الأنباء بوست / حسن المولوع
بدأت في الآونة الأخيرة تطرح نقاشات على قنوات اليوتيوب ، بشكل مستفيض حول مآل عريضة النقض بالنسبة للمغنية دنيا باطما التي توبعت في حالة سراح وتم الحكم عليها بالسجن النافذ ، ومآل عريضة النقض بالنسبة للحقوقي محمد المديمي الذي توبع في حالة اعتقال وتم الحكم عليه بالسجن النافذ .
قضيتان وإن كانت كل واحدة منفصلة عن بعضها من حيث موضوع المتابعة ، إلا أنهما تشتركان فيما بينهما من حيث الاهتمام اليوتيوبي ، الشيء الذي يجعل كل قضية تتصدر قائمة أكبر عدد من المشاهدات والتعليقات ، والملاحظ أن ذلك خلق نوعا من المشاحنات بين أصحاب القنوات ، ففريق يدافع عن المغنية باطمة وله مبرراته ، وفريق آخر يدافع عن الحقوقي المديمي وله أيضا مبرراته باعتبار أن هذا الحقوقي هو أول من فجر قضية الحساب الوهمي ، المسمى اعلاميا “حمزة مون بيبي “.
انتظار وترقب لاعتقال المغنية
بعد إدانة المغنية دنيا باطما بالسجن النافذ حول ما نسب إليها ، وهي متابعة في حالة سراح ، أثيرت مسألة تنفيذ الحكم عليها ، لكن التنفيذ لم يتم بعد ، بالرغم من أن النقض لا يوقفه ، وانشغل الكثيرون بطرح السؤال حول قبول هذا النقض او رفضه من قبل محكمة النقض ، والظاهر أنه لن يقبل بالرغم من التفقه القانوني للنقيب عبد اللطيف بوعشرين ، وذلك لاعتبارين اثنين :
الإعتبار الأول
إذا تم قبول النقض بالنسبة لملف المغنية دنيا باطما فإن ذلك سيثير نقاشات حقوقية ، وتطرح مسألة عدم قبول النقض بالنسبة للصحافي توفيق بوعشرين وايضا بالنسبة للمعتقلين على خلفية حراك الريف ومن أبرزهم ناصر الزفزافي ، وبالتالي فإن ذلك سيضع الدولة المغربية في قلب المساءلة الحقوقية ، والمساواة بين المواطنين ، وهنا سيثار نقاش لن يتناسب حاليا مع الوضعية التي تعيشها البلاد .
الإعتبار الثاني
قبول النقض معناه أن الملف سيعاد من جديد إلى ساحة النقاش عبر مواقع التواصل الاجتماعي والمواقع الالكترونية ، وما أصبح مسلما به أن أي قضية تتبعها الضجة الإعلامية لا يقبل النقض فيها ، لأنه لو أعيد فتح ملف توفيق بوعشرين او ملف حراك الريف ، فإنه سيعاد النقاش من جديد وهو الأمر الذي لا ترغب فيه الدولة المغربية ، لتسلك في شتى الحالات سبيل الحل إما الحل السياسي ويكون هناك عفو ملكي كملف حراك الريف ، او بطلب من المحكوم عليه ، تماما كملف توفيق بوعشرين او ملف المغنية دنيا باطما .
إن الاحتمال الذي صار واردا بشكل كبير هو أن المغنية باطمة ستسلك طريق طلب العفو وستفتح الحدود في وجهها قبل البث في النقض ، خصوصا بعدما هدأت الأوضاع نوعا ما ، وأن من حوكموا على خلفية نفس القضية ، أتموا عقوبتهم الحبسية ، حتى لا يقولوا لماذا نحن سجناء وهي حضيت بالعفو ؟ والعفو كما هو معلوم ليس هو البراءة بل هو لايقاف العقوبة ، ولا يهضم حقوق الغير .
وسواء حصل الاتفاق حول طريقة وسلوكيات دنيا باطما او كان الاختلاف معها ، فإن ما هو مؤكد أنها كانت تخدم الراية المغربية خصوصا بالخليج الذي له علاقات قوية مع المغرب ، واستطاعت المغنية باطما ان تتغلغل هناك وتحصل على أشياء يصعب على اي انسان عادي الحصول عليها حتى ولو كان مدربا بشكل جيد ، وهذا معروف ونكتشفه في الأفلام والمسلسلات تماما كالراحلة سعاد حسني وما كانت تقوم به بالموازاة مع عملها كفنانة.
ونظير ما قامت به المغنية باطمة فإن الاحتمال الذي سيكون هو دخول شخصيات من الوزن الثقيل، مثلا كوزير العدل الاماراتي ، للتوسط لها في العفو كما تم السراح ، وبعدها تعيش حياتها خارج المغرب .
