الأنباء بوست/ حسن المولوع
في خضم الحديث عن القضاء المستقل الذي يخلق الأمن الروحي في نفوس المغاربة، يظهر وزير العدل عبد اللطيف وهبي مستغلاً نفوذه ليؤكد عكس ما يُقال، وذلك بعد أن قرر متابعة الصحافي المعروف وطنياً ودولياً، حميد المهدوي، بطريقة غير مسبوقة، مُطالبًا إياه بمليار سنتيم كتعويض! وكأن كرامة هذا الوزير لا تُقاس إلا بهذا المبلغ الضخم، وكأن الأرقام الكبيرة ستعيد له شيئًا من كبريائه المفقود. بدل أن يكتفي بالمطالبة بتعويض رمزي، ومن هنا يبدو أن وهبي يتطلع إلى عرض كوميدي لا يمكن أن يجده إلا في مسرحيات هزلية.
وبينما ينتفض وهبي مدافعًا عن “كرامته”، يغض الطرف عن كرامة المغاربة الذين تم التشهير بهم على قنوات اليوتيوب. إذ يبدو أن وزيرنا الفاضل يفضل أن يُعامل كالأبطال الخارقين في أفلام الأكشن، بدلًا من تحمل مسؤولية الحفاظ على العدالة. فهل أصبح القضاء ساحة معركة شخصية لأحدهم، أم أنه يسعى ليتصدر عناوين الصحف بمسرحياته المبتذلة؟ والسؤال الأهم هنا: أليست متابعة وزير لصحافي هي تأثير ضمني على قضاء بلادنا، بل وتحدٍ صارخ لمبادئ العدالة؟
وهبي، الذي أصبح بيدقًا في لعبة استهداف الصحافة، يظن أنه يستطيع استخدام القضاء كأداة لإسكات الأصوات الحرة. لكنه، بكل جهل، يعزز مكانة المهدوي في قلوب المغاربة الذين يعشقون الحق ويتوقون للحقيقة. ومع كل خطوة يقوم بها، يبدو وكأنه يساهم في نشر المزيد من الشعبية للمهدوي، في مهرجان تكريمي له، بينما يتجاهل تمامًا الأضرار التي تلحق بسمعة القضاء.
الغريب في الأمر هو أن وهبي، بمشاكله مع الجميع – المحامين، والصحفيين، ورجال الدين – يبدو كمن يمشي على حبل مشدود. ففي وقت كان فيه وزير العدل يمثل رمزًا للعدالة، أصبح اليوم رمزًا للفوضى والعبث. فكيف يمكن لرجل يتولى منصبًا حساسًا كهذا أن يكون في صراع دائم مع كل من حوله؟ هل يعتقد حقًا أنه بمقدوره توجيه أصابع الاتهام إلى الآخرين بينما يعاني هو نفسه من فقدان البوصلة؟
إن الحملة الممنهجة ضد المهدوي ليست مجرد دعوى قضائية، بل هي هجوم شامل يُبث عبر وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي، حيث يتم تصويره كمجرم، في حين أنه لم يكن إلا صوتًا من أجل الحق. فوهبي، الذي يظن أن بإمكانه تكميم الأفواه، عليه أن يتذكر أن الحقيقة أقوى من أي دعوى قضائية، وأن الفوضى التي خلقها لن تُسكت إلا أصوات الذين يحاولون إخفاء الحقائق.
وعليه، لنتأمل جميعًا في هذا المسرح الهزلي الذي يديره وهبي، ولنسأل أنفسنا: متى سيفهم أن اللعبة قد تجاوزت حدود التهريج، وأن هناك حقائق لا يمكن أن تُخفى بغض النظر عن المبالغ التي تُطلب؟ في النهاية، قد يجد وهبي نفسه بطلًا في مسرحية لم يكن يتوقعها، وقد تكون الحقيقة هي الضحية الوحيدة في هذا العرض المأسوي.
شارك هذا المحتوى