
الأنباء بوست/ حسن المولوع
ظهر يونس امجاهد، رئيس اللجنة المؤقتة لتسيير قطاع الصحافة والنشر، في مشهد يثير الشفقة أكثر مما يثير الغضب، أشبه بكتكوت ضائع أمام ديك مغرور يدعى إدريس شحتان. هذا الأخير، رئيس الجمعية الوطنية للإعلام والناشرين، ألقى خطابًا ناريًا في الدار البيضاء يفيض بالوعيد والمبالغات، وكأنه سوبرمان الصحافة المغربية الذي سيطهر القطاع من المتطفلين، متناسيًا أن منبره الإعلامي، شوف تيفي، يزخر بمن يدّعي تطهيرهم.
شحتان، الذي يهوى الحديث “بلغة شديدة اللهجة”، خرج علينا وكأنه ممثل لمؤسسة سيادية لا يشق لها غبار، متناسياً أن لا وزارة الداخلية ولا المؤسسات الأمنية أو القضائية سبق أن استعملت هذا الخطاب المتعالي. فنسي نفسه وأطلق العنان للسانه دون رزانة أو حكمة، ليبدو كمن اعتلى منبرًا من الوهم يوزع فيه صكوك التطهير والتنظيم.
لكن، لنتجاوز هذا السوبرمان قليلًا، ولنعد إلى موضوعنا الأهم: يونس امجاهد.
يونس، ذلك الرجل الذي يُفترض أن يقود قطاع الصحافة باقتدار، جلس بهدوء وكأنه يستمتع بعرض كوميدي، بينما شحتان يسدد سهامه يمينًا ويسارًا، متحدثًا عن تنظيم القطاع، متجاهلاً أن القانون يمنح هذه الصلاحية الحصرية للمجلس الوطني للصحافة. وبدلاً من أن يدافع امجاهد عن صلاحياته، جلس وكأنه موظف صغير يحضر لقاءً عاديًا، وليس رئيسًا مكلفًا بحماية مهنة الصحافة من العبث.
في هذا اللقاء العبثي، أعلن شحتان عن إطلاق “بطاقة الملاعب”، وكأنها الإنجاز الأعظم الذي سيصلح حال الصحافة. فاليوم بطاقة الملاعب، وغدًا ربما بطاقة الفن، وبعد غد بطاقة السياسة، إلى أن نجد أنفسنا في غابة من البطاقات العشوائية، وكل جمعية تدعي التنظيم وفق رؤيتها. فإذا كان الأمر كذلك، فما الحاجة لبطاقة الصحافة المهنية التي يصدرها المجلس الوطني؟ أليس هذا استهزاءً بكل قوانين المهنة؟
لكن، العيب ليس في شحتان الذي يستقوي بلغة خشنة، بل العيب في الذين حولوا هذا القطاع إلى ساحة لتصفية الحسابات، حتى صار ضعيفًا وهشًا، يتخطفه كل من هبّ ودبّ.
بطاقة الصحافة المهنية، التي تصدر وفق معايير واضحة ومن مؤسسة منتخبة، تكفي لتغطية كل الأحداث، بما فيها الرياضية. أما أن تخرج جمعية تطلق بطاقة هنا وأخرى هناك، فهذا فتح لباب الفوضى العارمة، وإعلان عن موت التنظيم المهني الحقيقي.
لم يفطن يونس امجاهد إلى أن وجوده في هذا اللقاء هو إقرار ضمني بتحقير البطاقة المهنية، وتبخيس دوره كرئيس للجنة مؤقتة يُفترض أن تسهر على احترام القانون وتنظيم المهنة. وبدلاً من أن يقف ويدافع عن المجلس الوطني، ترك الساحة لشحتان ليصول ويجول في خطاب عنيف، يستعرض فيه نفسه كمخلص للصحافة، بينما هو جزء من الفوضى التي يدعي محاربتها.
ما يحدث في قطاع الصحافة اليوم ليس إلا انعكاسًا لغياب الوعي بأهمية التنظيم المهني الحقيقي. فأمثال شحتان، الذين يحلمون بأن يكونوا “مايسترو” الصحافة، وأمثال امجاهد، الذين يختارون التنازل عن صلاحياتهم، يساهمون في جعل الصحافة المغربية أضحوكة.
الحل الوحيد للخروج من هذا العبث هو العودة إلى الأساسيات: احترام القانون، وتعزيز دور المجلس الوطني للصحافة، ووقف كل المبادرات الفردية التي تهدم ما تبقى من هيبة هذه المهنة. أما إذا استمر العبث على هذا النحو، فعلينا أن نستعد لحقبة من الفوضى، حيث كل من يملك منبرًا إعلاميًا سيعتبر نفسه وصيًا على المهنة، وكل رئيس جمعية سيظن نفسه “منقذ الصحافة”.

شارك هذا المحتوى