
الأنباء بوست/ حسن المولوع
لم يعد مستغربا أن تكشف مواقع التواصل الاجتماعي عن حقيقة بعض من تسللوا إلى قبة البرلمان تحت شعار تمثيل الشباب وخدمة الوطن، فإذا بهم يفضحون أنفسهم بألسنتهم قبل أفعالهم. آخر هؤلاء النماذج برلمانية حزب التجمع الوطني للأحرار ياسمين المغور، التي لم تجد ما تواجه به انتقادات المغاربة للفنان بنعيسى الجيراري سوى أن تفتح صفحتها على فيسبوك وتغمرها بالشتائم، واصفة أبناء هذا الشعب بـ”الجراثيم” و”المرضى” و”باردين الكتاف” و”مزابل مواقع التواصل الاجتماعي”.
ليست القضية مجرد تدوينة عابرة أو انفعال طائش، بل هي عنوان لانحدار سياسي وأخلاقي خطير. فحين يسمح ممثل الأمة لنفسه أن يتحدث عن الشعب بهذا المستوى من الاحتقار، فإن الأمر لم يعد متعلقا بشخص بعينه، بل بصورة السياسة برمتها. فالسياسة التي من المفترض أن تكون أداة لردم الهوة بين الشعب والدولة، تحولت إلى وسيلة لإهانة الناس وتذكيرهم بأن بعض النخب لا ترى فيهم سوى حشود من “الجراثيم” التي لا تستحق سوى الازدراء.
لقد نُحرت الناقة قديما لأن قوما استهانوا بآية الله، واليوم يُنحر ما تبقى من الثقة بين الشعب ومؤسساته لأن ممثلة أمة اختارت أن تدوس على كرامة مواطنيها. وما يزيد الطين بلة أن هذه البرلمانية لا تمثل نفسها فقط، بل تنتمي لحزب يقود الحكومة، أي أن كلماتها ليست شأنا شخصيا، بل وصمة تُلصق بالحزب الحاكم ورئيسه. فالصمت هنا لا يُفسَّر إلا باعتباره مباركة ضمنية لما قيل.
السيد عزيز أخنوش مطالب اليوم بأن يجيب المغاربة: هل يرضى أن يُوصف الشعب الذي أوصله إلى رئاسة الحكومة بالجراثيم والمزابل؟ هل هذه هي الكفاءات الشابة التي وعد بها؟ إذا كان الأمر كذلك، فإننا أمام فضيحة سياسية وأخلاقية تضرب ما تبقى من جسور الثقة في العمق.
الشعوب قد تصبر لكنها لا تنسى، والتاريخ لا يرحم من يستخف بالناس. فالذاكرة الشعبية أشبه ببحر هادئ يُخفي في أعماقه العاصفة، وكل استهانة بكرامة المواطن تزيد من احتمالات انفجارها.
الشعب المغربي لم يكن يوما “جرثوما”، بل هو من صنع ملاحم التحرر، وهو من يملك وحده سلطة إسقاط كل من يحاول أن يحوله إلى “مزبلة”. أما الذين يتوهمون أن امتيازاتهم تحصنهم من الحساب، فسيدركون عاجلا أم آجلا أن مزابل السياسة أوسع وأعمق من أي صفحة فيسبوك.

شارك هذا المحتوى