الأنباء بوست/ حسن المولوع
في وطنٍ تؤمن فيه النفوس بأن العدالة هي السقف الذي يحمي الجميع، ويُفترض أن يكون القانون منارةً للإنصاف ومظلةً تَحمي المظلومين، تبرز قضية الشاب أمين نصر الله، المحامي المتمرن الذي تم التشطيب عليه من جدول المحامين، كصفحة ثقيلة تُثير مشاعر غالبية المغاربة، بمن فيهم أهل القانون.
هذه القضية تتجاوز كونها مجرد قرار إداري أو إجراء قانوني، لتصبح اختبارًا للعدالة نفسها. فهي تُلقي الضوء على رحلة كفاح شابٍ جعل من حلمه شعلة أمل لعائلته، التي بذلت الغالي والنفيس ليصل إلى هذا المكان. ومع ذلك، جاء القرار ليُحطم هذا الحلم، كاشفًا جرحًا عميقًا يتجاوز شخص أمين ليصل إلى قلوب كل من يُدرك معنى الظلم وآثاره.
أمين نصر الله لم يكن مجرد اسمٍ في سجل المحامين، بل قصة نضال خطها بعرق جبينه ودموع والديه، اللذين كانا يَرَيان في إنجازه تعويضًا عن كل التضحيات. ولكن، كيف يمكن لحلمٍ بُني على تعب السنين أن يُجهض في لحظة؟ وكيف تُنسف أحلام عائلة بأكملها بقرار كهذا؟
في رسالة مؤثرة، عبّر أمين عن الألم الذي يعيشه قائلاً:
“كافحت حياتي كلها، كفاح ديال الصح، وضحيت بكلشي باش نفرح واليديا اللي ضحاو وحيدوها من لحمهم باش نقرا. وفي الأخير تجي تطيح عليا الباطل وتذبحني.”
هذه الكلمات ليست مجرد شكوى، بل هي نداء لكل من يحمل ضميرًا حيًا. إذ كيف يمكن لوالدين عاشا فرحة إنجاز ابنهما أن يتحملا مرارة قرارٍ يُشبه السيف، يقطع ما بُني بدموع الأمل؟
صرخة أمين ليست استسلامًا، بل هي موقف شجاع يُطالب بالإنصاف. لم يطلب الشفقة، ولم يُراهن على العواطف، بل يدافع عن حقه بإيمانٍ قوي بالعدالة وروحها الحقيقية.
أغلبية المغاربة، بمن فيهم رجال القانون، يرون في هذه القضية اختبارًا لقيم العدالة. فالتشطيب على اسم أمين ليس حكمًا عليه وحده، بل سهمًا أصاب أسرةً بأكملها وزعزع الثقة في منظومة العدالة التي يُفترض أن تكون رمزًا للإنصاف.
اليوم، يجد الأستاذ محمد حسي، نقيب هيئة الدار البيضاء، نفسه أمام قرار مفصلي. وهو، بما عُرف عنه من حكمةٍ واتزان، قادرٌ على إعادة الابتسامة إلى وجه أمين وأسرته. فإعادة النظر في هذا القرار ليست مجرد خطوة إجرائية، بل مسؤولية أخلاقية وإنسانية تُعيد الثقة في العدالة، وتمنح الأمل فرصةً جديدة للتنفس.
وكما هو معلوم فإن العدالة ليست نصوصًا تُطبق بلا روح، بل شعلةٌ من الإنصاف والرحمة. وإعادة أمين إلى مكانه الطبيعي ليست فقط إنصافًا لشابٍ مظلوم، بل رسالة واضحة أن هذا الوطن يقف إلى جانب أبنائه في الأوقات العصيبة، وأن القانون هو درعٌ يحمي الحقوق والكرامة، وليس سيفًا يُغتال به الأمل.
أمين كتب في رسالته الموجعة:
“واش مخممتوش في هد الأم وهد الأب حالتهم؟ أكيد لا. حَقاش لي كيصنع الباطل آخر حاجة عندو هو الإحساس بالآخر. وقسما بالله الموت أهون عندي من الذل والظلم والكَسرة ديال واليديا ونظرة الناس.”
أمام هذه الكلمات، لا يمكن تجاهل هذا النداء المفعم بالألم. هل نترك هذا الشاب يواجه المجهول بمفرده؟ هل نقبل بأن تُدفن أحلام عائلة بأكملها؟
المناشدة موجهة للنقيب حسي، وكل أصحاب القرار في مهنة المحاماة، ليُعيدوا النظر في هذا الحكم. فالعدالة، في جوهرها، ليست تطبيقًا صارمًا للنصوص فقط، بل هي ملاذٌ يجد فيه المظلوم الأمان.
المغاربة ينتظرون قرارًا يعيد الحق لأمين نصر الله، ويُبرهن أن وطنهم يُقدس العدالة ويرفض الظلم. صرخة أمين هي نداء لكل قلب ينبض بالإنصاف، ورسالة لكل شاب مغربي يحلم بمستقبل أفضل، أن هذا الوطن لا يزال يملك من الرحمة ما يُعيد الأمل إلى النفوس.
شارك هذا المحتوى