النقاش الموؤود بخصوص مدونة الأسرة 

الأنباء بوست / حسن المولوع 

يعتقد الكثيرون عن وهم أن المجتمع المغربي الحقيقي هو الذي يوجد على هذا الفضاء الأزرق المسمى بالفايسبوك ، يعتقدون بأن نقاش مدونة الأسرة عبر هذا الفضاء هو المحدد الرئيسي لاخراج مدونة تساهم في بناء مجتمع سليم وقوي ومتماسك وتحد من العنوسة من جهة ومن الطلاق الذي ارتفعت نسبته من جهة أخرى ..

إن المجتمع المغربي الحقيقي هو الأغلبية الصامتة ، التي لا تبالي بهذا النقاش ولا بالانقاسامات الفيسبوكية التي وقعت بسببه ، تلك الانقسامات كل واحدة منها تحاول أن تنتصر لأنانيتها لتقول إنني أنا الاقوى وانني أنا الذي أقوم بالتاثير على صناع القرار ، والريادة لي ، وكل فريق من هؤلاء تغيب عن ذهنه تلك الأغلبية الصامتة …

الأغلبية الصامتة هي التي تخرج كل صباح لتبحث عن قوت يومها وتعود في المساء الى بيتها منهكة ، تلك الأغلبية الساحقة نجدها في الأحياء الهامشية وفي الأقاصي البعيدة من القرى والمداشر ، وأيضا نجد بعضا منها من الذين يعيشون بحبوحة الحياة ولا يهمهم نقاش مدونة الأسرة ،لأن أجسادهم معنا وروحهم في بلدان أخرى ، يدرِّسون فيها أبناءهم ويذهبون إليها من أجل العلاج ، أما انتماؤهم للمغرب فهو من أجل مراكمة ثروتهم ، أما الأسرة في فلسفتهم هي أرصدتهم البنكية وأرصدة ابنائهم ، ولا علاقة لهم بالمساواة بين الجنسين ولا بزواج ولا بطلاق لأن ذلك يدخل عند بعضهم في إطار المصلحة .

الذين يناقشون حاليا مدونة الأسرة ويضعون أيديهم على قلوبهم هم أقلية مقسمة الى قسمين ، أقلية محافظة وأقلية مستحدثة ، فالأولى تستغل الدين الاسلامي لابراز قوتها داخل المجتمع ، والثانية التي اسميها بالمستحدثة تستغل قوتها الإعلامية ووسائل تأثيرها لاشباع غريزة الانتقام لديها من تيار تحسبه يهدد مصالحها ويعيق تقدمها نحو الاقتراب من صناع القرار الموجودين بمربع الحكم ، وبإسم الحداثة يتم خلق معركة تكسير العظام ، وباسم الدين يتم استغلال إمارة المؤمنين سياسيا للرد على الأقلية المستحدثة التي تستغل الحداثة لاستعراض قوتها ، والنتيجة من كل ذلك هو خلق حالة من الشتات والتيه ، في غياب تام للأغلبية الصامتة .

إن الحقيقة التي تغيب عن الأذهان والتي يتناساها الجميع ، هي أن المغرب له خصوصية ، ولا يمكن أن يقلد الغرب في كل شيء ، لأن هويته وقيمه وحضارته هي التي تضمن له استقراره وهي التي تميزه عن باقي البلدان منذ قرون …

المغرب هو بلد اسلامي ولا يختلف حول ذلك إثنان ، واسلامه لا يتحكم فيه اي فصيل، وهناك دستور ضمني هو الذي يحمي هذا الدين ، وهذا الدستور هو إمارة المؤمنين التي يتولاها ملك البلاد الذي هو سبط الرسول صلى الله عليه وسلم وإمارة المؤمنين تسموا على المواثيق الدولية لأن الأمر يتعلق باستقرار بلد وأمنه الروحي وهنا تكمن الخصوصية المغربية ، وعلى الذين يناقشون هذا الموضوع عليهم البحث اولا وأخيرا …

المغاربة متشبعون كثيرا بالثقافة الإسلامية وهم أكثر الشعوب تدينا ، حتى في عاداتهم وتقاليدهم يقدمون الطقوس الدينية في كل شيء قبل الشروط القانونية ، فعلى سبيل المثال في الزواج نجد الطقوس الاسلامية تسبق توثيق العقد و في الولادة كذلك ، وفي الموت ايضا يكون الطقس الديني قبل الإجراءات القانونية المتعلقة بالدفن وما الى ذلك وبعدها اقتسام الإرث ، أما الذين يقولون أن مجتمعنا المغربي يضم حتى اليهود ، فالجواب عنهم أن اليهود لهم طقوسهم الدينية التي يتزوجون ويطلقون بها ، اما المجتمع المغربي فيتزوج ويطلق على سنة الله ورسوله ، وعقد النكاح قبل كتابته يتم ذكر اسم الله عليه ” بسم الله الرحمان الرحيم” ..

من يملأ المساجد في رمضان التي لن تجد مكانا بها لو اتيت متأخرا ؟ من يملأ المساجد طوال السنة في صلاة الجمعة ؟ من يملأ المصليات في صلاة العيد ؟ من يشتري أضحية العيد ؟

إنهم مغاربة الواقع وليسوا مغاربة الفيسبوك ، ولماذا يفعلون ذلك ؟ لأنهم مسلمون متشبثون بإسلامهم ، وقد يكون منهم العاصي والسكير إلى غير ذلك ، لكنك لن تجد هذا المغربي يتنكر لدينه باسم الفريق المستحدث او يتبع دين فصيل اسلامي معين ، هذه هي الحقيقة الغائبة ، وهذا هو النقاش الموؤود في مدونة الأسرة ، فالمغربي اذا وضعت له مدونة بعيدة على هويته وثقافته وليست فيها روح الشريعة الإسلامية ، فإنه سيصنع مدونة عرفية ، ويصبح لدينا الزواج بالفاتحة وأبناء غير مسجلين بسجلات الحالة المدنية ، حينها ستعم الفوضى ونعود للبحث عن حلول لاقناع الناس بتوثيق زواجهم ولن ينفع معهم لا ترهيب بالقانون الجنائي ولا غيره ، لأن الدين عند المغاربة مجازا يسبق الماء والهواء ، وعلى السوسيولوجيين أن يقوموا بدورهم في هذا الباب وينجزوا لنا دراسات في الموضوع لانهم هم أهل الاختصاص .

من يريد أن يعرف المجتمع المغربي الحقيقي عليه أن يعيش وسطه ، لا أن يعيش وسط مواقع التواصل الاجتماعي ويتكلم باسم الأغلبية الصامتة ، ولا يجب أن نقيس المجتمع بالمدن الكبرى كالرباط والدار البيضاء وطنجة ، بل بالأقاصي البعيدة التي قد تكون خارج تصنيف التنمية ، والتي الهم الوحيد لسكانها أن يحاولوا العيش …

إن مدونة الأسرة هدفها خلق التماسك الأسري ، لبناء مجتمع قوي قادر على مواجهة التحديات ، فمجتمع بدون هوية كجسد بلا عقل ولا روح..

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *