
الأنباء بوست/ حسن المولوع
فجأة، وبدون مقدمات، تحوّل أتباع الشيخ إدريس لشكر إلى فرسان الغيرة على الذات الإلهية، يذرفون دموع التماسيح على ما تفوّهت به المدعوة ابتسام لشكر من سبّ صريح لله عز وجل. والذاكرة المغربية لم تغب عنها أن شيخهم نفسه هو الذي نصب نفسه مفتي الأمة، ودعا بلا حياء ولا خشية إلى تغيير آيات الإرث، جاعلا كلام الله مادة قابلة للتعديل كما لو كان نظاما داخليا لحزبه، يخيطه ويفصّله وفق مقاساته وأهوائه وفهمه الضيق.
ولما نَفد ما لديهم من مبررات، ووجدوا أنفسهم أمام ولاية رابعة تثير الاستياء حتى داخل صفوف الحزب، قرر المريدون ركوب موجة المظلومية. فابتكروا رواية مضحكة مفادها أن هناك حملة تربط بين ابتسام لشكر وشيخ الزاوية، رغم أنهم يدركون قبل غيرهم، كما يعلم الشعب المغربي كله، أنها لا ابنته ولا قريبته، وقد صرّح هو بذلك مرارا. لكنهم وجدوا في هذه التهمة فرصة سانحة للتقرب من الشيخ، علّهم يحظون بنصيب من عطاياه السياسية.
والسؤال البديهي هو لماذا لم نرَ هذه الحماسة الدينية العارمة حين كان شيخهم يمد يده إلى النصوص القرآنية ويطالب بتغييرها في بلد إمارة المؤمنين، حيث قال الملك بوضوح: “لا أحلل حلالا ولا أحرّم حراما”؟ أليس التلاعب بكلام الله أخطر من أي إساءة عابرة على مواقع التواصل؟ أم أن الدين عند المريدين مجرد أداة، تُرفع شعاراته حين تخدم المصلحة، وتُركن جانبا حين تزعج الشيخ؟
حزب الاتحاد الاشتراكي، الذي كان في زمن مضى مصنعا للعقول والمناضلين، تحوّل في عهد إدريس لشكر إلى فضاء مغلق أشبه بخيمة موسم ديني، حيث الشيخ في الوسط، والمريدون يطوفون حوله بالتصفيق والتهليل، فيما الأفكار رحلت، والمرجعية الاشتراكية تحوّلت إلى مجرد شعار باهت على ورق الحزب. فصار النقاش السياسي أشبه بـ”حضرة” سياسية على إيقاع متكرر، أصوات عالية، وحركات محفوظة، بلا مضمون ولا إنتاج فكري.
ومن أخطر ما أفرزته “الطريقة الشكراوية” جيش إلكتروني مسلّح بالسباب والقذف، مهمته الوحيدة ملاحقة كل من ينتقد الشيخ أو يشكك في عصمته السياسية. لا حديث عن برامج أو بدائل أو فكر، بل هجمات منظمة من الشتائم على كل صوت معارض. فالمبدأ واضح: الشيخ فوق النقد، والحزب ملكية خاصة لا مكان فيها إلا للمصفقين والمطبلين.
أما المشهد الأكثر سخرية فهو ما يُروى في الكواليس عن نية إدريس لشكر توريث “سر الزاوية” لأحد أبنائه أو لمقرب منه، تماما كما يفعل شيوخ الطرق الصوفية حين يسلمون العصا والبركة لمن بعدهم. وهكذا تحوّل الحزب من ساحة للتنافس الديمقراطي إلى ضيعة سياسية تُدار بالمحاباة، وتوزَّع المناصب فيها كما تُوزَّع كؤوس الشاي في مواسم الولاء.
إنه لأمر مؤلم أن نتذكر أن هذا الحزب نفسه كان في زمن سابق مدرسة سياسية خرّجت قامات فكرية ونضالية خلدها التاريخ المغربي. واليوم، أصبح أشبه بزاوية مغلقة، يديرها شيخ محاط بحاشية من المريدين، حيث تُستعمل القضايا الدينية والسياسية كورقة ضغط لخدمة الأجندة الشخصية، وتُهمل المبادئ التي تأسس عليها الحزب في رف مهجور، لتأكلها غبرة النسيان.
الخلاصة أن الاتحاد الاشتراكي لم يعد حزبا، بل صار نسخة سياسية من “الزاوية الشكراوية”، لها شيخها، وحاشيتها، وجيوشها الإلكترونية، وخطاب المظلومية الجاهز للاستعمال عند كل أزمة. أما الفكر والمبادئ، فقد غادرا بلا عودة، تاركين خلفهما أطلال حزب كان يوما من أعمدة السياسة المغربية، قبل أن يسقط في حضن الشيخ، ويتحوّل إلى فصل طويل من فصول الكوميديا السوداء في حياتنا السياسية.

شارك هذا المحتوى