
الأنباء بوست / حسن المولوع
تنظر المحكمة يوم الإثنين 26 ماي في جلسة حاسمة من مسار قضائي شائك، يتابع فيه الصحافي حميد المهدوي، إثر شكاية تقدم بها وزير العدل عبد اللطيف وهبي. محاكمة لا تنحصر في بعدها القانوني، بل تتحول إلى اختبار حقيقي لاستقلال القضاء في مواجهة الضغوط غير المعلنة والتأثيرات الصامتة.
الملف تحيط به مؤشرات مقلقة. ففي 17 أبريل، أصدرت اللجنة المؤقتة لتسيير قطاع الصحافة والنشر قرارا بشأن عبارة “الصلكوط”، ولم يتوصل به المعني إلا بعد مضي شهر كامل، بالتزامن مع صدور حكم المحكمة الإدارية بالرباط برفض طعن المهدوي. فغياب القرار طيلة شهر، ثم ظهوره المفاجئ لحظة النطق بالحكم، يطرح علامات استفهام حول توقيت بدا سياسيا أكثر منه قانونيا.
الأكثر إثارة للتساؤل هو السرعة التي بُتّ بها في الملف داخل القضاء الإداري، رغم أنه لا يكتسي صبغة استعجالية. فدفاع المهدوي كان قد تقدم بمذكرة تعزز دفوعاته، وكان من المفترض قانونًا إحالتها على الطرف المقابل للرد. لكن المحكمة لم تُشر إليها بوضوح، وأصدرت قرارها بوتيرة لافتة، دون تمحيص كافٍ لعناصر الملف. فهل كانت العدالة فعلا في عجلة من أمرها؟ أم أن هناك من استعجلها خدمة لأجندة خفية قبيل انعقاد الجلسة الجنائية؟
في موازاة ذلك، جاءت الحملة الإعلامية المصاحبة للحكم الإداري أشبه بفرقعة موجهة، أكثر منها تغطية مهنية. فبعض المنابر بالغت في تضخيم القرار الابتدائي، وكأننا أمام حكم نهائي غير قابل للطعن بالاستئناف ثم النقض ، بما يوحي بوجود محاولة منظمة لصناعة مناخ ضاغط على القاضي الزجري، قبيل النطق بالحكم في ملف لا يخلو من رمزية ودلالات.
تطفو على سطح هذه القضية خلفيات سياسية تعقّد المشهد أكثر. فعبد اللطيف وهبي ليس مجرد وزير، بل فاعل سياسي اعتاد إزاحة كل من يعترض طريقه. من الإعفاء المفاجئ لرئيس هيئة النزاهة بعد التحدث عنه، إلى تمرير المادة الثالثة المثيرة للجدل رغم اعتراضات القانونيين، فالرجل يراكم سوابق تؤشر على نفوذ واسع وقدرة على التأثير في مراكز القرار.
في هذا السياق، تصبح مواجهة صحافي بوزير من هذا العيار اختبارا حقيقيا لتوازن العدالة. فهل يمكن تصور محاكمة عادلة حين يكون أحد الأطراف مسلحا بنفوذ سياسي واسع، والآخر لا يملك سوى قلمه وصوته؟
القاضي الذي سينظر في هذا الملف ليس أمامه مجرد وقائع قانونية، بل أمام محكمة ضمير. فإما أن ينتصر لصوت العدالة، أو يخضع لما لا يُقال، ولا يُكتب، ولا يُذاع. فالحكم المنتظر لن يُقرأ فقط من زاوية قانونية، بل سيُفهم كمؤشر على مدى قدرة القضاء المغربي على الوقوف مستقلا حين تشتد العاصفة.
الرهان اليوم أكبر من مجرد خلاف بين وزير وصحافي. إنه رهان على ما تبقى من ثقة في مؤسسة العدالة. فإما أن يُكتب سطر مشرق في سجل القضاء المغربي، أو يُضاف اسم جديد إلى قائمة من اختاروا الصمت حين كان الوطن بأمسّ الحاجة إلى صوت عادل.
إن القاضي الذي سينظر في قضية المهدوي يجد نفسه بين سندان السلطة ومطرقة الضمير، في معادلة دقيقة تتجاوز النصوص القانونية إلى منطق الدولة والمجتمع. فالحكم في هذا الملف لن يُقرأ قانونيًا فقط، بل سيُقرأ كرسالة: هل ما زال للقضاء صوت مستقل حين يتعلق الأمر بصحافي جريء؟ أم أن الأحكام تُصاغ في الكواليس وتُلبس عباءة العدالة في قاعات المحكمة؟ وهذا ما لا نتمناه ولا نتوقعه ، بل لا يدور في مخيلتنا ولا تفكيرنا رغم كثرة القيل والقال .
نحن لا ننتظر حكما فقط، بل ننتظر موقفا. موقف قاضٍ يملك الشجاعة ليواجه التاريخ بوجه مكشوف، لا قاضٍ يطأطئ الرأس أمام من اعتادوا ألا يُحاسبوا.
ذلك الموقف وحده هو ما سيبقى، حين تُطوى الملفات وتُنسى الوقائع، ويبقى سؤال واحد معلّق: من وقف للحق عندما صمت الجميع؟

شارك هذا المحتوى