
الأنباء بوست
تقترب اللجنة المؤقتة لتسيير قطاع الصحافة والنشر من نهاية مدتها القانونية، وسط غياب تام لأي مؤشرات تدل على قرب تنظيم انتخابات لتجديد هياكل المجلس الوطني للصحافة.
وضعٌ شاذ يثير القلق في الأوساط الصحافية والحقوقية، ويكرس فراغا مؤسسيا يضرب في العمق مبدأ التنظيم الذاتي الذي يُفترض أن يكون من ركائز المهنة.
تشكيل اللجنة جاء عبر تعيين مباشر من طرف الحكومة، خارج الآليات الديمقراطية المتعارف عليها، ما اعتبره عدد من الوزراء السابقين، إلى جانب فقهاء القانون الدستوري، خرقا سافرا للدستور المغربي، وانقلابا صريحا على روح القانون المنظم للمجلس الوطني للصحافة.
اللجنة المؤقتة، بهذا المعنى، وُلدت من خارج الشرعية الانتخابية، واستمرت في أداء مهامها دون أن تكون خاضعة لأي رقابة مؤسساتية أو محاسبة سياسية، وهو ما يطرح أكثر من سؤال حول طبيعة وجودها واستمرارها.
ورغم مرور ما يقارب العامين على تعيين أعضائها، لم تُكشف للرأي العام الأهداف التفصيلية التي أنشئت من أجلها اللجنة، ولا المعايير التي تحكم عملها، ولا حتى الحصيلة التي أنجزتها. فكل شيء يتم في كواليس مغلقة، بعيدا عن أعين الصحافيين أنفسهم، الذين يُفترض أنهم أصحاب الشأن في هذا القطاع. ويزيد من خطورة هذا الوضع صمت المجلس الأعلى للسلطة القضائية، الذي يتحمل مسؤولية قانونية واضحة، باعتبار أن ممثله هو المعني بالدعوة إلى انتخابات جديدة، وتنزيل مقتضيات القانون بما يعيد للمجلس شرعيته ويُنهي حالة التسيير المؤقت.
الصمت ذاته يخيّم على الهيئات المهنية والنقابية، التي يفترض أن تكون في مقدمة المدافعين عن استقلالية القطاع، فإذا بها تلوذ بالصمت، أو تتماهى مع الوضع القائم، إما عجزا أو رضاً أو حسابات ضيقة لا علاقة لها بالمصلحة العامة. فهذا التواطؤ الصامت حرم الجسم الصحافي من تمثيل حقيقي، وترك الساحة فارغة أمام لجنة لا أحد يُحاسبها، ولا أحد يسائلها عن مآل المال العمومي الذي تُصرف منه تعويضات وميزانيات وتكوينات لا يعلم أحد عن تفاصيلها شيئا.
فأين هي التقارير المالية للمجلس الوطني للصحافة؟ وأين هي لائحة المستفيدين من الدورات التكوينية التي نظمتها اللجنة؟ ومن حصل على بطاقة الصحافة المهنية؟ وعلى أي أساس؟ ولماذا لا تُنشر هذه المعطيات للعموم كما يحدث في باقي المؤسسات؟ ولماذا تُستثنى هذه اللجنة من المحاسبة، في وقت تُسائل فيه الحكومة باقي المؤسسات أمام البرلمان، وتُعرض تقاريرها وتُدقق ميزانياتها؟
الأسئلة كثيرة، والمخاوف أكبر. فحين يتم تعليق التنظيم الذاتي للصحافة بهذه الطريقة، وفرض وصاية حكومية مقنّعة تحت غطاء “اللجنة المؤقتة”، فإن الأمر لا يتعلق فقط بخطأ إداري أو تأخر تقني، بل بخيار سياسي يُضعف استقلالية الإعلام، ويحوّله إلى قطاع تابع لا يمتلك قراره ولا ممثليه. وحين يغيب الأفق الانتخابي، وتتلاشى الوعود بتنظيم انتخابات جديدة، فإن الحديث عن المهنية والشفافية يصبح أقرب إلى الشعارات منه إلى الواقع.
ما يجري اليوم في قطاع الصحافة هو اختبار حقيقي لصدقية الخطاب الرسمي حول دولة المؤسسات وربط المسؤولية بالمحاسبة. فإما أن يُفتح هذا الملف على مصراعيه، وتُكشف التفاصيل، وتُنظّم الانتخابات، وتعود الشرعية للمجلس، وإما أن نستعد لمرحلة جديدة عنوانها “المؤقت الدائم”، وغياب الأجوبة، وتراكم الأسئلة التي لا يريد أحد أن يجيب عنها.

شارك هذا المحتوى