي من شأنها تطوير قطاع الصحافة والنشر وتأهيله وتحديثه “
يمكن أن نستنتج من ذلك أن عبد الله البقالي الذي يصرخ حاليا في كل خارجاته مناديا بتعديل القوانين ، أن صرخته في واد وما يقوله القانون في واد آخر لا يقوى على السباحة فيه او ربما يجهله ، فالإدارة التي هي القطاع المكلف بالتواصل لم يقدم للمجلس الوطني للصحافة خلال ولايته أي مقترح بخصوص تلك اللجنة لابداء الرأي فيه قبل نهاية الولاية ، ولم يقدم المجلس المذكور طيلة الأربع سنوات أي اقتراح من شأنه تطوير قطاع الصحافة والنشر وما يصرخ به البقالي حاليا ، فلماذا ينادي اليوم بتعديل القوانين بعد نهاية ولايته ولم يحترم هو ومن معه الأسس الديمقراطية ؟ سؤال سيظل مقتوحا سيجيب عنه الراي العام أما البقالي فمصابيح عقله ربما انطفأت
استمرت هاجر الريسوني في طرح الأسئلة المحرجة بذكاء وفي منتهى الدقة ، إذ طرحت السؤال التالي : هل إصلاح القوانين التي تتحدث عنها ، يلزم بالضرورة إحداث لجنة مؤقتة تعينها الحكومة ، لماذا لا يكون انتخاب مكتب جديد ويتم العمل على إصلاح القوانين بعد الانتخابات ؟
وهنا بُهت البقالي ، وعجز عن الجواب مستعملا لغته الخشبية لتفادي الإحراج ، لأن السؤال منطقي ودقيق ، بحكم أن إحداث اللجنة المذكورة سيقوم على ضياع وقت كثير وتعطيل مؤسسة التنظيم الذاتي للمهنة بقوانينها القائمة، وأن ذلك يسير في اتجاه الوقوف ضد إرادة الصحافيين الذين لهم الحق وحدهم في اختيار من يمثلهم وأنهم هم المعنيون بتعديل القوانين وليس البقالي ومن معه ، لأن القانون يهم المهنة والمهنيين ، فالمنطقي هو إجراء الانتخابات بشكل طبيعي ، واختيار من يمثل الصحافيين للقيام بذلك من أجل تنظيم المهنة ،لكن بدا البقالي خلال الحوار بأكمله أنه لا يريد تنظيم المهنة بل يريد التحكم في المهنة وفي الصحافيين والصحافيات ، واتخاذ مؤسسة المجلس الوطني للصحافة ، مؤسسة زجرية وعقابية مع اعتماد بطاقة الصحافة المهنية كوسيلة للضغط على الصحافيين المزعجين له وليس للمخزن فالمخزن أرحم منه بكثير ، فإذا لم يسر الصحافيون في في الاتجاهات التي حددها البقالي ومن معه فإن مصيرهم هو عدم حصولهم على بطائقهم المهنية او سحبها منهم عن طريق لجنة أخلاقيات المهنة، التي بالمناسبة هو عضو ضمنها ، بمعنى أنه هو الخصم وهو الحكم ، فهو الذي يقرر منح البطاقة وهو الذي يقرر سحبها ، واذا أراد المتضرر من القرار أن يطلب مساندة النقابة الوطنية للصحافة المغربية باعتبارها التنظيم المهني الأكثر تمثيلية كما يقال، فإنه سيجد البقالي هو نفسه رئيسا لهذه النقابة ، وبالتالي فهذا تحكم في المهنة والمهنيين، تقوم الحكومة حاليا بتزكيته عن طريق مشروع القانون المذكور ، وتريد إعادة نفس التجربة السابقة والفاشلة التي خلقت المجلس الوطني للصحافة المنتهية ولايته عبر إحداث لجنة مؤقتة لتسيير قطاع الصحافة والنشر بأشخاص مثل البقالي، هم في الأصل يوجدون في حالة تنافي ، وهذه التجربة الفاشلة لن تنتهي الا بانتخابات جديدة ، وهذا ما يخشاه البقالي لأنه يعلم علم اليقين أن نقابته او بالأحرى هو لن يحصل على ما يضمن له البقاء رغم ادعائه انه يملك فروعا ، ولهذا السبب فهو يطلب دعم جمعية إدريس شحتان ليضمن لنفسه البقاء والاستمرار في الكرسي .
