
الأنباء بوست / حسن المولوع
بعد ثلاث عشرة ساعة من المرافعات المتواصلة، بدأت منذ الثالثة بعد زوال يوم الإثنين وحتى الرابعة من فجر الثلاثاء، انتهت واحدة من أكثر المحاكمات إثارة في المشهد الإعلامي المغربي، حيث يمثل الصحافي حميد المهدوي أمام القضاء بتهم تتعلق بالمس بالحياة الخاصة والتشهير في مواجهة وزير العدل عبد اللطيف وهبي، في قضية امتزج فيها القانوني بالسياسي، وتحولت إلى اختبار حقيقي لحدود حرية التعبير والصحافة في المغرب.
منذ انطلاق الجلسة بدا أن النقاش يتجاوز بكثير مضمون العبارات الواردة في الفيديوهات المنشورة على قناة المهدوي في اليوتيوب، إذ سرعان ما تحولت المرافعات إلى حلبة نقاش قانوني عميق حول طبيعة التكييف القانوني للمتابعة، ومدى ملاءمتها مع الضمانات الدستورية المكفولة للصحفيين بمقتضى قانون الصحافة والنشر، أم أن الأمر يتعلق بقضية جنحية تستوجب تطبيق مقتضيات القانون الجنائي.
ممثل النيابة العامة استهل مرافعته بطريقة مثيرة للانتباه، إذ اختار قراءة نص مكتوب بسرعة وبصوت منخفض وهو جالس، في وقت يفترض فيه أن تكون مرافعات النيابة العامة مرتجلة وشفوية، لكونها جزءا من القضاء الواقف. انصبت مرافعته أساسا حول تعريف الحياة الخاصة، مستعينا بعدد من الاجتهادات الفقهية وقرارات محكمة النقض المغربية والفرنسية، واعتبر أن ما ورد في فيديوهات المهدوي يشكل مسا بالحياة الخاصة لشخص وزير العدل، ويرتقي إلى السب والقذف المعاقب عليه جنائيا. غير أن هذا العرض القانوني ظل يدور في حلقة مغلقة دون أن يقدم معطيات حاسمة تسند مزاعمه، لا سيما مع غياب أي تحريات ميدانية دقيقة حول طبيعة الاتهامات.
على الطرف الآخر، بدا دفاع عبد اللطيف وهبي مترددا ومتخبطا في أطروحته. فبينما دفع منذ البداية بوجوب تطبيق الفصل 447 من القانون الجنائي مستبعدا قانون الصحافة والنشر، عاد ليقدم سلسلة من الاجتهادات القضائية الأجنبية الصادرة عن محاكم فرنسية وأمريكية لدعم مرافعته، وهي أحكام تدور كلها حول حرية التعبير والصحافة، ما اعتبره دفاع المهدوي دليلاً ضمنيا على أن جوهر الملف يدخل ضمن اختصاص قانون الصحافة. وأثار دفاع وهبي سخرية الحاضرين حين استند في شرحه لمفهوم “الإسلام السياسي” إلى موقع ويكيبيديا، في ملف اعتبره المراقبون على درجة عالية من الخطورة القانونية والسياسية، مما جعله محط انتقاد على ضعف التوثيق العلمي في مرافعته.
في لحظة توتر من الجلسة، حاول دفاع وهبي تقديم أمثلة وصفها الحاضرون بالاستفزازية حين قال: “هل إذا قلت إن المتهم المهدوي بعقله أو لا طبيعي، سينتفض دفاعه علي؟”، وهو ما أثار رد فعل سريع من دفاع المهدوي الذي اعتبر هذا الطرح استفزازيا وينافي أخلاقيات المرافعة.
دفاع حميد المهدوي قدم مرافعته بهدوء واحترافية عالية، متمسكا بأن الملف برمته يندرج في إطار العمل الصحفي المحمي بقانون الصحافة والنشر، وأن قناة المهدوي على اليوتيوب كانت تابعة لمؤسسة إعلامية مرخصة هي موقع “بديل”. كما انتقد دفاع المهدوي النيابة العامة لعدم فتح تحقيق مستقل في قضايا جوهرية لها صلة مباشرة بالملف، أبرزها عدم التحقق من صحة التسجيل الصوتي المنسوب لعبد اللطيف وهبي، المسمى إعلاميا بتسجيل “من تحتها”، وعدم التحري حول تلقي الوزير سيارة من السيدة هند العشابي كأتعاب محاماة غير مصرح بها جبائيا، بالإضافة إلى تفويت مبلغ ضخم قُدر بأكثر من أربعة مليارات ونصف سنتيم من الرسوم القضائية في قضية كان وهبي ينوب فيها عن شركة “وانا” ضد “اتصالات المغرب”، دون مساءلة عن مدى قانونية هذه المعاملة.
خلال أطوار الجلسة الطويلة، بدا أن رئيس الجلسة يتفاعل بتركيز مع مختلف دفوعات الدفاع، وظهر وكأنه ضابط لتفاصيل الملف ومقتنع بأن التكييف القانوني الأنسب للمتابعة هو قانون الصحافة والنشر، لا القانون الجنائي، وفق ما فسره بعض المراقبين. وقد تميزت مرافعات حميد المهدوي نفسه بهدوئه وثباته، حيث أجاب على كل الأسئلة بتركيز ودقة يعكس فيها خبرته المهنية ومعرفته بقواعد العمل الصحفي.
انتهت الجلسة الطويلة فجر الثلاثاء بحجز الملف للمداولة وتحديد يوم 30 يونيو الجاري للنطق بالحكم، غير أن الأسئلة الكبرى التي أفرزتها المحاكمة ستظل معلقة إلى حين صدور الحكم: هل سيتم الاحتكام إلى منطق القانون، خاصة في جانبه الصحفي المهني، أم ستلقي الاعتبارات السياسية بظلالها على الملف؟

شارك هذا المحتوى