
الأنباء بوست/ حسن المولوع
أصدرت رئاسة النيابة العامة، برئاسة هشام بلاوي، تعليمات مشددة بإحالة كافة التقارير الصادرة عن المجلس الأعلى للحسابات والمفتشية العامة للإدارة الترابية، التي تتضمن اختلالات ذات طابع جنائي، على أنظار الفرقة الوطنية للشرطة القضائية والفرق الجهوية.في خطوة وُصفت بأنها تعكس تحولا نوعيا في مقاربة العدالة لقضايا الفساد المالي.
ويُنظر إلى هذه التعليمات بوصفها بداية فصل جديد في علاقة القضاء بمؤسسات الرقابة والمساءلة، خصوصا في ظل ما يُثار بشأن غياب المتابعة القضائية في ملفات كبرى سبق أن أُثيرت ثم خفت بريقها في غياب أي مآلات واضحة.
وإذا كان من اللافت في هذا السياق ما تضمنه تقرير المجلس الأعلى للحسابات لسنة 2024، فإن ما ورد فيه بخصوص حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية بدا صادمًا لدى الرأي العام، بحكم رمزية الحزب وتاريخه النضالي. إذ أن التقرير كشف عن معطيات دقيقة تتعلق بمكتب دراسات يُدعى «MELA STRATEGIE & CONSEIL»، أنجز ما مجموعه 23 دراسة تمحورت حول قضايا اقتصادية واجتماعية وبيئية، بكلفة قاربت مليوني سنتيم (1.835.000 )، دُفعت من ميزانية الحزب.
لكن ما أثار التساؤل حقًا، ليس فقط المبلغ المرصود، وإنما علاقة القائمين على هذا المكتب بقيادات داخل الحزب. إذ تشير المعطيات إلى أن المكتب يُدار من طرف المهدي مزواري، القيادي في الحزب، إلى جانب الحسن لشكر، نجل الكاتب الأول، إضافة إلى ريم العاقد، التي تربطها صلات قرابة بمدير الفريق النيابي للحزب، أحمد العاقد.
هذه التركيبة الثلاثية دفعت بكثير من المراقبين إلى التشكيك في استقلالية الدراسات التي أُنجزت، وفي جدوى صرف هذا المبلغ دون عرض المخرجات على أجهزة الحزب التقريرية أو حتى نشرها للرأي العام الداخلي والخارجي. وهو ما يعيد إلى الواجهة سؤال الشفافية في التدبير الداخلي للأحزاب، لا سيما حين يتعلق الأمر بتمويلات مصدرها المال العام.
وتُثار اليوم أسئلة متعددة حول ما إذا كانت هذه الدراسات قد أُنجزت فعلا، أم أنها مجرد وثائق صُرفت بشأنها أموال في غياب أي أثر علمي أو ميداني واضح. كما يتساءل متابعون إن كان هذا المكتب قد وُجد فقط لتبرير نفقات معينة، أو لخدمة أجندات داخلية على حساب مقتضيات النزاهة والشفافية، التي يفترض أن تكون صمام أمان في بنية أي تنظيم سياسي.
وفي الوقت الذي يترقب فيه الرأي العام مدى تجاوب السلطة القضائية مع هذه التقارير، فإن تعليمات رئيس النيابة العامة، إن تم تفعيلها بحزم، قد تعيد الاعتبار لمبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة، خصوصا إذا ما طُبقت على جميع الهيئات والمؤسسات الحزبية دون استثناء أو انتقائية.
ويُخشى، كما حدث في حالات سابقة، أن تُطوى هذه الملفات في أدراج الصمت، وتتحول إلى مجرد فصول في تقارير تُقرأ لمامًا ثم تُركن جانبا، دون أن تطال التحقيقات من تورطوا في هدر المال العام أو أساءوا استعمال سلطتهم داخل الفضاء الحزبي.
إن مصير هذه القضية سيظل بمثابة اختبار حقيقي لمصداقية مؤسسات الرقابة والعدالة في المغرب، ومدى قدرتها على الانتصار لحق المواطنين في معرفة ما جرى ويجري في كواليس المال العام. كما أنه اختبار للطبقة السياسية برمتها، في ما إذا كانت على استعداد للتخلي عن منطق الحصانة الحزبية والولاء العائلي لصالح حكم القانون ومبدأ المساءلة.
فهل نشهد انطلاقة حقيقية لمسار المحاسبة؟ أم أن الملف سيلحق بغيره من القضايا التي أُعلن عنها في العلن، ثم سُحبت بهدوء إلى ظلال النسيان؟
الأيام المقبلة وحدها كفيلة بكشف الجواب.

شارك هذا المحتوى