الأنباء بوست/ حسن المولوع
لا زال محمد الطالبي، القيادي بالنقابة الوطنية للصحافة المغربية، والصحافي الذي صدر في حقه قرار من لجنة الأخلاقيات بعد خرقه للميثاق الوطني للصحافة في آخر سنواته المهنية، يعيش أوهام البطولة الزائفة، ويقنع نفسه بأن الطريق الذي سلكه رفقة رفيقه عبد الكبير أخشيشن هو الصواب بعينه، وأن الوقفة التي تم تنظيمها أمام البرلمان كانت “ملحمة نضالية”..
فيا للعجب… أي ملحمة هذه التي لا يتجاوز عدد المشاركين فيها ركاب حافلة نقل حضري؟
كتب الطالبي في إحدى المجموعات المهنية متباهيا
“كل الشكر والامتنان للمهنية واحترام الاختلاف. التعدية لأن بعضًا ممن يسمون إعلامًا ظلمًا وبهتانًا أرادوا إنكار الوقفة بعدما فشلوا في وقف زحف الصحافيين والصحافيات.”
لكن الردّ لم يتأخر، إذ واجهه أحد الزملاء قائلا إن الوقفة لم تتجاوز الستين شخصا، بينهم عشرة صحافيين لا أكثر.
فانتفض الطالبي متشنجا، وقال:
“أنت لم تحضر لتكون شاهدا على الأقل وناقلاً أميناً، الصور والفيديوهات واضحة ولن أدخل معك في سجال عقيم، لأني أعرف من يريد إنكار الواقع لأجل سرقة عرق المهنة والمهنيين…”
غير أن الردّ جاءه كالصاعقة في يوم صاف..
“الفيديوهات واضحة يا أستاذ، والصور موثقة، والمشهد مكشوف لكل ذي عينين.
الوقفة كانت هزيلة بكل المقاييس، بل أقرب إلى “استراحة قهوة” منها إلى فعل احتجاجي.
جريدتنا كانت هناك، حضرت وعاينت ووثقت بالصوت والصورة..فلا مجال للتشكيك أو التهويم..بلاغاتكم لا تصنع حقيقة، وحناجركم لا تغيّر الواقع..من كان صادقا، فليدعُ إلى الشفافية، وليكشف عدد المشاركين بالأسماء والصفات، لا بالشعارات والتهليل”.
ألم يكن الطالبي من أشد المدافعين عن اللجنة المؤقتة والمجلس الوطني للصحافة حين كانا على هوى رفاقه؟ ألم يكن ممن زكّوا السياسات التي قسّمت الجسم الصحافي بين موالٍ ومغضوب عليه؟ أين كان ضميره المهني حين كان المجلس يُمارس الانتقائية في منح البطائق؟ وأين كان صوته حين كان زملاؤه يُعاقبون فقط لأنهم عبّروا عن رأيهم؟
اليوم فقط تذكّر أن المجلس فاسد..اليوم فقط صار يندّد بالهيمنة والابتزاز
يا سبحان الله… كأننا أمام تائب سياسي بعد خراب البصرة!
الطالبي، هذا الاسم الذي يتردّد في المشهد كمن يريد أن يقول شيئا عظيما، لكنه لا يقول شيئا ذا معنى.
يتحدث كثيرا، لكن كلماته تتبخر في الهواء، لأن الميزان مائل والمعيار مختلّ، ولأن الرجل والحق يُقال لم يفرّق بعد بين الرأي والمزايدة، ولا بين الموقف والمقامرة.
من يستمع إلى محمد الطالبي يظن أنه حامل همّ الصحافة ، وأنه يخوض معركة الوعي، فإذا به يفتح على نفسه أبواب الفوضى، ويخلط الحابل بالنابل، ويحوّل المنابر إلى ساحة للتهريج بدل أن تكون مساحة للتنوير.
يتحدث عن الحرية وهو أول من يسطو على حرية الفهم،
ويرفع شعار الإصلاح وهو من أوائل المساهمين في الإفساد الخطابي، يلبس ثوب الغيور على القيم وهو أكثر الناس عبثا بها.
لقد ظنّ الطالبي أن الظهور الإعلامي بطولة، وأن الصخب شجاعة، وأن النقد بلا أدب نوع من الجرأة المحمودة، لكنه نسي أن الكلمة مسؤولية، وأن اللغة ميثاق، وأن الحكمة تسبق الانفعال.
أما الذين يصفقون له، فهم لا يفعلون ذلك إعجابا بعمق فكره، بل بقدرته على إثارة الغبار..ولعمري، ليس الغبار دليلا على السير، بل علامة على التيه.
إنّ من يتأمل خطاب الطالبي، يدرك أنه يعيش حالة تضخّم في الذات وانكماش في الفكرة..يريد أن يكون خطيبا، ومفكرا، وحقوقيا، ومنقذا في آنٍ واحد، لكنه لم يكن شيئاً من ذلك كله.
إنه يتكلم بلسان الغضب لا بعقل الرشد، ويرى في كل مخالف عدوا، وفي كل ناصح خائنا، وفي كل نقد مؤامرة..وهذه وحدها كفيلة بأن تُغرق أي خطاب في بحر التناقض.
الطالبي، في نهاية المطاف، ليس ظاهرة فكرية، بل حالة صوتية صاخبة، مؤقتة، بلا جذور..وربما كان أحوج ما يكون إلى لحظة صمت يراجع فيها نفسه، قبل أن يتحول من صاحب رأي إلى مجرد عنوان في أرشيف الضجيج.
شارك هذا المحتوى
