
الأنباء بوست/ حسن المولوع
الأوضاع الراهنة التي يعيشها قطاع الصحافة والنشر باتت تجسد حالة من الانحدار الممنهج، حيث لم يعد الحديث عن سوء التدبير مسألة رأي عام فقط، بل أصبح ضرورة حتمية تفرض نفسها على كل المؤسسات المعنية بمكافحة الفساد ومراقبة المال العام بالتدخل العاجل والفوري. فالمجلس الوطني للصحافة، الذي كان يُفترض أن يكون حصنًا للدفاع عن مهنة الصحافة وحريتها، تحوّل تحت قيادة يونس مجاهد إلى رمز للغموض وسوء التسيير، وهو ما يدعو إلى مساءلته بشكل عاجل وحازم في إطار ربط المسؤولية بالمحاسبة.
طيلة أربع سنوات ونصف السنة، يضاف إليها ما يقارب السنتين، ظل هذا المجلس يعمل في ظلال الغموض المالي، دون أن يصدر أي تقرير حول أوجه صرف الأموال العمومية المخصصة له، مخالفًا بذلك مبادئ الشفافية والنزاهة.
لم يقدم المجلس أي تقرير مالي يوضح طريقة صرفه للمال العام، رغم أن القانون يفرض ذلك، مما أثار شكوكًا مشروعة حول صفقات مثيرة للجدل، كصفقات الصدريات، الحراسة والنظافة، البناء، والتوظيفات المؤقتة، بالإضافة إلى ما يتعلق بعقد كراء المقر وصفقات المكتبيات. كل هذه الأمور تُدار في ظل غياب كامل للوضوح. لكن النقطة الأشد خطورة تتعلق بصفقة منصة طلب وتجديد البطاقة المهنية، حيث لم يتم الكشف عن هوية الشركة المكلفة بها، ولا عن الإجراءات المتخذة لضمان حماية معطيات الصحافيين الشخصية.
الأزمة لا تقف عند الجانب المالي فقط، بل تمتد إلى منح بطاقات الصحافة، حيث أصبح الشطط في استعمال السلطة ونهج الانتقام سمة بارزة. فقد حُرِم بعض الصحافيين من البطاقة رغم أحقيتهم، ولم تُنشر لائحة المستفيدين، مما يزيد من ضبابية المشهد. بل إن النقابة الوطنية للصحافة المغربية نفسها طالبت بنشر هذه اللائحة، لكن المجلس بقيادة يونس مجاهد اختار الصمت، مما يرسخ انعدام الثقة في أداء هذا المجلس.
صفقات الصدريات، الحراسة والنظافة، البناء، التوظيفات المؤقتة، والمكتبيات، كلها مواضيع تثير الريبة، حيث يبدو أن هناك تلاعبًا بالمصالح العامة. والأكثر خطورة هو صفقة منصة طلب وتجديد البطاقة المهنية، التي أشارت إليها النقابة الوطنية للصحافة المغربية في بلاغ واضح، والتي لا تزال تشوبها الشكوك حول مالك الشركة المكلفة بتنفيذها وضمان حماية معطيات الصحافيين.
لم يقتصر الأمر على الصفقات المذكورة فقط، بل امتد إلى سياسة الانتقام في منح بطاقات الصحافة. فالشطط في استعمال السلطة واستغلال النفوذ أصبح سمة واضحة في إدارة هذا المجلس، حيث تم تجريد صحافيين وصحافيات من حقوقهم المكتسبة، وصل حد التلاعب بالنظام المعلوماتي للمنصة وحذف أسماء مواقعهم، وحرمان آخرين من البطاقة المهنية دون مبرر واضح. في حين لم تُنشر لائحة الحاصلين عليها، مما يعزز الشكوك حول نزاهة المعايير المعتمدة. كل هذا يتم في ظل صمت مطبق من طرف يونس مجاهد وعبد الله البقالي، اللذين أصبحا رمزين للفساد الإداري واستغلال النفوذ.
إن الغموض الذي يلف مالية المجلس وأداءه الإداري يدفع إلى المطالبة العاجلة بتحرك المجلس الأعلى للحسابات وجهاز النيابة العامة لإجراء تحقيق شامل. فالمال العام ليس لعبة في يد حفنة من المسؤولين، والمحاسبة ليست مجرد شعار، بل مبدأ دستوري يجب تفعيله.
إن يونس مجاهد، الذي استمر في الاستفادة من الامتيازات والتعويضات طيلة مدة ولايته، يتحمل مسؤولية مباشرة عن الفوضى التي تسبب فيها، وعن الأضرار الجسيمة التي لحقت بالجسم الصحافي نتيجة تحالفه مع “حيتان الإعلام” وسعيه لتصفية الصحافة المستقلة.
المأساة لا تقف عند هذا الحد. فبعد انتهاء ولاية المجلس الوطني للصحافة، جاء وزير الشباب والثقافة والتواصل، مهدي بنسعيد، ليكمل حلقة الخراب عبر إطلاق اللجنة المؤقتة لتسيير قطاع الصحافة والنشر، في خرق صارخ للدستور ومبادئ الديمقراطية التشاركية. وأضاف إلى خراب القطاع قراراته الأخيرة، التي تحابي الفئات النافذة وتقصي المقاولات الصغرى والمتوسطة، حيث تؤكد أنه ليس أكثر من حارس جديد لمقبرة الصحافة الحرة، وامتداد لسياسة حزبه القائمة على قمع الأصوات المستقلة وترهيبها.
الدعم العمومي للصحافة، الذي وُضِعت له معايير مجحفة تعتمد على رقم المعاملات، ليس سوى إعلان حرب على المؤسسات الصغيرة والجهوية، وإصرار على ترسيخ احتكار القطاع في يد قلة من المهيمنين. فهذا النهج الإقصائي، الذي تجاهل تمامًا مبدأ التعددية، يعكس إرادة واضحة لإغلاق المجال أمام أي صوت مستقل يمكن أن يمثل نبض الشارع.
مهدي بنسعيد ويونس مجاهد ليسا مجرد أسماء عابرة في مشهد إدارة قطاع الصحافة، بل هما وجهان لعملة واحدة، عملة المحسوبية واستغلال السلطة. واستمرارهما في قيادة هذا القطاع يعني مزيدًا من التدهور، مزيدًا من الإقصاء، ومزيدًا من الإجهاز على ما تبقى من حرية الصحافة.
إن مسؤولية المجلس الأعلى للحسابات والنيابة العامة أصبحت حتمية، ليس فقط لحماية المال العام، بل لحماية مستقبل الصحافة في المغرب، ولإعادة الثقة في مؤسسات الدولة التي أصبحت، بفعل هؤلاء المسؤولين، على شفا حفرة من فقدان مصداقيتها بالكامل.

شارك هذا المحتوى