الأنباء بوست / حسن المولوع
كعادتي اليومية عندما أنتهي من انشغالاتي الضرورية بما فيها قراءة الاستمتاع وكتابة ما هو خاص بي على دفاتري السرية، أبحر قليلا في عالم اليوتيوب في وقت الراحة لأبحث عما هو تثقيفي أو ترفيهي لكسر روتيني اليومي .
وأنا أبحر عبر الفضاء الأحمر الأسبوع الماضي ، صادفت قناة تحت إسم مغربي في برلين ، الواقع أن اسم القناة أغراني ، وقبل الدخول وتصفح فيديوهاتها قلت مع نفسي، من الأكيد أن صاحب او صاحبة هاته القناة سيطرح عبرها محتوى يتحدث عن برلين، “العاصمة الفيدرالية لجمهورية ألمانيا الاتحادية” ، مثلا تاريخها ، مميزاتها الثقافية أماكنها الترفيهية ، إقتصادها ، تطورها التكنولوجي ، نشاطاتها الترفيهية ، معالمها السياحية ، متاحفها …الخ ، قلت كل هذا وأنا أحدث نفسي قبل تصفح قناة مغربي في برلين ، نعم ، قلت كل هذا وكنت متأكدا من أنني سأجد ما قلته مع نفسي ، فأن يحدثك مغربي عن برلين بعيون مغربية ،فمن الأكيد أنني أنا المهتم بالشأن الثقافي سأفهم جيدا وازيد من زادي المعرفي ، وأجد عند مغربي في برلين ما لا يوجد في كتاب او فيلم وثائقي .
ولكم كانت صدمتي كبيرة وانا أتصفح فيديوهات القناة ، لقد وقع لي مثل ذلك الذي باع “الكرموس” ليشتري “حلوف ” وانطبقت عليه مقولة “حلوف كرموس/ هي ما هي ) ، فأنا هربت من قنوات روتيني اليومي وقنوات التفاهة ، وسقطت في روتين يومي بشكل أنيق، تماما عندما نورد مثال ” ما بين البغل والحمار ” ، فما يتم تقديمه عبر هذه القناة يبقى مصنفا في خانة “نزار وندى حسي ومي نعيمة” مهما بلغت أناقته ، لأنه يدور في فلك واحد ، وموضوع واحد يذكرني بذلك التلميذ الذي تعب معلمه في اللغة العربية من كثرة إستعمال جملة “و كان الجو جميلا والعصافير تزقزق” في أي موضوع إنشائي، أراد المعلم ان يطلب منه كتابة موضوع إنشائي وأختار له موضوع لا يمكن له ان يضيف تلك العبارةفيه ، فقال له اكتب موضوعا إنشائيا عن رحلة في الطائرة ، واشترط عليه ان يكتب الموضوع، بداية من صعوده ونزوله من الطائرة، وهكذا كان ، كتب التلميذ الموضوع وجاء فيه : في يوم من الأيام قرر أبي ان ياخذنا في رحلة جوية من المغرب الى ألمانيا، فذهبنا الى المطار واخذنا اماكننا، وأقلعت الطائرة وبعدها بنصف ساعة سقطت الطائرة في الحديقة وكان الجو جميلا والعصافير تزقزق
نفس الأمر وجدته في هذه القناة اليوتيوبية ، يتحدث اليوم عن مغنية ، ثم يعقب للحديث عن حقوقي معتقل ، وبعدها يعود للحديث عن يوتيوبرز وصحافي ومحامي ، تحدثوا عن المغنية ، فيعود من جديد للحديث عنها، ثم يتحدث عن الحقوقي المعتقل ، وفي بعض الاحيان يتحدث في موضوع آخر لكنه يعود الى المغنية ، وليكسر الروتين يتحدث عن زيت المائدة وهكذا دواليك ، وياليته كان حديثا يشبع الفضول المعرفي ، كل ما هنالك حديث تطبعه النفحة النسوية يشبه ” ويلي الله يعطيك الذل، وخا عليك الله يعطيك السقوط “، كلام يبعث على الغثيان ويثير النرفزة .
