الأنباء بوست/ حسن المولوع
بينما تتسابق الدول لتطوير قوانين تحمي حقوق مواطنيها، يخرج علينا وزير العدل، عبد اللطيف وهبي، بمشروع قانون المسطرة المدنية كأنه بطل مسرحية عبثية، يقلب فيها مفاهيم العدالة رأسًا على عقب. هذا المشروع ليس مجرد قانون، بل هو وصفة متكاملة لإحداث الفوضى القضائية وجعل المواطنين ضحايا مسرحية هزلية تُسدل فيها الستائر على حساب حقوقهم وأمنهم.
أولًا، نكتشف أن النيابة العامة بموجب هذا المشروع تحولت إلى كائن “خالد”، لا تعترف بالزمن ولا تُقيدها آجال الطعن، إذ يمكنها الطعن في أي قرار وفي أي وقت، حتى ولو مر عليه 100 عام. وكأن العدالة أصبحت كابوسًا يطارد المواطنين عبر الأجيال، ليبقى كل قرار عرضة للمراجعة في أي وقت، مما يخلق جوًّا من الرعب القضائي ويقضي على استقرار المعاملات ويهدم الأمن القانوني. فمن سيحمي المواطنين من هذا الشبح الزمني المتربص بهم؟
وعندما نأتي إلى المواطن العادي، يبدو أن الوزير يرى قضاياه التافهة لا تستحق عناء النظر. فالقضايا التي لا تتجاوز 30.000 درهم محرومة من حق الاستئناف، لأنها “مبالغ زهيدة” في نظره، رغم أنها تُعد مصدر رزق لكثيرين يكدّون لجمعها بشق الأنفس. وهكذا يُجبر المواطن العادي على الخضوع لأحكام قد تكون ظالمة، وكأن القانون وُضع لحماية النخب فقط، بينما يُترك الفقراء في صراع مع عواقب لا مفر منها.
ويستمر التمييز؛ فالقضايا التي لا تتجاوز 80.000 درهم يُحكم عليها نهائيًا بلا أمل في الطعن أو النقض، لأن هذا المبلغ “لا يستحق” اهتمام القضاء العالي. وهكذا، يتحول القانون إلى أداة تفرقة طبقية، حيث يمكن للأغنياء التنقل بين الاستئناف والنقض بسهولة، بينما يُغلق الباب بوجه البسطاء. كأن الوزير يعلن صراحةً أن العدالة هي رفاهية للأثرياء فقط، أما الفقراء فليس لهم إلا التعايش مع ظلم أحكام لا يمكنهم حتى الطعن فيها.
أما عن الغرامات فهي قمة السخرية؛ فالمواطن إذا تجرأ على الدفاع عن نفسه وتم رفض دعواه بعدم القبول، سيُحكم عليه بغرامة قدرها 10.000 درهم. وكأن حق الدفاع في قاعة المحكمة قد تحول إلى رفاهية قد تكلّفك “ثروة”. بل الأكثر من ذلك، إذا قدم المواطن تجريحًا ضد القاضي أو الخبير وتم رفضه، فعليه أن يستعد لدفع غرامة إضافية، لأن النظام القضائي في نظر الوزير يجب أن يظل فوق الشكوك والانتقادات.
ثم تأتي قمة العبث مع المادة 502 التي تمنع الحجز على أموال الدولة وممتلكاتها. تخيّل أنك قضيت سنوات من عمرك في النزاع القانوني ضد مؤسسة عامة أو جماعة ترابية، وربحت القضية أخيرًا، ثم تجد نفسك أمام حائط صلب اسمه “المادة 502″، يمنعك من تنفيذ حكمك! وكأنك قد تحولت إلى “هاوٍ” لجمع الأحكام وتعليقها على جدران منزلك بلا قيمة أو جدوى. هذا ببساطة طعنٌ في الفصل 126 من الدستور الذي ينص على إلزامية تنفيذ الأحكام القضائية، حتى ضد الدولة.
في نهاية المطاف، نجد أن مشروع الوزير ليس إلا محاولة لاستنزاف جيوب المواطنين وتكديس الأموال في خزينة الدولة على حساب العدالة. بدلًا من أن ينصف المواطنين ويكافح الظلم، قدم لنا الوزير “وصفة عبثية” تجعل من القضاء أداة للإذلال بدلًا من الحماية. المحامون أعلنوا “حربًا” على هذا المشروع لأنه يتعارض مع أبسط مبادئ العدالة، ونحن، كمواطنين، يجب أن نطالب بأن تتوقف هذه المهزلة وأن نرى قوانين تحترم حقوقنا بدلاً من أن تسخر منا.
شارك هذا المحتوى