
الأنباء بوست / حسن المولوع
من يذكر المختار الغزيوي كصحفي؟ لا أحد تقريبا. فهو لم يكن يوما صوتا جريئا قمعته آلة السلطة، ولم يحمل قضية يدافع عنها أو رسالة يناضل من أجلها. بل اشتهر فقط بخرجاته المثيرة، كتلك التصريحات التي نخجل حتى من تكرارها. هو مجرد صوت يردد مقالات سطحية في جريدة لا يقرؤها أحد، حتى لفظت أنفاسها الأخيرة وماتت في صمت عندما تولى إدارتها. واليوم، بعدما أدرك أن الصحافة الحقيقية لا تدر امتيازات، قرر أن ينزلق إلى مستنقع الباب الخلفي الذي يهرب إليه كل من أُغلقت في وجهه أبواب الصحافة.
السؤال الذي يطرح نفسه بإلحاح: هل صحيح أن المختار الغزيوي يمتلك شركة إنتاج كما يروج حاليا؟ وإذا كان يملك ذرة من الجرأة، فليخرج إلى الرأي العام ويكشف حقيقة الأمور، خاصة أننا نراه يترنح كثيرا في كل ما له علاقة بالقطاع الرياضي والمونديال وتمجيد فوزي لقجع، علما أن هذا المجال يستهلك ميزانيات ضخمة على الأفلام المؤسساتية، وتنظيم اللقاءات والمؤتمرات، وغيرها من الأنشطة التي تفتح شهية الطامعين. كما نلاحظ تمجيده المبالغ فيه لبعض القطاعات الحكومية، التي تحتاج أيضا إلى الأفلام المؤسساتية وتنظيم اللقاءات والمؤتمرات، وغيرها من الأنشطة المذرة للأموال.
لقد أصبحنا في زمن يتستر فيه البعض خلف ستار “الإنتاج” وشركات التواصل لنهب المال العام عبر قنوات ملتوية، حتى إن بعضهم يؤسس شركات باسم زوجته أو أحد أقاربه، ليضغط بعد ذلك من وراء الكواليس لتلقي الصفقات والامتيازات. فهل أصبح الغزيوي مستثمرا جديدا في هذا المجال، أم أنه مجرد حلقة أخرى في هذه المنظومة؟
ثم هناك سؤال أكثر إحراجا: هل يملك المختار الجرأة ليكشف للرأي العام حجم المبالغ التي كان يتلقاها شهريا من الوزارة في زمن كورونا وحتى أواخر 2024 كمدير نشر، قبل أن يبدأ في إعطاء الدروس للصحافيين؟ فالصحافيون الحقيقيون لم يكونوا بحاجة إلى الدعم، لأنهم كانوا منشغلين بأداء رسالتهم، لا بحساب أرصدتهم البنكية. أما من احترفوا التسوّل باسم الإعلام، فقد كانوا ينتظرون الدعم الحكومي كما ينتظر المرتزق أجره.
الأغرب من كل هذا أن الغزيوي وبعض أعضاء الجمعية “المعلومة” يرون الإعلام تجارة، فبعضهم دخل عالم الإنتاج السينمائي والتلفزيوني، بينما الصحفيون الحقيقيون يرون الإعلام رسالة. علما أن تلك الجمعية هي التي تستولي حاليا على قطاع الإعلام وتهيمن على اللجنة المؤقتة لتسيير شؤون قطاع الصحافة، وتستخدم هذه اللجنة كأداة لتصفية الحسابات مع كل من يمس الحكومة التي تمولها، تماما كما حصل مع زميلنا حميد المهدوي مؤخرا. فأعضاء الجمعية يمجدون القطاعات الحكومية للحصول على الأفلام المؤسساتية، بينما حميد المهدوي وأمثاله من الصحافيين الذين يحملون الرسالة يكسرون صنم التمجيد. هنا يكمن جوهر الفرق بين من يكتب لأنه صاحب قضية، ومن يكتب لأن لديه حسابات بنكية تحتاج إلى الانتعاش.
فما علاقة الإنتاج بالصحافة؟ لو طُبّق القانون بحذافيره، فإن تعريف الصحافة واضح، ولا يمكن لأي شخص أن يحصل على بطاقة الصحافة المهنية إن لم يكن يزاول المهنة بصفة رئيسية، أي دون الجمع بينها وبين مهن أخرى. ومن يمتلك شركة تواصل أو إنتاج لا يحق له قانونيا الحصول على هذه البطاقة. فهل يملك يونس مجاهد، رئيس اللجنة المؤقتة لتسيير القطاع، الجرأة لفتح هذا الملف الشائك؟ أم أن الأمر يقتصر فقط على ممارسة “الحكرة” على من يعتبرهم الحلقة الأضعف، بينما يوفر الحماية والغطاء لمن ينتقلون من “التحرير” إلى “الإنتاج”، لتأسيس مرحلة جديدة من مراحل “التكسب”؟ مع العلم أن مثل هؤلاء يواصلون الحصول على الدعم المخصص للصحافة لصحفهم الميتة، ويشنون حروبا على المقاولات الصغرى والمتوسطة حتى يتم إقصاؤها من ذلك الدعم ليبقى لهم كاملا.
الصحافة الحقيقية لا تموت، لكن بعض منتحلي صفتها يتحولون إلى سماسرة، يتنقلون بين الصحف، ثم إلى شركات الإنتاج، ثم إلى مكاتب العلاقات العامة، بحثا عن موطئ قدم في دوائر السلطة والمال. وإن كان الغزيوي صادقا فيما يدّعيه، فليخرج إلى العلن وليكشف عن ممتلكاته ومصادر أمواله، وليوضح للرأي العام حقيقة انتقاله من صحفي فاشل إلى “منتج ناجح”، أو أن ما يُروَّج غير صحيح. أما أن يعطي الدروس لغيره، فالأجدر أن يستفيد هو أولا من تلك الدروس.
أما مواصلة التواري خلف ستار العلاقات والصفقات، وإيهام الناس بأن المونديال سيحقق قفزة نوعية لاقتصاد البلاد، بينما هناك من لا يزال ينام في الخيام، فهذا لن يكون سوى قفزة نوعية للراغبين في تقسيم كعكة المال العام. ولهذا، شهيتهم مفتوحة للتمجيد ولمدح فوزي لقجع، لكن هذا لن يزيدهم إلا سقوطا في أعين من تبقى لديهم ذرة من المهنية في هذا القطاع المنهك.

شارك هذا المحتوى