
الأنباء بوست / حسن المولوع
انعقدت جلسة محاكمة حميد المهدوي، مدير نشر موقع “بديل”، بتاريخ 2 يونيو بمحكمة الاستئناف بالرباط، في جلسة وصفت بالتاريخية، حيث استمرت من الساعة الخامسة و12 دقيقة مساءً حتى التاسعة و17 دقيقة مساءً.
شهدت الجلسة حضورا كثيفا من المواطنين والحقوقيين وفاعلين في المجتمع المدني، بالإضافة إلى صحافيين وهيئة الدفاع، ما يعكس الأهمية الكبيرة التي تحظى بها هذه المحاكمة في الساحة الإعلامية والقضائية بالمغرب.
يتابع حميد المهدوي في هذه القضية بمقتضى القانون الجنائي، حيث حوكم ابتدائيا بسنة ونصف حبسا نافذا وغرامة قدرها 150 مليون سنتيم، مع العلم أن عبء الإثبات يقع على جهة الاتهام، لكنه خضع خلال المحاكمة لقواعد الإثبات الخاصة بمحاكمات الصحافة والنشر، ولم يعترض أو يشِر بأي تصريح أو تلميح إلى منهجية المحاكمة أو طريقة تطبيق قواعد الإثبات، بل دافع بهدوء وبحزم، معتمدا على منطق وقواعد مهنية في دحض كل التهم المنسوبة إليه.
بدأ رئيس الجلسة الحديث بتذكير المهدوي بمراحل الملف المختلفة، ثم طرح عليه عدة أسئلة تتعلق بالفيديوهات المنشورة وأسباب نشرها، حيث أجاب المهدوي بهدوء وأكد أن عمله الصحافي كان في إطار مهني بحت، موفرا وثائق وأدلة اطلع عليها رئيس الجلسة ثم سلمها لممثل النيابة العامة للاطلاع.
وقد دار نقاش مطول في بداية الجلسة حول علاقة قناة اليوتيوب بموقع “بديل” وهل هي تابعة له، حيث أشار المهدوي إلى أن القناة تحمل شعار الموقع ومحتواها يقتصر على جنس التعليق الصحفي، ولا تنشر أي محتوى خارج إطار العمل الصحافي، كما عبّر عن شعوره بالتمييز لكونه يُتابع بموجب القانون الجنائي، بينما تُتابع قنوات أخرى مماثلة بموجب قانون الصحافة والنشر.
حاول رئيس الجلسة حصر النقاش في الموضوع وعدم الخروج عنه، خاصة عندما بدأ المهدوي يتحدث عن استقلال السلطة القضائية، ليؤكد الأخير أن هذه المحاكمة ستُسجل في التاريخ.
في موقف مثير، أشار ممثل النيابة العامة إلى أن تدوينات المهدوي على فيسبوك قد تؤثر على القضاء، فكان رد الرئيس حازما بأن هذه التدوينات تدخل في إطار حرية شخصية ولا علاقة لها بموضوع الجلسة.
طُرح على المهدوي سؤال حول فيديو معين يحمل عنوانا يخص وزير العدل عبد اللطيف وهبي، يتعلق بـ”لي دراع الدولة”، فأوضح أنه نشر الفيديو بحكم عمله الصحافي الذي يلزمه بالتعليق وتنوير الرأي العام، مؤكدا أن التعليق الصحفي لا يخضع للتحقق كجنس الخبر، وأنه علّق على تصريحات الوزير من منطلق التنبيه والواجب المهني، وهو ما أدخله في صلب عمله الصحافي.
طلب المهدوي من المحكمة عرض الفيديو داخل قاعة الجلسة ليتمكن من التعليق على العبارات المنسوبة لوهبي، مؤكدا أنه يرغب في توضيح العبارة والعبارات التي اعتبرها وهبي سبًّا وقذفًا.
خلال النقاش، تطرّق رئيس الجلسة والمهدوي إلى القواعد المهنية وحدود النقد الصحافي، حيث أكد المهدوي أنه انتقد تصريحات وزير العدل التي يرى أنها تزيد من الاحتقان داخل قطاع التعليم، وهو الأمر الذي يدخل في إطار النقد المسموح به في المهنة.
