
الأنباء بوست/ حسن المولوع
إذا صح ما يتم تداوله بين الزملاء الصحافيين حول طرد عبد الكبير اخشيشن رئيس النقابة الوطنية للصحافة المغربية يوم 28 غشت 2025 من قاعة الاجتماع التي عقدها المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي للاستماع إلى اللجنة المؤقتة لتسيير شؤون قطاع الصحافة والنشر فنحن أمام فضيحة دستورية ومؤسساتية بكل المقاييس تهدد مبادئ الحرية والمشاركة والتعددية التي يقوم عليها البناء الديموقراطي المغربي..
المجلس الذي ترأس جلسته أحمد عبادي رئيس لجنة مجتمع المعرفة والإعلام، كان يجب أن يجسد روح الدستور عبر الانفتاح على جميع المكونات المهنية المعنية بمشروع القانون رقم 026.25 المتعلق بإعادة تنظيم المجلس الوطني للصحافة وهو مشروع أثار نقاشا واسعا ، وطلب رئيس مجلس النواب من المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي إبداء الرأي فيه استنادا إلى الفصل 152 من الدستور وإلى المادة الثانية من القانون التنظيمي 128.12 وكذا المادة 366 من النظام الداخلي لمجلس النواب، أي أن الإطار الدستوري يلزم المجلس بالاستماع إلى كل الأطراف المعنية دون استثناء ، لأن استبعاد أي طرف يفرغ الاستشارة من محتواها ويجعلها باطلة في الجوهر.
طرد رئيس النقابة الوطنية للصحافة المغربية إن صح فعلا ليس مجرد تجاوز شكلي بل خرق صريح لمقتضيات الفصل 25 من الدستور الذي يضمن حرية الفكر والرأي والتعبير ويكفل حرية الإبداع الصحفي والفني، كما أنه مساس بالفصل 29 الذي يقر بحرية تأسيس الجمعيات والمنظمات النقابية والانخراط فيها ويمنحها الحق في القيام بأدوارها دون تدخل أو تضييق، وبالتالي فإن إقصاء النقابة ورئيسها من النقاش حول مستقبل المجلس الوطني للصحافة يعد ضربا للدستور قبل أن يكون إهانة لمجرد شخص.
إن خطورة الحادث تكمن في أن الرأي الذي سيصدر عن المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي حول هذا المشروع سيكون مبتورا ومنحازا وهو ما يفقده الشرعية الدستورية والأخلاقية فالمجلس ليس مؤسسة شكلية بل فضاء استشاري موسع يهدف إلى تغذية القرار العمومي بمقترحات متوازنة كما نص على ذلك الفصل 152 من الدستور لذلك فإن أي إقصاء يضرب في العمق فلسفة وجوده ويجعله مجرد أداة لتزكية خيارات سياسية مسبقة.
ما يضاعف من خطورة هذه الواقعة أن المشهد الإعلامي يعرف منذ سنوات تغولا للوبيات تحتكر الإشهارات العمومية وتتحكم في أجندة النقاش العام وتلمع وجوه سياسية بعينها مقابل شن حملات ممنهجة على خصومها واستعمال المال العمومي لشراء الصمت وضمان الولاءات في حين يتم تهميش الأصوات المستقلة وتكميم أي نقاش حر وهو ما يجعل من الإعلام أداة سلطة بدل أن يكون سلطة رابعة تراقب وتحاسب وتدافع عن المصلحة العامة.
إن طرد عبد الكبير اخشيشن رغم كل اختلافاتنا المهنية معه لا يمكن أن يفهم إلا كرسالة إلى النقابة الوطنية للصحافة المغربية بأن صوتها غير مرغوب فيه وهو ما يشكل انتكاسة خطيرة لمصداقية المؤسسات ويؤكد أن الحكومة وبعض أذرعها الإعلامية ماضية في سياسة الإقصاء والهيمنة لذلك فإن الواجب يفرض على المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي تقديم اعتذار رسمي وإعادة فتح النقاش بمشاركة فعلية لكل الفاعلين.
المسألة اليوم ليست مرتبطة بشخص بل بمستقبل حرية الصحافة وضمان استقلالية مؤسساتها، فإما أن نكون أمام ديموقراطية حقيقية تقوم على احترام الدستور وضمان التعددية وإما أن ننزلق إلى لعبة سياسية بغطاء مؤسساتي.
المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي إن صح ما وقع، يتحمل المسؤولية كاملة عن إهانة النقابة الوطنية للصحافة المغربية وعن تشويه دوره كمؤسسة دستورية يفترض فيها أن تكون فضاء للحوار لا غرفة مغلقة للإقصاء. إن التواطؤ مع الإهانة هو سقوط أخلاقي وقانوني، وعلى المجلس أن يختار: إما أن يصحح الخطأ بالاعتذار والإنصاف، أو أن يعلن بنفسه عن نهاية مصداقيته كإحدى الواجهات الدستورية للدولة..

شارك هذا المحتوى