الأنباء بوست / حسن المولوع
إن ما أقدمت عليه النقابة الوطنية للصحافة المغربية، في شخص رئيسها عبد الكبير أخشيشن، من مراسلة الفيدرالية الدولية للصحافيين، لا يمكن قراءته خارج سياق أعمق يتعلق بأزمة الثقة التي باتت تعيشها التنظيمات المهنية في المغرب، بين ما ترفعه من شعارات وما تمارسه فعليا على الأرض.
فاللجوء إلى الخارج في قضية داخلية يُعدّ شكلا من أشكال فقدان البوصلة المؤسساتية، لأن النقابة التي يُفترض أن تكون جزءًا من البنيان الوطني، اختارت أن تتعامل مع مؤسسة أجنبية في شأن تشريعي سيادي، وهو ما يثير علامات استفهام كبرى حول فهم بعض النخب لمعنى الاستقلالية والمواطنة النقابية.
ولعل ما يزيد من خطورة الخطوة أن رئيس النقابة، عبد الكبير أخشيشن، أقدم على هذه المبادرة دون الرجوع إلى المكتب التنفيذي أو استشارته، مستغلا التفويض الإداري الذي بحوزته لتوقيع المراسلات باسم النقابة، وكأنه تفويض مطلق يتجاوز حدود الأعراف النقابية وروح العمل الجماعي.
هذه الخطوة الانفرادية فجّرت غليانا غير مسبوق داخل البيت النقابي، إذ عبّر عدد من أعضاء المكتب التنفيذي عن استيائهم واعتبروا ما حدث مسًّا واضحا بالسيادة الوطنية، وتجاوزا غير مقبول لحدود المسؤولية النقابية، بل وخيانة لمبدأ التشاور الذي يُفترض أن يكون أساس العمل الجماعي داخل مؤسسة بهذا الحجم.
إن خطورة ما جرى لا تكمن فقط في مضمون الرسالة الموجهة إلى الفيدرالية، بل في رمزيتها، لأنها توجّه إشارة إلى الخارج مفادها أن الداخل المغربي غير قادر على حل مشاكله بنفسه، وهو ما يُضعف موقع البلاد في التقارير الدولية التي تعتمد مثل هذه المراسلات كمصادر لتقييم أوضاع حرية التعبير.
ما أقدم عليه عبد الكبير أخشيشن لم يضع فقط النقابة في مواجهة مع الدولة، بل ورّط المؤسسة التشريعية نفسها في إحراج غير مسبوق.
فمراسلة الفيدرالية الدولية للصحافيين بخصوص مشروع قانون لا يزال قيد المناقشة داخل البرلمان، تُظهر البرلمان المغربي وكأنه خاضع لتأثير خارجي أو محتاج إلى وصاية أجنبية لتصحيح مساره التشريعي، وهو ما يُعتبر مسا صريحا بمبدأ السيادة التشريعية واستقلالية القرار الوطني.
البرلمان اليوم أمام وضع شائك ، فإذا مرّ القانون، فستُستعمل الخطوة لتغذية تقارير أجنبية تتحدث عن “تراجع حرية التعبير في المغرب”، وإن سُحب المشروع أو جُمّد، فستُعتبر استجابة لضغط خارجي. ففي الحالتين، النتيجة واحدة: صورة المؤسسات الوطنية أمام الرأي العام الدولي تتعرض لهزة، والسبب مغامرة نقابية غير محسوبة أقدم عليها شخص واحد باسم مؤسسة كان يُفترض أن تكون صوت الحكمة لا منبع التهور.
إن هذا السلوك يعكس ذهنية “المعارضة النقابية الدائمة”، التي لا تفرّق بين الدفاع عن المهنة وبين تصفية الحسابات الشخصية والسياسية، ما ينتج في النهاية جسما نقابيا هشًّا يشتغل بالانفعال لا بالتحليل، ويغيب عنه الوعي بالرهانات الوطنية الكبرى.
لقد كان المنتظر من رئيس النقابة أن يجعل منها سلطة اقتراح ومراقبة مهنية مسؤولة، لا منبرا للمواجهة المجانية مع مؤسسات الدولة. لكن ما حدث أساء إلى فكرة التنظيم النقابي ذاتها، لأن النقابة حين تهاجم الدولة التي تحتضنها، وتستنجد بالخارج لتضغط على برلمانها، فإنها تُعلن من حيث لا تدري نهاية دورها كفاعل وطني مستقل، وبداية انحدارها إلى مستوى “الواجهة الاحتجاجية” التي تشتغل بالرمز أكثر مما تُنتج الفعل.
شارك هذا المحتوى