المديمي وهاشتاغ إطلاق السراح
إذا كان ملف دنيا باطما لن يتم قبوله في النقض بالرغم من أنه مكتوب من طرف أحد جهابذة المحاماة ، وذلك للاعتبارين السالف ذكرهما ، فإن ملف المديمي سيكون له نفس المآل ، وما يعزز هذا الاحتمال ويجعله كبيرا ، أكبر من سابقيه ، هو أن المحامي زهراش اقترب من اليقين الثابت أن نقضه غيره مقبول، لا شكلا ولا موضوعا ، ونحن هنا لا نبخس قيمته كمحامي، ولكن الملاحظ ، أن عريضة النقض تمت كتابتها بما لا يتناسب ومقامها وحجمها، وهذا ما يجعل الوهن يتسرب بين سطورها ، ليكون مآلها الرفض ، وأي طالب سنة اولى حقوق سيكون له نفس التخمين بخصوصها .
ولعل أي متابع لهذا الملف ، سيلاحظ تحركات المحامي زهراش وكيف يتغزل بالقنوات اليوتيوبية ، لاعبا على الاوتار الإنسانية بعيدا عن اللغة القانونية التي لا عاطفة فيها ، وهذا مرده من كونه بات مقتنعا بأن الملف لن يعاد طرحه من جديد على الساحة ، لأن طرحه سيعيد فتح الملفات المتفرعة عنه ، وسياسة الدولة كما أصبح معروفا هو أنها تبحث عن تهدئة الأوضاع وحل الملفات الشائكة بسرعة حتى لا يطالها التضخيم الاعلامي ، فليس في مصلحتها ارجاع أي ملف للاستئناف وهو متبوع بالضغط الاعلامي ، لأن ملفات كهذه تجعل المشرفين عليها يعيشون ليالي طوال مع الجلسات ، وفيها استنزاف للطاقة و الشرطة و اجراءات السجن ، زيادة على هذا فإن ذلك من شأنه أن يعيد بعض الجمعيات الى الواجهة ، ويتكرر معها سيناريو الوقفات وضغط الفيسبوك الى غير ذلك من وسائل الضغط ، وبالتالي فإن السياسة المنتهجة في أي ملف يتبعه الضغط الاعلامي هو كلمة لا ثاني لها ، “الرفض”..
إن المحامي زهراش وبحكم خبرته في عدد من الملفات التي تستأثر باهتمام كبير لدى الرأي العام ، يعرف هذا جيدا وموقن به ، وهذا ما يجعله يبحث عن يوتيوبرز كأصدقاء له حتى لا تطاله منهم سهامهم اللاذعة ، وايضا يبحث عن شريك له في الملف ، فإذا حدث وتم الرفض ، فإنه سيقول لست وحدي في الملف ، بل معي حتى المحامي السناوي ، وهذا ما جعل هذا الأخير يفطن بذلك ، ويقول في أحد مداخلاته عن طريق الهاتف ” هذا موكلك ، وهذا ملفك ” ، بمعنى أنه يقول لزهراش أنت تلقيت اتعاب الملف دون علمنا وعليك ان تتحمل مسؤولية ملفك وكيف ستبرره ، وهذا هو السبب الذي جعل المحامي زهراش يعلن عن اطلاق هشتاغ من أجل إطلاق سراح الحقوقي محمد المديمي ، لأنه لو كان موقنا بما لديه من وسائل ، لنازع في الملف وسط المحكمة، وهذا ما جعله أيضا يقول ان عريضة النقض قام بها بالمجان ، وهذا أمر مسلم به أن أي عريضة نقض تتم بالمجان ، لكن لم يقل أنني سأترافع بالمجان إن عاد الملف للاستئناف ، وهنا توضع علامة تعجب ومعها علامة استفهام .
إن اللحظة التي سيتم فيها اعلان رفض طلب النقض ، هي نفس اللحظة التي ستهدأ فيها القنوات اليوتيوبية ولن يتجرأ أي أحد على طرح نقاش من هذا النوع ، وسيبحث البعض عن مواضيع أخرى ضمانا لمداخيل الادسنس ، وتبقى الوسيلة الوحيدة هي طلب العفو الذي في جميع الأحوال لا يقبل نتيجة ضغط من أي جهة أو اي ضغط اعلامي ، وعليه فإن قضية المديمي والعفو عليه ترتبط أساسا بالهدوء وضبط النفس ، فتلك هي طبيعة المخزن وطرق تفكيره ، ومن علم ليس كمن لا يعلم ، وبالتالي فمن يرد خيرا بمحمد المديمي فليصمت ، ليس خوفا من أي شيء ، بل لمصلحته ، ومن لم يصدق هذا الكلام، فليرجع إلى كل القضايا الشائكة التي راجت أمام المحاكم وسيكتشف الحقيقة ، فهل كثرة الكلام والضغط خلق نتيجة حولها أم بقيت في مكانها ؟
هذا السؤال لن يجيب عنه الا العقلاء
شارك هذا المحتوى