
الأنباء بوست/ حسن المولوع
لا أحد يمكنه إنكار أن مهنة الصحافة في المغرب تعيش أسوأ أيامها، بل تشهد فوضى غير مسبوقة لم تعرفها من قبل. والسبب؟ قيادة مترهلة، تفتقر إلى البصيرة، وتفتقد إلى الشجاعة اللازمة لاتخاذ قرارات تصب في مصلحة الصحافيين، لا في مصلحة دائرة ضيقة من المنتفعين.
على رأس هذه القيادة، يونس امجاهد، رئيس المجلس الوطني للصحافة، الذي آن له أن يمتلك ذرة حياء ويترجل بشرف، بعدما فشل فشلا ذريعا في تسيير هذه المؤسسة، محولا إياها إلى كيان هشّ بلا سلطة ولا تأثير.
ما حدث للمجلس الوطني للصحافة ليس مجرد إخفاق إداري، بل هو احتيال صريح على مؤسسة كان يُفترض أن تكون حصنا لحماية الصحافيين وتنظيم المهنة، لكنها تحولت إلى لجنة مؤقتة لتسيير قطاع الصحافة والنشر، أي إلى كيان بلا روح، بلا أهداف، بلا مشروع حقيقي يُنتشل به القطاع من الفوضى. كما أصبحت أداةً لتشتيت الصحافيين وإحداث الفرقة بدل توحيدهم ليكونوا قوة قادرة على التصدي للحروب الإعلامية التي تستهدف البلاد.
بل إن هذه المؤسسة انحدرت إلى مستوى البيروقراطية العقيمة، إذ تحولت البطاقة المهنية إلى سلاح لتكميم الأفواه. فأن تنتقد أشخاصا داخل المجلس الوطني للصحافة فهذا يعني أنك أصبحت في “اللائحة السوداء”، محرومًا من حقوقك المكتسبة، وتحت تهديد مستمر بعدم الحصول على بطاقتك المهنية. بل إن القائمين على المجلس يجتهدون في البحث عن ثغرات قانونية لتبرير منع الصحافيين المنتقدين لهم من الحصول على بطاقاتهم، وفي أسوأ الحالات، يدفعونهم عمدا إلى مواجهة القضاء بتهمة “انتحال الصفة”، لكن القضاء فطن لهذه الأساليب الرخيصة وأدرك أنها مجرد مناورات لتصفية الحسابات الصغيرة.
في عهد امجاهد، انهارت الصحافة المهنية، وانتعش “اليوتيوبر” و”التيكتوكر”، الذين حوّلوا رجالات الدولة إلى محتوى يومي للتشهير والابتزاز، معتقدين أنهم يحاربون الفساد وينوّرون الرأي العام.
وكانت النتيجة كارثية؛ فبدل أن تبقى الصحافة سلطة رابعة تحترم ضوابط المهنة وأخلاقياتها، تحولت إلى فضاء مفتوح للفوضى، حيث أصبح كل من هبّ ودبّ يعتبر نفسه صحافيا، دون حسيب أو رقيب. وهكذا، انتهى دور الصحافة الجادة، وتلاشت قيمتها الحقيقية، ومن قتلها هو يونس امجاهد ومن معه، فتحولت المهنة إلى فوضى عارمة بلا ضوابط ولا أخلاقيات، تتيح لأي عابر طريق أن يعبث بها كيفما شاء.
فإذا كان يونس امجاهد رجلا غيورا على الوطن فعلا، فإن أبسط ما يمكن أن يقوم به اليوم هو الانسحاب، وترك المجال لوجوه جديدة قادرة على إعادة هيكلة القطاع المتهالك، خاصة وأن اللجنة المؤقتة اقتربت من نهاية زمنها القانوني، وآن الأوان للتحضير لانتخابات جديدة تعيد الحياة إلى المجلس الوطني للصحافة.
هذا إن كان فعلا يؤمن بالديمقراطية والتناوب، ويريد خيرا بهذه البلاد التي تحتاج إلى صحافة جادة وقوية، ويمتلك ذرة حياء.
وفي هذا السياق، نطرح سؤالا جوهريا ، هل يمتلك امجاهد الشجاعة لينزل إلى الانتخابات تحت راية النقابة الوطنية للصحافة المغربية، ويواجه الحكم الحقيقي للصحافيين؟ أم أنه يعلم يقينا أنه غير مرغوب فيه، وأنه فقد ثقة الجسم الصحافي، الذي ملّ من أسلوبه في إدارة شؤون المهنة؟
الصحافيون يقولونها همسا وجهرا: ارحل يا يونس امجاهد! فقد شتّت الجسم المهني بدل أن يجمعه، وكرّس الانقسام والصراعات بدل أن يسعى إلى لمّ الشمل، وتحول من مسؤول يُفترض أن يدافع عن الصحافيين إلى شخص لا يرى إلا مصالحه الخاصة.
هذا ليس اتهامًا، بل واقع يردّده الجميع، والصورة القاتمة للصحافة اليوم هي أكبر دليل عليه.
لم يعد مقبولا أن يبقى قطاع الصحافة رهينة لنزوات أشخاص لا يهمهم سوى البقاء في المناصب، وعلى أجهزة الدولة أن تنتبه جيدا لما يحدث، لأن استمرار هذا الوضع يعني مزيدا من الفوضى، ومزيدا من التدهور، ومزيدا من الانهيار الذي يسيء إلى صورة الوطن ورجالاته.
لا يمكن أن يبقى هذا القطاع الحيوي ساحة مفتوحة للسطو العلني على مصالح الصحافيين، ولا يمكن أن يُترك في أيدي أشخاص مهمتهم الوحيدة تأجيج الصراعات وإدامة الفوضى.
الصحافة مهنة نبيلة، لا تحتمل هذه الفوضى. وكي تستعيد عافيتها، لا بد من التغيير. وأول خطوة في هذا التغيير هي أن يترجل من فشل، ويترك المكان لمن يستطيع الإصلاح.
شكرًا يونس امجاهد… شكر الله سعيك، والآن، ارحل بشرف!

شارك هذا المحتوى