في اول الفيديوهات كنت أسمع فقط صوت المتحدث ، لكن في فيديوهات أخرى ، وجدت شابا يظهر من ملامحه أنه آت من عوالم البؤس وأحزمة الفقر المدقع الذي مازالت عقدته مؤثرة عليه ، وغير راض بماضيه ، وكأن به عقدة نفسية ناتجة إما عن سحر قديم أو تفكك أسري، سواء بين والديه أو هو نفسه ، او يعاني الوحدة والانعزال قديما أو حديثا، رأيت في عينيه حزنا عميقا ، وكأن به مس او وسواس خناس ، فتساءلت مع نفسي وقلت، منذ متى وهذا الفتى لم يحلق ذقنه ؟ وكيف طغت النحافة محياه دون أن يزور الطبيب على عجل ؟ طرحت هذا السؤال وأنا على علم بأن برلين تمتلك تاريخاً عريقا كمدينة للطب والتكنولوجيا الطبية ، فهي تضم أكبر مشفى جامعي في أوروبا يسمى التشاريتي Charité وفيفانتس كأضخم مجمع إقليمي للمستشفيات والمصحات والمستوصفات ، بمعنى كيف يترك نفسه عرضة لأنياب المرض الذي تجعله يتآكل يوما عن يوم ، ويهتم بمواضيع نلخصها مجازا في عبارة ” وكان الجو جميلا والعصافير تزقزق”
يقال في الحكايات المغربية التي كنا نسمعها ونحن صغار ، أن الانسان عندما يكون سيئا وخبيثا ، أو عاقا لوالديه أو أحدهما ، فإن علامات الشؤم تظهر على وجهه ويصبح كالبومة ، غير مقبول بين الناس ، ولا أتصور أن يكون هذا الفتى سيئا وخبيثا أو عاقا للأبيه أو أمه إن كانا على قيد الحياة ، وأما إن كانا قد غادراها نرجوا لهما الرحمة والمغفرة وأن يمتعه برضاهما .
ما أثارني في فيديوهاته هو دفاعه المستميث عن إحدى المغنيات ، تملكتني الريبة في البداية ، واعتقدت أن المغنية أصبح لديها ناطق رسمي أو كلفت هذا الفتى كمدير لأعمالها رغم أنها أضحت عاطلة عن العمل ، لكن سرعان ما تبددت الريبة ، واكتشفت أن هذا الفتى مجرد “قزقوز” ، يشبه ذلك التلميذ الذي كان يسابق جميع التلاميذ من أجل مسح السبورة وكتابة التأريخ اليومي عليها ، وجلب كوب الماء للمعلم ، وهذا الأخير يكلفه بحراسة التلاميذ حتى ينتهي من التغزل بمعلمة أخرى ، ويتلذذ عندما يقدم وشاية بتلميذ ، يشعر حينها بأنه حقق انجازا ، في مقابل ذلك يكون مكروها من تلاميذ الفصل ، وعندما تنتهي الحصة ، وبينما يخرج الجميع “تيديرو له يد من الفوقانية ” ويتعرض ” للتقرميع” ، ويذهب عند امه يبكي ، والتي بدورها تكلف “مول الحانوت ” بالذهاب معه كي يشتكي للمدير ، لأن ليس له أب يوجهه ويقول له ” ليس هذا من الرجولة يا بني ” هذا ما اكتشفته واتمنى أن أكون مخطئا في تحليلي .
وما زاد استغرابي أن هذا الفتى “القزقوز ” الذي لم تعلمه ألمانيا شيئا ، به حقد أعمى ، بدا هذا ظاهرا من خلال حديثه عن أحد الحقوقيين وهو معتقل حاليا ، يتحدث عنه بحقد غريب ويتمنى لو تم اقباره في السجن مدى الحياة إرضاء لما في دواخله من عقد نفسية ، والمثير أنه أصبح يرد على كل من يطالب بإطلاق سراحه ، وهنا تأكدت بأن هذا الفتى لم تعلمه ألمانيا شيئا وبقي بدويا وانثويا في عقليته حتى صار يرد على النساء على طريقة “المعاطية فالحمام ” ، وما لا يعلمه ويتعلمه هذا الفتى أن كل انسان له ثقافة حقوقية يطالب بإطلاق سراح المعتقلين حتى ولو كانوا قد حملوا السلاح ضد الوطن ، حتى ولو كانوا ارهابيين ، ولقد رأينا كم منهم شمله العفو الملكي ، وأي شخص له النفس الحقوقي يطالب بالمحاكمة العادلة ، وإن بدا له أنها لم تكن عادلة فإنه يناضل من أجل ذلك، ولو كان يختلف مع المعتقل إيديولوجيا ، وفي هذا الصدد نشير إلى أن الجمعية المغربية لحقوق الانسان ، تختلف جذريا مع التيار السلفي ، لكن عندما تم اعتقالهم على خلفية أحداث 16 ماي الإرهابية دافعت عنهم في إطار المطالبة بالمحاكمة العادلة ، فالحقوقي لا تهمه الايديولوجيات ولا ينظر الى الافعال المنسوبة إلى المتهم ، بل دوره هو المطالبة بالمحاكمة العادلة .