في سياق آخر، تم السؤال عن فيديو يتناول موضوع الرسوم القضائية والسيارة، حيث استفسر الرئيس عن سبب نشر الفيديو وهل كانت الإشارة لوزير العدل بصفته وزيرا أو محاميا، وعن السيدة المذكورة في الفيديو، هند العشابي. فأجاب المهدوي أن الوزير وهبي، قبل أن يكون وزيرا، هو برلماني، ومن حق الصحافي انتقاده ومساءلته، مضيفا أن الفيديو نشر تزامنا مع اتهامات الوزير للمحامين بعدم دفع الضرائب، ما دفعه للدفاع عن مهنة المحاماة. وأوضح أن تساؤله لم يكن اتهاما، بل استفسارا حول أداء الضرائب، مستعرضا مقالات وشيكًا يدعم موقفه، إلا أن الرئيس شدد عليه بضرورة إثبات حسن نيته. وسُئل عما إذا كان الوزير ملزما بالرد على كل التساؤلات، فأوضح المهدوي أن وهبي شخصية عامة وموضوع الضرائب شأن عام، وليس شأنا خاصا، وأن الدفاع عن المال العام من ضمن مهامه الصحافية.
بعدها تم الانتقال لمناقشة التسجيل الصوتي المتداول والمنسوب لوهبي، حيث سأل الرئيس كيف عرف أن الصوت يعود له، فأوضح المهدوي أنه علق على فحوى التسجيل الذي انتشر على نطاق واسع، مطالبا الوزير بالتوضيح أو النفي، وأشار إلى أنه لا يمتلك الوسائل لإجراء خبرة صوتية عليه. وأكد أن الرأي العام في غالبيته نسب الصوت للوزير وهبي، ولم يتم فتح أي تحقيق قضائي في الموضوع.
بعد ذلك، ناقش الرئيس فيديو آخر يحمل عنوان “وهبي وراء ورطة محمد مبدع”، حيث وردت فيه عبارات مثل “وهبي حصل حصلة خايبة” و”واش هادي ماشي فعايل المافيا”، فاستوضح الرئيس المهدوي عن قصد هذه العبارات، وشرح الأخير السياق وأوضح الفرق بين النقد والتجريح. كما دار نقاش حول الاتصالات التي تلقاها من أحد الشخصيات السياسية (أوزين) التي كانت مصدر معلومات لأحد الفيديوهات، وناقش الطرفان مسألة الصفة الرسمية في هذا السياق.
في الفيديو الأخير، تناول المهدوي شخصية وهبي بصفته أمينا عاما لحزب الأصالة والمعاصرة، حيث تحدث عن قضية “إسكوبار” التي تهم الرأي العام، وعبّر عن رأيه وانتقاداته لتحمل الوزير مسؤولية أخلاقية بمنحه تزكية لمتهمين في القضية.
قدم ممثل النيابة طلبا من المهدوي لشرح معنى “التعليق الصحفي” من منظور مهني، فأوضح المهدوي شرحا أكاديميا مقنعا، حيث لوحظ أن أعضاء المحكمة أبدوا اقتناعهم به.
وقبل رفع الجلسة للاستراحة، استعرض المهدوي مقالات منشورة بموقع “بديل” تبرز أن نشاطه المهني كان بحسن نية، ولا يحمل أي خصومة شخصية مع الوزير. وعقب الاستراحة، استأنفت الجلسة وتمت مناقشة الفيديو الأخير في تفاصيله.
رُفعت الجلسة في الساعة الثامنة مساءً، وتم تأجيلها إلى يوم 16 يونيو، ما يفتح الباب أمام متابعة مثيرة وتطورات قادمة في هذه القضية التي أثارت جدلا واسعا حول حرية التعبير، دور الصحافة، وحدود النقد السياسي في المغرب، فضلا عن النقاش حول تطبيق القانون الجنائي في قضايا الصحافة.
ويُذكر أن هذه القضية لا تثير فقط قضايا حريات الصحافة والتعبير، بل أطلقت نقاشا واسعا في أروقة البرلمان . وقد عبّر العديد من نواب البرلمان عن استنكارهم لاستخدام القانون الجنائي ضد صحافي يمارس عمله ضمن المعايير المهنية، مؤكدين أن هذا التوجه قد يهدد حرية الصحافة ويقيد التعبير السياسي في البلاد، مطالبين بإعادة النظر في الإطار القانوني الذي يحكم قضايا الصحافة بما يحفظ الحريات ويدعم استقلالية الإعلام.
تأتي هذه المحاكمة في وقت يشهد فيه المغرب جدلا متصاعدا حول حرية الإعلام والتعبير، حيث تعتبر قضية حميد المهدوي اختبارا حقيقيا لنضج المنظومة القضائية وقدرتها على التوفيق بين حماية الحقوق العامة من جهة، وحق الصحافة في القيام بدورها الرقابي والنقدي من جهة أخرى.

شارك هذا المحتوى