
الأنباء بوست/ حسن المولوع
في سابقة تكشف بوضوح عن النوايا الحقيقية لبعض الجهات الساعية إلى تدجين الإعلام المغربي، قضت المحكمة الإدارية بالرباط، ابتدائيا، برفض الطلب الذي تقدم به الصحافي حميد المهدوي بخصوص تجديد بطاقة الصحافة المهنية، وذلك بعد أن رفضت اللجنة المؤقتة لتسيير قطاع الصحافة والنشر منحه بطاقة الصحافة برسم سنة 2025.
هذا القرار لا يُعدّ معزولًا، بل يندرج ضمن سلسلة من الممارسات التي تؤكد أن اللجنة، التي يرأسها يونس مجاهد، لا تقوم سوى بتنفيذ أجندة سياسية مكشوفة، غايتها خنق التعددية الإعلامية وتكريس هيمنة المقاولات الكبرى على حساب الصحافة الحرة والمستقلة.
من خلال استهداف حميد المهدوي، أحد أبرز رموز الصحافة الجريئة في البلاد، تُوجَّه رسالة واضحة إلى المقاولات الصحفية الصغرى والمتوسطة: “إما أن تمتلك رأسمالا ضخما، أو أن تظل مجرد تابع لمؤسسات كبرى ممولة.”
إنه توجه يرمي إلى فرض نموذج شبيه بما تشهده الساحة الإعلامية المصرية، حيث لا صوت يعلو فوق صوت الدولة ومموليها، حيث تغيب التعددية ويُجهز على التنافس المهني الحر.
والأخطر من ذلك، أن هذه اللجنة، التي لا تملك أساسا صلاحية اتخاذ قرارات نهائية وفقا للقانون، تجاوزت اختصاصاتها برفضها تجديد بطاقة صحافي محترف كحميد المهدوي، في خرق صارخ للقانون رقم 13.89 المتعلق بالنظام الأساسي للصحافيين المهنيين، وللمرسوم الصادر سنة 2019 خلال ولاية الوزير محمد الأعرج. إذ أنها فقط لجنة لتصريف الأعمال.
أليس من العبث الادعاء بأن الشركةالتي يملكها حميد المهدوي، والتي تُصدر موقع بديل، لا تمارس العمل الصحافي، بينما هي نفسها الشركة التي حصلت على بطاقات مهنية لسنوات؟ بل إن بعض صحافييها لا يزالون يحتفظون ببطاقاتهم إلى اليوم! فأي استخفاف بالعقول حين يُقال إن المهدوي لا يُمارس الصحافة كنشاط رئيسي، وهو الذي لا يزاول أي مهنة أخرى؟
فالمادة القانونية تتحدث عن “النشاط الرئيسي” وليس عن “مصدر الأجر”، وإذا كان ثمة شك في مالية الشركة، فتلك مسؤولية مفتشية الضرائب أو الأجهزة المختصة كالقضاء والفرقة الوطنية، وليس اللجنة المؤقتة التي تفتقد لأي صفة دستورية أو قانونية تؤهلها للبت في هذا النوع من الملفات.
إن بطاقة الصحافة المهنية تُمنح وفق شروط قانونية واضحة، كما أنه لا يخول لأي جهة غير النيابة العامة صلاحية منح أو منع إصدار الصحف، وذلك استنادًا إلى مقتضيات المواد 16 و21 و22 من القانون رقم 13.88 المتعلق بالصحافة والنشر. والنيابة العامة هي وحدها من يحق لها التحقق من رأسمال المؤسسات الإعلامية قبل منح التصريح. فأي تدخل من جهة أخرى يُعد انتهاكا صريحا لاختصاصات السلطة القضائية.
لذلك، فإننا نتوجه إلى الرأي العام ونسائل السيد يونس مجاهد:
لماذا لا تنشرون لوائح بطاقات الصحافة المهنية الممنوحة؟
هل لأنكم تعلمون أن العديد من المواقع الإلكترونية المستفيدة لا تؤدي أجور صحافييها من عائدات الإشهار أو الدعم العمومي، بل من مصادر مجهولة أو عبر علاقات زبونية؟
فإن كان الأمر كذلك، فسيظهر جليا أن ما تعرض له المهدوي لا يعدو أن يكون استهدافا سياسيا مقصودا.
والمؤسف أن هذا التوجه الإقصائي لا يمكن فصله عن خطة حكومية ممنهجة لإخضاع الإعلام الوطني، في ظل غياب نموذج اقتصادي فعّال ومستدام للصحافة، واحتكار سوق الإشهار وربطه بشبكات محسوبة على السلطة أو على مقربين منها.
لقد تحولت اللجنة المؤقتة من هيئة كان يفترض أن تنظّم المهنة وتدافع عن حرية التعبير، إلى أداة رقابة وتنميط، تُقصي وتُعاقب، بدل أن تُقوّم وتُحفّز.
وما يتعرض له حميد المهدوي اليوم ليس سوى حلقة جديدة في سلسلة التضييقات الممنهجة التي تستهدف الأصوات الحرة.
ولهذا، فإن المسؤولية اليوم تقع على عاتق كل الهيئات المهنية والحقوقية والمدنية من أجل أن ترفع صوتها عاليا دفاعا عن حرية الصحافة وكرامة الصحافيين.
فالمعركة لم تعد تخص حميد المهدوي وحده، بل أضحت معركة من أجل مستقبل الصحافة في هذا الوطن.

شارك هذا المحتوى