
الأنباء بوست / حسن المولوع
في كل مرة نظن أن الضجيج قد هدأ، يطلّ علينا مهرّج سئم النسيان، يبحث عن أي نافذة للعودة، ولو على جثة الاحترام والمهنية. وهالة سرحان، التي كانت يومًا ما تتقمّص دور الإعلامية، قررت أن تتخلّص من آخر قناع متبقٍّ لها، وتسقط في مستنقع الإسفاف، علّها تحظى بلحظة انتباه من جمهور اعتاد أن يدوس على مثيلاتها دون اكتراث..
أرادت هالة أن تُحدث “هالة” إعلامية بعدما طوَتها آلة النسيان، وظنّت أن الشهرة ستمنحها صكا مفتوحًا للتطاول على الشعوب، وأن الأضواء تتيح لها توزيع الاتهامات والشتائم كما تشاء، دون رادع من منطق أو مساءلة من ضمير. فهي التي عاشت أعوامًا تتنقّل بين الاستوديوهات كراقصة على حبل الإثارة الرخيصة، وظنّت أن ولاءها الأعمى لاسمٍ ما يمنحها الحق في القفز على كرامة شعب بأكمله. وكأن المغرب، الذي طالما فتح لها أبوابه ومنحها الاحترام والتكريم، قد صار عندها مجرد ورقة تحرقها في مزاد الولاءات. فقررت، دون خجل، أن ترتدي رداء المتنمّرين، وأن تلعب دور المدافع الأعمى عن الباطل، فأساءت إلى شعب لم يُسِئ إليها يوما، بل احتفى بها وفتح لها منابر التكريم والمهرجانات…
إن أشدّ أنواع الانحطاط الإعلامي أن تتحوّل المنابر إلى منصّات لتفريغ العقد، وأن ينسلخ المرء من أبسط مبادئ الحياد ليصطفّ كصبيٍّ في سوق المهاترات. فمنذ أن أطلت علينا هذه “الإعلامية”، وهي تتقن فن الصخب أكثر مما تتقن فن الحوار، وتتفنّن في إثارة الجدل أكثر مما تقدم من محتوى يحترم العقول. ولكن هذه المرة، لم تختر ضحية من داخل الاستوديو، ولم تدّعِ أنها “تمثّل صوت الناس”، بل قرّرت بكل صفاقة أن تمسّ شعبًا بأكمله، دفاعا عن نجمٍ اختارت أن تحوّله إلى “حالة مقدّسة” لا تُمسّ، حتى وإن كان الخلاف شخصيًا لا يخصّ إلا طرفيه…
لنعد قليلًا إلى الوراء، إلى تلك السنوات التي كانت فيها هالة سرحان تتغنّى بمغرب الفن والجمال، وتشارك في مهرجاناته، وتجني من دفء استقباله أكثر مما جنت من أي بلد آخر. حينها، لم تجد في المغاربة إلا شعبا كريما وذوقا رفيعا، ولم تجد في أرضهم إلا بساطا مفروشا بالاحترام والتقدير. فماذا تغيّر اليوم؟ أم أن الأضواء حين تخفت، يبحث أصحابها عن حطبٍ جديد لإشعالها، حتى وإن كان الحطب سمعة وطن بأكمله؟
أليس هذا ديدن من أدمنوا الضوء الزائف؟ من أفسدتهم الشهرة حتى لم يعودوا يفرّقون بين الوقار والصخب؟ ها هي اليوم، تخلع عنها رداء الموضوعية، لتكشف عن حقيقتها المبتذلة، وتلجأ إلى أبسط وسائل إثارة الجدل والمتمثلة في الإساءة العلنية، علّها تستدرج ردود الأفعال التي تعيد اسمها إلى التداول، ولو كمادة للسخرية والاستنكار..
فما أشدّ بؤس من كانوا يومًا يُحسبون على الإعلام، ثم انتهى بهم الحال كأصوات مستأجرة، ترفع عقيرتها كلما احتاجت إلى “فتات الاهتمام”. وما أتعس من ظنّوا أن الشعوب تُقاد بتغريدة رعناء، أو أن الدول تهتزّ بعبارات مرصوصة تحت تأثير الحميّة العمياء..
إن أخطر ما يمكن أن يقع فيه إعلامي، هو أن يتحوّل إلى بوقٍ للتجييش، أن يبيع صوته لمن يدفع أكثر، أو أن يسخّر قلمه ليخوض معارك ليست معاركه، فيصبح مهرجا بدلا من أن يكون صحفيا، ومؤديا بدلا من أن يكون ناقلا للحقائق..
أما المغاربة، الشعب الطيب والاصيل ، فلن تؤثّر فيهم شتائم مغلّفة بلغة التغريدات، ولن تهزّهم تعليقات هوجاء كُتبت تحت تأثير العصبية العمياء. فهم شعب يعرف تاريخه جيدًا، ويدرك أن العظماء لا يلتفتون إلى من يحاول النيل منهم بحروف خاوية..
أما المغرب العظيم ، فلطالما كان صبورا على أمثالها، يبتسم حين يكرّمهم، ويصمت حين يتطاولون، ليس ضعفًا، بل لأنه يدرك أن الكبار لا يشتبكون مع صغار العقول. لكن، حين يسقط القناع، يُترك الساقط لمصيره، بلا رد، بلا التفات، تمامًا كما تفعل الشعوب مع كل من احترفوا التسوّل على أبواب الفضائح…

شارك هذا المحتوى