
الأنباء بوست/ حسن المولوع
مرة أخرى، يتصدر عبد اللطيف وهبي، وزير العدل، المشهد بتصريحات أقل ما يقال عنها إنها صادمة ومثيرة للجدل، تكشف محدودية رؤيته كمسؤول حكومي يفترض أن يكون في طليعة المدافعين عن الحقوق والحريات.
وهبي، الذي اختار منبر لجنة العدل والتشريع بمجلس المستشارين ليطلق العنان لخطابه الاستفزازي، أبان عن موقف عدائي تجاه جمعيات حقوق الإنسان المعترف بها قانونيًا، معتبرًا أن “الخطاب الحقوقي قد تم السطو عليه”، في تصريح يعكس محاولة واضحة لتشويه صورة هذه الجمعيات، التي أصبحت شوكة في خاصرة الحكومة بطرحها القضايا الحساسة ومطالبتها بالإصلاحات الجذرية.
ما يُثير الدهشة هو هذا التناقض الصارخ بين أقوال الوزير وأفعاله. ففي الوقت الذي يهاجم فيه ما سماه “الشعبوية”، يسقط هو نفسه في فخ الخطاب السطحي والمزايدات الفارغة، غير مدرك أن استعداء الجمعيات الحقوقية والنشطاء لا يُعدو كونه دليلاً على غياب رؤية حقيقية للإصلاح، بل وانغماسًا في محاولات بائسة لتشويه سمعة الآخرين.
الأكثر إثارة للاستياء هو تصريح وهبي بأن “من مرّ بالسجن بتهمة النصب صار يترافع عن حقوق الإنسان”. فهذا الكلام ينم عن جهل فاضح بأبسط مبادئ حقوق الإنسان، التي لا تعترف بالإقصاء أو التصنيف المسبق.
الوزير هنا لا يهاجم فقط الأفراد، بل يهاجم الفكرة ذاتها، وكأنه يريد احتكار الدفاع عن الحقوق لمن يرضى عنهم هو أو من يخدمون أجندته. ذلك أن حقوق الإنسان ليست امتيازًا يمنح لمن يحمل شهادة “النقاء السياسي”، بل هي التزام أخلاقي وإنساني فوق كل الحسابات.
لم يتوقف الوزير عند هذا الحد، بل انتقل للدفاع عن زميله أحمد التوفيق، وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية، في قضية العلمانية، مهاجمًا منتقدي التوفيق بأسلوب يحمل في طياته استعلاءً نخبويًا واضحًا. إذ وصف هؤلاء بأنهم يناقشون العلمانية في “المقاهي”، وكأن الحوار الديمقراطي حكر على الصالونات المغلقة أو النخب المثقفة التي تنال إعجابه. فهذا المنطق الاستعلائي لا يُقصي فقط المواطن البسيط من النقاش، بل يُكرس رؤية نخبوية معادية لمفهوم المشاركة الشعبية في القضايا العامة.
الأخطر في كلام وهبي هو وصف منتقدي القضاء عبر وسائل التواصل الاجتماعي بـ”الكلاب التي تنبح”. فهذه العبارة، بما تحمله من عنف لفظي، تعكس ذهنية استبدادية تعادي النقد، وتعتبر كل من يرفع صوته ضد الفساد أو يسلط الضوء على تجاوزات القضاء عدوًا يجب تكميمه.
وهبي، الذي يدعي الحرص على حماية المؤسسات، ينسى أو يتناسى أن هذه المؤسسات لا يمكنها كسب ثقة المواطن إلا من خلال الشفافية والخضوع للمساءلة، لا من خلال القمع والتخويف.
وفي خطابه المتواصل لتبرير التضييق على الحريات، تعهد الوزير بإدخال عقوبات صارمة في القانون الجنائي لمواجهة الجرائم عبر مواقع التواصل الاجتماعي، مروجًا لهذه الخطوة كوسيلة لحماية الأفراد والمؤسسات. لكن خلف هذا الستار “الإصلاحي”، يبرز هدف خطير يتمثل في تحويل الفضاء الرقمي إلى حقل ألغام قانوني يُهدد كل من يتجرأ على التعبير عن رأيه بحرية.
بدلًا من أن ينكب وهبي على إصلاح قطاع العدالة المثقل بالمشاكل البنيوية، يفضل الدخول في معارك كلامية تستنزف مصداقيته وتكشف محدودية قدراته القيادية. فإذا كان الوزير يعتقد أن الشعبوية هي تهديد، فإنه بممارساته هذه يقدم أكبر خدمة لها، إذ يجعل من نفسه نموذجًا صارخًا لمنطق الإقصاء والانغلاق.
ما يحتاجه المغرب اليوم ليس وزراء يبدعون في الخطابات الاستفزازية، بل مسؤولين يدركون أن قوة المؤسسات تُقاس بمدى قدرتها على الإصلاح وضمان الحريات.وإذا استمر وهبي في نهجه الحالي، فإن التاريخ لن يسجل له دور المدافع عن العدالة، بل سيذكره كمن ساهم في إضعافها من الداخل.

شارك هذا المحتوى