
الأنباء بوست / حسن المولوع
كثر الجدل حول الأستاذ حميد المهدوي منذ أكثر من سنة، وتحديدا بعد استضافته لشامة درشول، حيث روج البعض لفكرة أنه ليس صحافيا بل مجرد يوتيوبر. والسبب في ذلك إما أنه لا يعجبهم أو لا يتفقون معه، وإما أنهم عجزوا عن تحقيق شعبية وتأثير مثله، خاصة أن لديه قاعدة جماهيرية واسعة تتابع منتوجه الإعلامي بشغف.
وعلى الرغم من أن صفة “يوتيوبر” ليست تحقيرا ولا انتقاصا من ممارسيها، باعتبار أنهم جزء من المشهد الإعلامي ويؤثرون في الرأي العام، خصوصا أولئك الذين يناقشون الأفكار بدلا من الذين يستخدمون المنصة للتشهير والطعن والابتزاز، إلا أن الجدل في حالة المهدوي يتجاوز هذه التصنيفات إلى محاولة الطعن في هويته المهنية.
هذا اللغط، الذي تثيره فئة قليلة تعادي خطه التحريري وشعبيته، يغفل نقطة أساسية وهي أن حميد المهدوي ليس فقط صحافيا، بل هو أيضا مدير نشر موقع “بديل”، وهي صفة منحته إياها النيابة العامة المختصة بناء على الشروط الدقيقة التي حددها المشرع في المادة 16 من القانون رقم 88.13 المتعلق بالصحافة والنشر، وتجريده من هذه الصفة لا يكون إلا بحكم قضائي.
وبما أن القانون يشترط أن يكون مدير النشر بالضرورة صحافيا مهنيا وحاصلا على الأقل على إجازة، فإن المهدوي الذي يحمل إجازتين ودبلوما في الصحافة وماستر يستوفي كل الشروط القانونية. وحتى التهمة التي دخل بسببها السجن، وهي عدم التبليغ، لا تسقط عنه صفته الصحافية، لأن القانون حدد بشكل دقيق التهم التي تستوجب إسقاط الصفة الصحافية، ولم تكن قضيته ضمنها.
هناك من يدعي أن ما يقدمه المهدوي عبر قناته لا يندرج ضمن العمل الصحفي ، لكن ، عند تحليل المواد التي يقدمها عبر منصة يوتيوب ومقارنتها بالمادة 1 من القانون 88.13، نجد أنها تتطابق تماما مع مفهوم العمل الصحافي، حيث يقوم بجمع المعلومات والمعطيات وبثها لمشاهديه في إطار مادة إعلامية تشمل الإخبار، التحليل، والتعليق، وكل هذه الأشكال تندرج ضمن الأجناس الصحافية المتعارف عليها.
إن قناته على يوتيوب تُعتبر امتدادا طبيعيا لصحيفته الإلكترونية، والدليل على ذلك أن الصحيفة الإلكترونية وحدها تحصل على ترخيص التصوير من المركز السينمائي المغربي، كما أنها تخضع للقوانين المنظمة للاتصال السمعي البصري. وعلى الرغم من أن هذه القوانين لم تُفعّل بعد، إلا أنها تُقر بأن الصحافة الإلكترونية لا تقتصر على الكتابة، بل تشمل أيضا الإنتاج السمعي البصري، ويوتيوب ليس سوى وسيلة لترويج هذا المحتوى الإعلامي.
في الماضي، كانت الصحف الورقية تعتمد على شركات التوزيع مثل شوسبريس وسابريس، ولم يكن أحد يحاسب هذه الشركات على محتوى الصحف التي توزعها، بل كان مدير النشر هو المسؤول. وبالقياس على ذلك، فإن وضع يوتيوب اليوم وفيسبوك هو مجرد امتداد لنفس الفكرة، أي أنهما منصات توزيع. والمتابعة القانونية لحميد المهدوي بناء على القانون الجنائي بدلا من قانون الصحافة والنشر تثبت أن الأمر ليس مجرد جدل مهني، بل هو جزء من صراع أكبر حول حرية الصحافة.
إن امتناع اللجنة المؤقتة منحه البطاقة المهنية لا يعني أنه منتحل صفة، لأن صفة مدير النشر ممنوحة له قانونيا من طرف النيابة العامة المختصة، وهو بذلك صحافي مهني بحكم القانون، بغض النظر عن البطاقة المهنية، لأنه يتوفر على تصريح رسمي. فعدم منحه البطاقة يمثل تجريدا من حق مكتسب وشططا في استعمال السلطة واستغلالا للنفوذ، لكنه لا يغير حقيقة وضعه القانوني. علما أن حميد المهدوي كان يحصل على البطاقة المهنية لسنوات، وفقا لنفس القانون، وبالتالي فإن حرمانه منها الآن هو إجراء مزاجي من لجنة مؤقتة مكلفة فقط بتصريف الأعمال، وليس باتخاذ قرارات مصيرية.
دور هذه اللجنة هو الإبقاء على الوضع كما كان عليه إلى حين إجراء انتخابات لتجديد هياكل المجلس الوطني للصحافة. فما الذي تغير بين الأمس واليوم، بينما القانون نفسه لم يتغير؟ وحتى لو حصل تغيير قانوني، فلا يمكن تطبيقه بأثر رجعي، لأن البطاقة المهنية حق مكتسب. ولكن، للأسف، كثيرون لا يدركون هذه الحقائق القانونية.
الأمور أصبحت واضحة اليوم، فالمؤسسة التي كان يُفترض أن تحمي الصحافيين باتت تحاول تجريدهم من صفتهم المهنية، في إطار تصفية الحسابات. وهذا ليس بجديد، فقد استُخدم الأسلوب نفسه مع الراحل خليل الهاشمي الإدريسي، المدير العام لوكالة المغرب العربي للأنباء، حين أراد البعض تصفية الحسابات معه.
في ذلك الوقت، تم تجييش بعض المواقع إلكترونية، ووصل الأمر حد الامتناع عن منح البطاقات المهنية لكافة صحافيي وكالة المغرب العربي للأنباء. والسبب؟ تأسيسه لقناة وإذاعة تابعتين لـ”لاماب”، وهاتان الدعامتان أثارتا مخاوف فيصل العرايشي، مدير القطب العمومي، الذي رأى فيهما تهديدا لمكانته.
ولا يخفى أن فيصل العرايشي صديق مقرب جدا ليونس مجاهد، وهو ما يطرح عدة تساؤلات حول طبيعة هذه الصراعات.
إن الجدل الدائر حول حميد المهدوي ليس مجرد نقاش مهني حول طبيعة عمله، بل هو جزء من معركة أوسع تتعلق بحرية الصحافة واستقلاليتها. فمحاولة تجريده من صفته الصحافية، رغم استيفائه لكل الشروط القانونية، تعكس إشكالية أعمق تتعلق بإدارة القطاع الإعلامي ومعايير الإنصاف والشفافية داخله.
الصحافة الحرة ليست امتيازا تمنحه اللجان، بل هي حق أصيل يحميه القانون، وأي محاولة لتقييدها تعني المساس بجوهر الديمقراطية. لذا، فإن الإنصاف في التعامل مع الصحافيين، بعيدا عن الحسابات الضيقة، يظل ضرورة لحماية هذه المهنة وضمان استمرار دورها الحيوي في المجتمع.

شارك هذا المحتوى