زادت عزلة البقالي وخوفه الشديد عند تأسيس جمعية لحلو مؤخرا و التي تضم الإذاعات الخاصة ، وهذا ما يفسر توجيه التهديد والوعيد لجهات معينة وكأنه يقول لهم ” إذا لم أستمر على الكرسي فإنني سأقوم بالتصعيد ” والذين تابعوا الحوار سيلاحظون هذا ويقرؤون ما بين السطور ، ولكن من يعرف قوة البقالي سيكون متأكدا من أن الرجل انتهى وما ذلك إلا مجرد شطحات يقوم بها ، فحتى بقاؤه لولاية ثانية على رأس النقابة الوطنية خلال مؤتمر سنة 2019 ، تم بإرادة الاتحاديين الذين وضعوه ولم ينتخبوه وعند إعلان النتيجة أجهش بالبكاء لأنه كان خائفا حينها، والذين وضعوه ليكون مرشحا وحيدا هم من سيخلعوه، ولذلك نجده وحده من يخرج للساحة الإعلامية لتبرير ” ذبح الدستور ” حتى الذين هم في حزب الاستقلال تبرؤوا من سلوكاته ومزاجيته ، ويتحدثون في صالوناتهم السياسية عن رفضهم القاطع لمشروع قانون احداث اللجنة المؤقتة لتسيير قطاع الصحافة والنشر ، لأنهم لا يريدون لحزبهم الوطني أن يسجل عليه مخالفته لدستور المملكة ، فحزب الاستقلال هو المدافع الأول عن الدستور دون أن ننسى حزب الاتحاد الإشتراكي للقوات الشعبية ، فالحديث هنا عن أشخاص أصابتهم ” اللهطة” وليس عن مؤسسات ، حتى النقابة الوطنية للصحافة المغربية ومن يوجدون بها لا يتفقون مع عبد الله البقالي ، لأن تاريخ النقابة ومواقفها أكبر منه ومن غيره .
لقد ظهر البقالي خلال الحوار ذاته أنه رجل لا يؤمن بالروح الجماعية ، ويقرر خارج النقابة التي يرأسها بدليل انه عندما تحدث عن المساعي التي قام بها لإطلاق سراح المعتقلين ، أكد على أن المبادرة كانت شخصية منه وليست مؤسساتية ، فهو يريد أن يظهر بمظهر بطولي اعتقادا منه أنه سيستغل مروره مع هاجر الريسوني لتبييض وجهه ويشفع له ذلك عند الجهة الأخرى التي ظلت تلوم النقابة الوطنية للصحافة المغربية طيلة سنوات ، متناسيا أنه هو المسؤول ، واذا لم يعجبه أي قرار بخصوص البلاغات الصادرة فإنه يستقيل ، لكنه لن يستطيع لأنه سيفقد التعويضات والامتيازات ، وبذلك فهو يضع رجلا هنا ورجلا هناك
تحدث عن التشهير وزعم أنه يرفضه من طرف بعض المنابرالاعلامية ولكنه في الآن ذاته لم يستطع إصدار أي بلاغ او موقف رافض ومستنكر عندما تعرضت نائبته للتشهير وتم وصفها بالعاهرة عبر تحريف إسمها
خلال الحوار ذاته بدا البقالي شاردا وتائها ، وفي شروده ورط نفسه عندما أقر بوجود خروقات في محاكمة كل من الصحافي الريسوني والصحافي عمر الراضي ، وقال إنهما لم يتمتعا بمحاكمة عادلة ، وهو لم يطلع لا على الملفين ولم تكن نقابته حاضرة طيلة أطوار جلسات المحاكمة عبر تعيين مراقب من طرفها من أجل مده بتقرير يتضمن خلاصات المحاكمة ، بل الأكثر من ذلك لم يصدر أي بلاغ من طرف نقابته يقر بذلك ، في ذلك الوقت ، فلماذا بالضبط في هذا الوقت يقول هذا الكلام ؟ وبالطبع فإننا نستنتج من كلامه هذا ، هو عبارة عن خلاصة لمقولة شهيرة يقول معناها ” غادي تخليوني في الكرسي ولاغادي نرونها ” ، فهو يعطي رسائل مشفرة بأنه إن فقد منصبه فسيتحول من مكان الى مكان آخر وهذا ما يفسر مروره بالضبط مع هاجر الريسوني ، وقبلها مع حميد المهدوي حينما ذكر في وقت قضية بيغاسوس أن جميع هواتف الصحافيين والسياسيين والحقوقيين تخضع للمراقبة او التجسس من طرف جهات لم يحددها بالإسم ، كنا نعتبر في ذلك الوقت أن ما تلفظ به مجرد زلة لسان لكنه عاد ليؤكدها بطريقة ناعمة بين قوسين ضمن برنامج بين قوسين لهاجر الريسوني .

شارك هذا المحتوى