
الأنباء بوست / حسن المولوع
منذ توليه حقيبة الشباب والثقافة والتواصل، بدا واضحا أن الوزير المهدي بنسعيد لم يرَ في قطاع الصحافة والنشر إلا أداة لتحقيق أهداف شخصية وسياسية بحتة، لا علاقة لها بتطوير المهنة أو تعزيز حرية الإعلام استنادا للفصل 28 من الدستور. فالوزير بنسعيد يشتري صمت الصحافة بمنح الدعم المالي الموجه للجمعيات المهنية، وعلى رأسها جمعية الأعمال الاجتماعية لصحافيي الصحافة المكتوبة، مع إظهار محاباة فاضحة للجمعية الوطنية للإعلام والناشرين، التي باتت تتحكم في الكثير من مفاصل الدعم العمومي.
هذا السلوك لا يمكن تفسيره إلا في إطار صراعات داخل حزب الأصالة والمعاصرة، حيث يسعى الوزير بنسعيد، كأحد أعضاء القيادة الثلاثية للحزب، لتصفية كل منافس محتمل على منصب الأمين العام مستقبلا، إذ يريد الاستفراد وحده بالقيادة. ومن الغرائب العجيبة أن التسريبات المتعلقة بما يسمى “جبروت” تطال خصومه المباشرين، مثل الأمين العام السابق عبد اللطيف وهبي، وفاطمة الزهراء المنصوري منسقة القيادة الثلاثية بالحزب والتي أشادت بها البرقية الملكية، بينما يظل الوزير بنسعيد بعيدا عن أي شبهات، ويستفيد من تلميع مفرط من منابر إعلامية تابعة للجمعية الوطنية للإعلام والناشرين.
السياسة المالية للوزير في القطاع تتسم بما يشبه الرشاوى الرمزية للصحافة. فالدعم السخي الذي تمنحه وزارة الثقافة والشباب والتواصل لجمعية الأعمال الاجتماعية لصحافيي الصحافة المكتوبة، دون أي متابعة لأوجه صرف ذلك الدعم، ومحاباته للجمعية الوطنية للإعلام والناشرين، لا يهدف إلى تعزيز القطاع، بل لضمان صمت الصحافيين المستفيدين. فكل صحافي يتجرأ على انتقاد الوزير، تتدخل رئيسة الجمعية لإرغامه على التوقف، مقابل استمرار الاستفادة من الدعم والخدمات البسيطة مثل المخيمات الصيفية والخرجات الأسبوعية في غابات عين حرودة.
أما محاباة الجمعية الوطنية للإعلام والناشرين، فهي استراتيجية محسوبة بدقة: فهذه الجمعية تضم منابر إعلامية مؤثرة، مثل “الأحداث المغربية” و“شوف تيفي”، التي غالبا ما تستهدف خصوم الوزير عبر تغطيات مسيئة، بينما تحمي مصالحه وتغطي على أي تجاوزات أو فضائح محتملة.
الأدهى من ذلك، أن الوزير بنسعيد لا يكتفي باستخدام الدعم المالي للسيطرة على الرأي العام، بل يستغل المال العام لقضاء أغراض شخصية، والتحكم في مفاصل حزب الأصالة والمعاصرة، مستفيدا من صمت المؤسسات الرقابية، وتواطؤ بعض الهيئات المهنية. ومن أبرز الأمثلة على ذلك، الدعم الاستثنائي الذي تم صرفه خلال جائحة كوفيد-19، حيث تم منح مبالغ مالية كبيرة لعدد من الصحافيين المنتمين لصحف وومؤسسات الإعلامية بعينها، وبعض مدراء النشر تلقوا زيادات في أجورهم من المال العام، دون نشر لائحة المستفيدين أو توضيح المعايير المعتمدة، وهو ما يثير شبهة المحاباة والاختلال في التوزيع.
إن ما يجري اليوم يمثل خطورة قصوى على الممارسة الديمقراطية، وعلى استقلال الصحافة، وعلى نزاهة مؤسسات الدولة. فالمال العام أصبح أداة في يد سياسي يخطط لتصفية الحسابات، واللوبي الإعلامي أصبح وسيلة لضمان الحماية، فيما يظل المواطن والمهنة والشفافية الضحية الوحيدة.
لا يمكن السكوت على هذا الانحراف. فالصحافة المغربية اليوم بحاجة إلى إعادة ترتيب أولويات القطاع، ومساءلة كل من استغل سلطته ومكانته لتحقيق مصالح شخصية، وكشف دور الوزير المهدي بنسعيد في توجيه الدعم، وتوجيه الجمعيات المهنية، وتلميع صورته السياسية على حساب الحق العام. فإما أن تتحرك الأجهزة الرقابية، وإما أن تصبح حرية الصحافة ومبادئ الشفافية مجرد شعارات جوفاء، لا تساوي شيئا أمام لعبة المال والنفوذ السياسي، مع وجوب نشر كل لائحة المستفيدين من الدعم العمومي لضمان الشفافية ومحاسبة المسؤولين عن التسيير.

شارك هذا المحتوى