أما الذي يمتلك ذرة من الإنسانية فإنه ينظر الى المحيطين بعائلة المعتقل ، فيشرع في المطالبة بإطلاق سراحه رحمة بهم لا رحمة له ، وفي قضية هذا الحقوقي المعتقل نرى أن أمه حفظها الله تعيش عذابا لا يستطيع أن يوصفه أحد ، فلو كان هذا القزقوز يمتلك ذرة حياء وفيه نوع من الإنسانية ما تحدث في الموضوع بتلك الطريقة الخبيثة ، وطالب باقبار هذا الرجل ، لكن وعلى ما يبدو ان به عقدة الرجال ، إما أن به نقصا أو انه عانى تفككا أسريا ، بدليل أنه يقع في سكيزوفرينيا خطيرة يدافع عن أنثى بألا تسجن فيما يتمنى إقبار رجل في السجن ، لا أعلم حقيقة الأمر بخصوص هذا التناقض لأنني لا اعرف هذا الفتى ولا أريد معرفته .
وما زاد من غضبي أنني ضيعت وقتا ثمينا عندما صادفت هذه القناة التي وجدت بها مخلوقا غريبا ينتمي لبني الإنسان، لا يخرج من ظلمات ثلاث (ظلمة الجهل، وظلمة الحقد، وظلمة الأمراض النفسية) ، هذه الظلمات أوهمته بأن باستطاعته تحويل حياة الآخرين إلى جحيم، أو تحطيمهم أو تدميرهم لكن في النهاية لا يدمر الا نفسه وينتقم لعقدته النفسية ، واخشى أن يكون عاقا لاحد والديه وبذلك تكون الحكاية التي كنا نسمعها ونحن صغار صحيحة .
هذا المخلوق في الحقيقة ينتمي إلى أولئك الذين “في قلوبهم مرض فزادهم الله مرضا”، لذلك فاجتنابه راحة وإن صادفه أحد منكم فحوِّلوه إلى طاقة إيجابية كي تستمروا في حياتكم ، وذلك بالقول “الحمد الذي جنبنا مثل هذا المرض ” فالتفكر في نعم الله يكون عندما تقارن نفسك بالأسوء ..
وأصدقكم القول أن مثل هؤلاء المرضى لن تتم معالجتهم أبدا، لأنهم لا يعترفون بأنهم مرضى أصلا، فلا فائدة من السعي إلى مساندتهم للخروج من أزمتهم.
إن غايتي من الحديث عن هذا الفتى التائه والباحث عن ذاته المشروخة ، هي مساعدة أولئكم الذين ابتلاهم الله بمشاهدته او الرد عليه ، لأن مثل هؤلاء المرضى النفسانيين ، لا يكون استمرار عيشهم وإثبات وجودهم الا عندما يتحدث عنهم الكبار ، وفي هذا السياق أوجه عتابي القاسي لزميلي الأستاذ حميد المهدوي ولأخي وصديقي محمد تحفة على منح هذا الفتى أوكسجين الحياة بالحديث عنه ، تحدثت عنه أنا اليوم ليس لمنحه هذا الأوكسيجين ولكن لأنني غاضب جدا على ضياع وقتي ، وايضا حتى لا يسقط أحد فيما سقطت فيه ، وفي الختام أقول “إِنْ أُرِيدُ إِلَّا ٱلْإِصْلَٰحَ مَا ٱسْتَطَعْتُ ۚ وَمَا تَوْفِيقِىٓ إِلَّا بِٱللَّهِ ۚ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ”.
شارك هذا المحتوى
مقال رائع ،اشفى غليلي من “بغل فبرلين”اكبر مدلس على اليوتيوب.شكرا حسن المولوع
تبارك الله عليك استاذ كلامك فالصميم فعلا هذا الانسان يعاني مرضا نفسيا أو اصابتها لعنة الوالدين
تحليل نفسي رائع لهذه الشخصية السيكوباتية، لقد أصبت في كلامك، أنا أعرف هذا الشخص شخصيا، وهناك عدة عوامل أدت به لهذا الحقد، و أولها إغتصاب جماعي له من طرف أبناء الحي و هذا ما جعله يحقد على الجميع بما فيه والده، الحمد لله الذي عافانا مما ابتلاه.